معالم سياحيَّة ومواقع أثريَّة تنتظر الإعمار

ريبورتاج 2021/12/08
...

 نافع الناجي 
بالرغم من الطابع الزراعي الذي يغلب على محافظة المثنى وكثرة أراضيها الخصبة المنتشرة في حوض الفرات، او بعيداً عنه في البوادي الشاسعة التي تمتد لمئات الكيلومترات وتحاذي دولتين خليجيتين هما السعودية والكويت، لكن المثنى (ثاني اكبر محافظات العراق بعد الانبار مساحة) تمتاز باحتوائها على موارد طبيعية أخرى لا تقل أهمية، مثل كنوزها الاثرية التي لم يكتشف منها سوى نسبة ضئيلة جداً، ومواردها المعدنية والبترولية ضمن الرقعتين العاشرة والثانية عشرة، فضلاً عن كميات كبيرة من المعادن والأحجار الصناعية كالمرمر والرخام والكلس والكلنكر ومادة الملح الخام، وعشرات المواقع والمقامات الدينية والأضرحة وبحيرة (ساوة) الطبيعية وهور الصليبات.
 
وبالرغم من كل هذه الكنوز التي تتمناها البلدان والمدن، لكن واقع المثنى الحالي جعلها واحدة من أفقر محافظات العراق، ويكاد أن يكون اعتمادها مطلقاً على الميزانية السنوية التي تخصصها الحكومة والتي لا تكاد تكفي لإكمال بعض المشاريع المتلكئة أو تعبيد بضعة طرق أو بناء بعض المدارس، الأمر الذي جعل الأصوات تتعالى لاستثمار الموارد الطبيعية للمحافظة وعدم الاعتماد فقط على ما تتصدق به الحكومة على إدارتها.
 
الدجاجة التي تبيض ذهباً
كتب الباحث قاسم السماوي تحت هذا العنوان، مقالاً طويلاً يشير فيه الى أن «المثنى وبحسب الإحصائيات الرسمية، هي الأعلى في نسبة الفقر بين بقية المحافظات والذي تظهر نتائجه بارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، وتفشي معدلات الأمية وقلة المشاريع المنتجة والتأثير في مستوى الخدمات», عازياً السبب الى «اعتماد المحافظة على تخصيصات الموازنة العامة للدولة وشحّة أو ندرة الموارد المحلية», ويشدد السماوي على أهمية «تعظيم هذه الموارد والبحث عن حلول واقعية متاحة تجلب مردوداً اقتصادياً فعالاً يسهم في رفع المستوى المعاشي للسكان وتوفير فرص عمل جديدة».
 
كنز السياحة
الناشط المدني والمحلل الاقتصادي ماجد ابو كلل، أوضح لـ «الصباح»، أن «المثنى تمتلك كنوزاً أثرية وتاريخية وبيئية مهمة، لكنها غير مستغلة أو مستثمرة بالشكل الصحيح»، مضيفاً، ان «بالإمكان توظيف هذه المقومات لخلق نشاط سياحي بوصفه رافداً اقتصادياً ومصدراً محلياً مهماً للدخل وحقلاً تجارياً يخلق الطلب على العديد من الصناعات والخدمات والمنتجات المحلية ويزيد من نسبة الإيرادات بصورة ملحوظة».
ويشير أبو كلل الى أن «دولاً عديدة مثل مصر، سوريا، لبنان، سنغافورة، دبي، هونغ كونغ، تركيا، قبرص، إيطاليا وإسبانيا ودولاً أخرى كثيرة، باتت تعتمد مواردها على السياحة التي تدرّ 45 مليار دولار سنوياً على تركيا لوحدها»، مشيراً الى أن «مورداً مثل النفط سينضب ذات يوم، لكن السياحة كنز لا ينضب مهما تعاقبت الحقب الزمنية».
آثار أوروكبقايا وأطلال مدينة اوروك التي تعد أقدم مستوطنة بشرية وأول مركز حضاري في التاريخ، تعد واحدة من أهم الكنوز التي تضمها المثنى، وآثار الوركاء الشاخصة في المدينة التي شهدت ولادة «كلكامش» صاحب أقدم ملحمة شعرية في العالم، كما شهدت أول الحكومات والبرلمانات والديمقراطيات في الكون، وخطت أول حرف وعرفت أول مدرسة، وكانت مركزاً لعبادة الإلهة «عشتار» إلهة الحب والحرب.
ويعود تاريخ أوروك الى الألف الخامس قبل الميلاد وما زالت زقورتها الشهيرة وبقايا معابدها وهياكلها مثل اينانا وكاريوس (بارثيان) شاهداً على أقدم الحضارات، والعالم يعرف قيمة وأهمية هذه الحضارة ولو استثمرت بشكل صحيح لجذبت اليها آلاف الأفواج السياحية من شتى بقاع الدنيا.
 
