ميتافيرس: تحولات {الميتا} وتجسُّد الإنسان

ريبورتاج 2021/12/12
...

   حسن جوان
 
بدأنا من الرؤية الموجزة للمهندس الاستشاري قيس يعقوب المشتغل في حقل الواقع المعزز والذي يعتقد أن هذا الكشف سوف يصب في تعزيز مشروعه الرقمي في إعادة بناء المواقع الاثرية والحضارية رقمياً في عموم تاريخ الرافدين، اذ يقول: {استطيع أن أقول إن طبخة الميتافيرس ما زالت على النار وعند استوائها تماما ستكون هي الحلم الذي كنت انتظره، فأعمالي التي تغطي جميع حقب ما كانت عليه حضاراتنا المتعددة سنتمكن من الولوج في اعماقها ونعيش اجواءها بسلاسة من خلال نظارات الميتافيرس، فرادى او جماعات، من ناحية أخرى حول طبيعة التعامل مع هذا التغيير، دائما كل جديد يستغل لأمور تفرط في المبالغات او امور اخرى، ولكن الزمن يغربلها ويطورها للأفضل والانسب والاصلح}.
 
الضار والنافع
لكن بالانتقال الى الدكتور صفد الشمري رئيس مركز التواصل الرقمي تضاعفت التساؤلات التي يطرحها كمتخصص قرأ التحولات الحاضرة، وهو يتجه صوب توضيح القادم حدّ التحذير من اهمال التعامل مع القادم بجدية ومواكبة عصره، ويقول الدكتور صفد: {اثرت الاستخدامات المتنامية للتقانات الرقمية في طبيعة المجتمعات بالكامل، حين صارت تمس يوميات الفرد والدولة، وغيرّت من الممارسات والعادات وربما حتى العديد من القيم، ضمن حراك تقني عاصف هز الثوابت المجتمعية والنفسية، ومنها علاقة الفرد بمن حوله، وغيرت حتى من المفاهيم التي كانت ثابتة منذ قرون، فحين كانت {الافتراضية} على سبيل المثال تنوّه الى أي شيء ليس له تواجد فيزيائي ضمن النطاق الواقعي والإطار الملموس، وقد لا يشكل إي تحدٍ او تهديد، ما قد يضعف من أهمية هذا الشيء بحكم عدم وجوده أصلاً، صار اليوم ينوّه بظاهرة رقمية كونية هي الأكثر تأثيراً على أرض الواقع، بل غيرت من الواقع نفسه، على شاكلة برامجيات وخدمات وأدوات، تفضي الى انتاج {واقع} جديد بذاته انشغل فيه الانسان، وصار يغطي ساعات مطوّلة من نهاره.
تلك {الافتراضية} المثيرة صارت تحاكي الاهتمام بشكل أكبر مع تطورها بشكل متسارع الى ما يعرف اليوم بالواقع المعزز، الذي تتمحور فكرته بالدمج بين الواقعين الفعلي والافتراضي، اي أن تكون هناك اشياء موجودة فعلاً، تضاف اليها اشياء اخرى افتراضية، ومنه فلاتر التطبيقات الرقمية التي يمكن أن تغير ملامح اجزاء من تفصيل كامل، وكذلك أن تكون حاضراً في حفل او اجتماع لا يمكن أن تتواجد فيه بشكل فعلي، وتتفاعل معه، ويتفاعل من حولك معك، عبر واقع رقمي معزز، وقد تمت الافادة من الواقع المعزز حتى في التسويق، اذ يمكن لك أن تضع قطعة اثاث يجري عرضها للبيع في احد المتاجر، في احدى زوايا المنزل، لتحدد قراراتك عن مدى توافقها مع احتياجات المنزل او طبيعة تصميمه أو الوانه أو احجامه، لتقرر شراء القطعة أو ابدالها باخرى.
ان تلك التحولات المتسارعة تحتم على العراقيين تبنيهم لاجراءات مواكبة هذا التحول، ومنها تنمية مهارات المستخدمين على ادواته، على أن يسبق هذا كله احداث التغيرات في عقلية ادارة المؤسسات على اختلاف انواعها وبما يتوافق مع متطلبات هذا التحول الذي صار التراجع عنه علامة لتراجع اداء الدولة بالكامل، وأن تكون هناك اعادة قراءة لاساليب محاكاة واقع اليوم ومجاراته، هذا الواقع الذي أثر في الجوانب النفسية والبايولوجية للإنسان، فاذا كان سقراط قد حذر من خطر {الكتابة} التي غيرت من الانسانية كلها، وقال انها {خفضت من قيمة الذاكرة} في حينه، فماذا عن رقمنة الكون اليوم، ادخل نفسك في تجربة: أسال أي شخص أمامك، ما هو تاريخ اليوم، تراه يسحب {موبايله} ليمنحك الإجابة الموثوقة، وهنا فقط يمكن أن نعلم حجم الكارثة!}.
ربما يكون علي حسين زبير مدرب التقنيات الرقمية والمتخصص في أمن المعلومات قد وفر لنا رؤية علمية اكثر بانورامية وعملية تعتمد على متابعة بالغة في رصد الشركات الرقمية وتحليل المعلومات وتوقع القادم بمساحة معقولة من دراسة توقعاتها، يقول الأستاذ علي زبير: {مصطلح الميتافيرس يستخدم لتسمية الإصدارات المستقبلية لشبكة الانترنت وكاصطلاح  فالكلمة مكونة من جزأين الميتا - وتعني ما وراء او الأكثر دقة وكلمة فيرس - وتعني الكون، ونحن كمختصين في الامن الرقمي وتقنية المعلومات كلمة {ميتا} ليست جديدة علينا، لا سيما في مجال الصور والفيديوهات، وعادة عند رصدنا لاي صورة او محتوى على وسائل التواصل نتعامل مع معلوماتها الخفية والمسماة {ميتاداتا} وتتضمن كل المعلومات التحليلية والمرجعية للصورة، لقد دخلنا في تجربتنا الحالية العالم الافتراضي على مستوى ثنائي الابعاد، في الميتافيرس سيكون العيش ثلاثي الابعاد، ويمكن تبسيطه الآن في الألعاب الالكترونية ثلاثية الابعاد بشكل محدود، وقد نحتاج الى بعض الوقت لكن الدخول عالميا في عالم الميتافيرس قد بدأ بشكل فعلي، اذ انطلقت كبريات الشركات بالتسابق في هذا العالم وهو ما حدا بشركة فيسبوك الى توظيف آلاف الخبراء الجدد لديها قبل إعلانها عن تغيير اسمها وطرح بيانها الجديد، وانوه هنا أن الميتافيرس ليست مملوكة لشركة محددة مثل فيسبوك او مايكروسوفت بل هي تمثل التطور الطبيعي في خدمة شبكة الانترنت عالميا}. 
 
