نافع الناجي
يستخدم لغة السياسة في البيع لاقناع زبائنه، ويحاول أن يجمع ما تبقى من مهارات تعليمه الجامعي التي تكاد أن تتبخر بين كفتي الميزان، مازن رمضان خريج العلوم السياسية الذي حلم بالالتحاق بمعهد الخدمة الخارجية كي يكون قنصلاً أو ممثلاً دبلوماسياً لبلاده، لكن حلمه جعله يتعثر ليجد ضالته بين سلال الخضراوات والفاكهة، في احدى الأسواق الشعبية.
السياسة في البيع
بعد تخرجه لم يحتضنه سوى صاحب هذه (البسطة) التي يعمل بها بأجرٍ يومي، اذ يعمل مازن في مهنة لا تمت لتخصصه بصلة، لكن سياسة البيع وحوار الأسعار والمناقشات التي لا تخلو من مهادنة مع الزبائن، جعلته يركن بالتدريج شهادته الجامعية عند مدخل السوق.
سألته إن كان محبطاً، فابتسم بوجهي قائلاً {منذ دخولي هذا التخصص الجامعي، كنت أدرك إن التعيينات صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة، لكن حياتي لم تتوقف وها أنا أمارس شيئاً من السياسة التي تعلمتها في سوق الخضار}.
واسترسل مازن {لا أمتلك مصدر رزقٍ آخر سوى هذا العمل، وقدمت العديد من الملفات للتعيين، ولا أعرف مصيرها، لعلي أحصل على إجابةٍ بعد تشكيل الحكومة الجديدة وانعقاد البرلمان المقبل}.
سوق التخصصات
شباب بتخصصات إدارية وعلوم إنسانية يعملون بهذه المهن، من أجل توفير رزق اسرهم، لكن الطموح بالعمل بتخصصاتهم لا يبرح مخيلتهم.
في هذه السوق اختصاصات عدة تتوارى خلف البضائع والمحال التجارية، عثمان هو الآخر يسير على خطى زملائه في العمل، اذ يدرس التربية الرياضية ويتمرن في التعامل مع الفواكه ويمرّن حباله الصوتية في جذب الزبائن، متخذاً من (بسطة) الخضار وسيلة تعينه لإكمال دراسته، فالنتيجة بعد سنوات أخرى من التعليم تبدو مشابهة لرفاقه، {لا وظائف لدى الجهات الحكومية ولا في القطاع الخاص الذي انشغل بمهن وتخصصات مختلفة عما درسناه ونجيده}، هكذا قال عثمان، مضيفاً {نحن نبذل جهدنا وندرس ونتعلم بغية الحصول على شهادة أكاديمية رصينة، لكن الفوز بمقعد وظيفي ليس مضموناً في هذا الزمن، لاسيما ان البلد فيه ترهل كبير في الوظائف العمومية بالرغم من الإحالات السنوية لعشرات آلاف الموظفين على التقاعد}.
ضرب من العبث
كرار رحيم يقول {خلال شهر تشرين الثاني الماضي، أكملت عملي لألتحق بالدوام في الجامعة بعد عودة الدوام الحضوري}، مضيفاً {منذ 15 عاماً وأنا أراقب أخي الذي أنهى تعليمه ودخل سوق العمل، اذ يمتلك إحدى هذه البسطات، ليساعدني أنا وباقي أخوتي في دفع أقساط دراستنا ويبدو اننا جميعاً لن نتوظف على الإطلاق}.
مواصلا {الشغل ليس عيباً، لكن حين تجد حقوقياً او مهندساً أو فناناً يمتهن بيع الخضر على بسطة أو عربة متحركة، بينما هو يطمح لتحقيق ذاته في العلوم التي درسها، لا تفهم سوى إن ذلك ضرب من العبث}.
لافتاً الى أن {آلاف الخريجين اتخذوا سبلاً أخرى غير التعيين، في الحصول على رزقهم، لذا يبدو أن العمل بالاختصاص في العراق يعد ضرباً من ضروب الاستحالة}.
أزمة بنيوية
الدكتور محمد سمير رئيس قسم المحاسبة بكلية الادارة والاقتصاد في جامعة المثنى، يقول، إن {الإشكالية الحقيقية والرئيسة التي يعاني منها الهيكل الوظيفي، هي ما يتمثل بمشكلة الخريجين الذين تقذف بهم الجامعات والمعاهد سنوياً}، مضيفاً {لا شك أن هناك فجوة كبيرة منذ سنوات طويلة، ولعلنا نتذكر انعدام فرص التوظيف منذ بداية التسعينيات وحتى هذا اليوم}.
ولفت سمير الى {وجود أزمة بنيوية في هيكلية الاقتصاد العراقي وفي منظومة التعليم والتدريب في البلاد، اذ يعاني الشباب العراقيون من انعدام فرص التعيين، بينما نلاحظ عشرات آلاف العمالة الآسيوية في طول البلاد وعرضها}.
معدلات بطالة مرتفعة
وفقاً لإحصائيات أممية، فإنّ ما لا يقل عن أربعين ألف شخص يتخرجون سنوياً في الجامعات والمعاهد العراقية، وفي العام 2019 وحده كان هنالك نحو خمسين ألف خريج، وتم تعيين الفي خريج فقط من كل هذا العدد.
أوساط مختصة رجحت أن ترتفع معدلات البطالة ونسب الفقر في العراق خلال السنوات المقبلة رغم وصولها إلى نسب قياسية للأعوام الثلاثة الأخيرة، فبحسب آخر الإحصائيات التي أصدرتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يفوق عدد العاطلين عن العمل في العراق المليون ونصف المليون، بفئات مختلفة، بينهم عشرة آلاف أكاديمي من حملة الشهادات العليا.
وتقول المتحدثة باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إن {الوزارة تقدم رواتب شهرية لحوالي مليون و400 ألف اسرة مصنفة تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات وقاعدة بيانات معدة من قبل وزارة التخطيط}، منوهة في الوقت ذاته بأن {تلك الأجور ورغم تدني قيمتها، لكنها تسهم في تخفيف الفقر والعوز لدى الشرائح المستفيدة من ذلك الأمر}.
وسبق أن ذكر المتحدث باسم رئيس الحكومة في أواخر العام الماضي، أن الحكومة غير قادرة على توفير أي فرصة تعيين في الظروف الراهنة.