حلم كلكامش
تدور تفاصيل هذه الملحمة في الألفية الثانية قبل الميلاد وبطلها هو أعظم مخلوق عرفه التاريخ، لكونه ثلثي إله، فقد تحدى كلكامش خامس ملوك أوروك، الآلهة وهزمها، وبحث عن الخلود ووجده، وهي ملحمة السومريين العبقرية وأطول أسطورة عرفها التاريخ، وأكثرها غموضاً واثارة. 
اكتشفت الملحمة بالصدفة في موقع أثري في العام 1853 ليتبين لاحقاً انها المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشور بانيبال، وكتبت الملحمة بخط مسماري ومكونة من اثني عشر لوحاً طينياً مكتوباً باللغة الأكدية، ويحتفظ بهذه الالواح الطينية في المتحف البريطاني. 
ورغم قسوته وظلمه لشعبه في البداية، لكنه تنبه بعد وفاة صديقه انكيدو اثناء بحثهما عن عشبة الخلود، الى أن الخلود هو في تقوية أسوار مدينته وكسب محبتهم لتخلد أعماله بعد رحيله.وبعد جهود ومساعٍ كبيرة يعود لوح كلكامش بعد أن سرق عام 1991 وجرى تداوله في المزادات ليدخل بعد ذلك سوق الفن الاميركية في العام 2007.
 
بحيرة ساوة
واحدة من أغرب المعالم السياحية الطبيعية، هي بحيرة «ساوة» التي تعج بالألغاز والأسرار، فهي تقع في جوف الصحراء ولا تعرف لها منابع واضحة تزودها بالمياه، فضلاً عن ارتفاعها عن مستوى سطح الفرات بحوالي 11 متراً وجرفها المتكون من صخور كلسية وغيرها من الأسرار والمعطيات العصيّة على الفهم.
هذه البحيرة لو امتدت اليها يد الإعمار مع بعض اللمسات العمرانية، لأصبحت مشروعاً استثمارياً واعداً باعتبارها معجزة طبيعية وجيولوجية فريدة من عصر ما قبل التاريخ، لتكوينها الفريد والظواهر الطبيعية المصاحبة لها، اذ يعدها كثيرون أعجوبة ثامنة من عجائب
الدنيا.
 