الدخول إلى عالم بدل تصفحه
ويضيف زبير في معرض تنويعه على جنبات أخرى من هذا العالم: {في الميتافيرس سوف يدخل الشخص هذه المرة في الموقع المراد تصفحه او المكتبة التي يريد اختيار كتاب منها وقراءته ثم اعادته بمعنى انه سيكون متواجداً ومرئياً في المكان، لكن بالصورة او الافاتار – الشكل، اللون، الجنس، العرق - الذي نختاره لانفسنا من مظهر وملبس.. الخ، وهو ما يتيح لنا إعادة صناعة الصورة والمكان والظروف بشكل اختياري بالكامل}.
وطبعاً سيكون لهذه التقنية القادمة محاسنها ومساوئها لكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من حياة غير ملائمة ستكون ملاذا مواتيا لتغيير ظروفهم والمشاركة الإيجابية في حياة جديدة نافعة وكذلك سينتفع المستثمرون في انشاء امبراطوريات تجارية عبر استخدام عملات رقمية جرى اختبارها في السنوات الماضية مثل البيتكوين وغيرها، ما قد يعني اختفاء العملات الورقية بشكل مطلق، لتكون الممتلكات رقمية بما في ذلك الممتلكات المعدنية مثل الجواهر والمعادن الثمينة، ونلاحظ هنا ان ما بدأ اليوم بنظارات (في آر بوكس) كواسطة سيكون غدا ضرورة كما أن الشخص غير الموجود في عالم الميتافيرس سيكون غير موجود عمليا كالذي يعيش في القرن الحالي من دون أن يستخدم أي نوع من الهاتف او التواصل الالكتروني أي انه منقطع عن العالم الخارجي.
 
الخصوصية وأمن البيانات
وهناك مخاوف - والكلام لزبير- في عالم الميتافيرس وسط تبادل الاتهامات بين كبرى الشركات بخصوص اختراق البيانات وامن خصوصية المستخدم، في ظل حصول الميتا هذه على بيانات لا تقارن بالمواقع الرقمية الحالية المقتصرة على الاسم ورقم الهاتف، اذ  ستكون هناك بصمة العين وبصمة اليد وقواعد بيانات كاملة وحقيقية لكل شخص مما يفرض سيطرة شبه تامة في التعامل مع الأشخاص واكثر فعالية، وكما تعلم إن تسرب قواعد البيانات هذه كما حدث قبل فترة في شركة فيسبوك نتيجة عطل تقني استمر لنصف يوم أدى الى تسرب العديد من البيانات ما يمكن استخدامه بطريقة غير آمنة.
 
بلا مساحيق ولا عضلات
ختاماً.. لن تحتاج فتيات الميتافيرس الى المزيد من المساحيق والفساتين، لأنهن سيخترن المساحيق الافتراضية مجانا من دون مغادرة البيت، وربما يقتنين اغلى الفساتين للسهرة والسفر والعمل من دون مقابل، وكذلك لن يضطر الفتيان الى بناء عضلات مفتولة في القاعات الرياضية بعد ذلك، لأنهم سوف يختارون الجسم الرياضي الذي يحلمون به من دون جهد يذكر، وهذا سوف يسبب ضررا على كثير من شركات انتاج المساحيق والمنشطات وأماكن السياحة واللقاء الخ، لكن الطرافة وتطور الزمان يجب أن يتقبله الآخرون الآن بروح رياضية أيضا.. هي روح العصر المقبل.