وادي القصير وبادية آليس
كثيرون قد لا يعرفون الإثارة التي تحتويها بادية السماوة ومنها آثار وادي القصير ولعل الأسباب مرتبطة بعدم تسليط الأضواء على هذه البادية بشكل كبير لمعرفة جزء من تاريخ وادي
الرافدين.
فوادي القصير بواحاته وعذوبة مياهه يحوي سيراً تحكي قصص وبطولات قبائل هذه البادية وتاريخها الضارب في القدم، وقد عثر على هياكل عظمية لأناس استوطنوا المنطقة تعود للعصر الحجري القديم، كما يقع قريباً منه ما يعرف تاريخيا بمدينة آليس التي تعود الى الحقبة الساسانية، فضلا عن ارتباط وادي القصير بحضارات ما بين النهرين العريقة كالحضارة السومرية والأكدية والبابلية، ولا تزال قلعة القصير شاخصة في عمق الصحراء لغاية
 اليوم.
وهناك أماكن أخرى ذات أهمية تاريخية أو دينية او انها ظواهر طبيعية نادرة، مثل آبار مملحة السماوة وعيون نعمة وعيون عساف وهي عيون مياه طبيعية عذبة في عمق الصحراء، وهناك وادي “نقرة السلمان” والغضاري ومنتجع هدانيا الصحراوي وهور الصليبات وعشرات المزارات والأضرحة والمقامات الدينية كمقام الامام المهدي والنبي سليمان وسيدنا الولي الصالح الخضر وإبراهيم بن الحسن المثنى (أحمر العينين) ومعالم تراثية مثل المخافر الانكليزية القديمة وسراي الرميثة والعديد من المواقع الأخرى
 
باستيل العراق
هو سجن نقرة السلمان الذي شيده المستعمرون الانكليز في عمق صحراء المثنى بمنطقة مقطوعة تبعد 168 كيلومترا عن مركز مدينة السماوة، في العام 1927 كمركز حدودي لصد هجمات الاخوان الوهابية التي كانت متوالية على المدنيين والرعاة العراقيين منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي، لكنه تحوّل الى منفى سياسي ومعتقل في أواخر الأربعينيات ليرتبط بتاريخ العراق المعاصر، اذ شهد وصول نحو 200 معتقل أغلبهم من الشيوعيين من بينهم مظفر النواب وسلام عادل وناظم السماوي والفريد سمعان وجاسم المطير وعشرات الكفاءات من المعارضين السياسيين من ضباط ومهندسين وأطباء ومعلمين وأساتذة
جامعات.
وبالرغم من أن السجن أغلق تقريبا في أواخر الثمانينيات بعدما قام النظام البعثي ببناء معتقلات أخرى بالمنطقة نفسها لا تقل وحشية وضراوة عن هذا المعتقل الرهيب، مثل الشيحيات والليّة وغيرهما، لكن أطلال سجن نقرة السلمان لا تزال قائمة، ومن الممكن ترميمه وتحويله الى متحف يوثق لمرحلة مهمة من تاريخ العراق المعاصر، أسوة بسجن الباستيل في
فرنسا.
 
مؤتمرات إعلامية ودعائية
وبغية استثمار هذه الأماكن وتحويلها الى موارد اقتصادية لخدمة أبناء المحافظة، يقول الكاتب والمحلل يوسف جابر المحسن «لا بد من وضع ستراتيجية شاملة من قبل خبراء ومختصين تبدأ بالممكن وتتضمن خططا آنية ومستقبلية لتغيير واقع المثنى الحالي من خلال توفير الخدمات والبنى التحتية اللازمة وتوفير وسائل الراحة وتهيئة ملاكات مدرّبة كمرشدين سياحيين وكل ما له صلة بهذا الأمر».
مضيفاً «من المهم أن يرافق ذلك وضع خطة تسويق وترويج إعلامي من قبل خبراء، تتضمن طبع ملصقات وبروشورات تعريفية ومواد وأشرطة فيديوية مرئية تبث على شكل إعلانات في القنوات المحلية والدولية، وتكليف لجنة عليا لإيصال هذه المواد وترويجها لكل مكاتب السياحة في عموم العراق ودعوة نخب ثقافية وفنية وإعلامية وخبراء السياحة والآثاريين وأساتذة الجامعات المختصين بالتاريخ لإقامة فعاليات إعلامية كبيرة تتضمن زيارة هذه المواقع والترويج لها بشكل مثالي»، لافتاً الى أن «كل هذه الجهود ستمهد الطريق لتعظيم الموارد الاقتصادية للمثنى وجذب السياح العرب والأجانب سيصب في تطوير خدمات هذه الأماكن وبناها التحتية وتقديم سلع ومنتجات تزيد من مواردها وتنعكس على تحسن معيشة السكان».