نافع الناجي
بتنوع شؤون الحياة وتعقيداتها، تنوعت وتزايدت حالات التفريق القضائي (الطلاق) في مجتمعنا العراقي، الأمر الذي عزاه مختصون وحقوقيون الى جملةٍ من الأسباب، من بينها الخيانة الزوجية وزواج الفتيان اليافعين من القاصرات، الذي ينتهي عادةً بمشكلات تؤدي الى الانفصال لعدم تحقق الانسجام بين النساء والرجال.
فضلاً عن أسباب أخرى متعلقة بعدم تحمل المسؤوليات من قبل الزوج الذي قد يكون قاصراً أو عاطلاً عن العمل أو رجلاً طاعناً في السن أو مريضاً، كذلك أسباب تتعلق بضعف الحالة المادية والاقتصادية وشيوع الاستخدام الخاطئ لأجهزة الهواتف الذكية وتطبيقاتها ومواقع التواصل الاجتماعي.
الخلع في مجتمعنا
لكن اللافت للنظر تزايد حالات (الخلع) التي تسجلها محاكم الأحوال الشخصية في عموم البلاد، والخلع هو ببساطة أن تبادر الزوجة لطلب التفريق عن الزوج وإنهاء الارتباط من خلال المحكمة المختصة، وفي هذا الصدد تقول المحامية سعاد أحمد لـ «الصباح»، إن «أسباب زيادة حالات التفريق أو الطلاق، تنحصر بعوامل عديدة لعل أبرزها الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتعنيف الذي تتعرض له النساء، وكذلك انخراط بعض النسوة في مجال العمل واعتماد جزء كبير من الرجال على عمالة النساء في الأسواق»، مضيفة «رصدنا خلال الثمانية أشهر الماضية ما يقرب من مئتين وخمسين حالة خلع تطلبها النساء في المحاكم»، وبيّنت سعاد أن «سبب زيادة حالات خلع الرجال هو استغلال بعض الأزواج للنساء ودفعهن الى ساحات العمل، بينما يفضلون هم البقاء في البيوت».
الطلاق خارج المحاكم
وتظهر إحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى، ان حالات الطلاق المسجّلة في المحاكم العراقية في جميع المحافظات خلال شهر آب الماضي (باستثناء محافظات اقليم كردستان)، بلغت أربعة آلاف و(491) حالة سجلت غالبيتها خارج المحاكم الرسمية وتمت المصادقة عليها لاحقاً، بينما بلغت حالات التفريق بحكم قضائي الفاً و(631) حالة.
ويقول عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الحقوقيين ناطق الفرطوسي، إن «الكثير من حالات الطلاق تحدث خارج اطار المحاكم هرباً من محاولات الصلح التي يقوم بها القضاة في محاكم الأحوال الشخصية أو بغية التهرب من دفع حقوق الزوجة والأطفال».
شرخ مجتمعي
وأضاف الفرطوسي : ان «هنالك الكثير من الأسباب التي تجبر المرأة وتوصلها لمرحلة طلب الطلاق أو أن تخلع زوجها، مثل تردي الحالة الاقتصادية أو عدم وجود مسكن زوجية مستقل، فضلاً عن مضاعفات جائحة كورونا وضياع فرص العمل أو التعيين لكلا الجنسين»، لافتاً الى أن «الانفتاح الذي شهده العراق خلال السنوات الأخيرة ووجود الأجهزة اللاقطة للفضائيات بكل بيت وشيوع استخدام الهاتف المحمول والانترنت زادت من حالات عدم الثقة وأحدثت شرخاً في مؤسسة الأسرة ونمت حالات التباعد بين أفرادها».
غرامات مالية
وتشهد أروقة محاكم الأحوال الشخصية في طول البلاد وعرضها، على ملفات تحوي مشكلات اجتماعية وصفها البعض بالكارثية لعل في طليعتها موضوع الطلاق، وهو قرار مؤلم لفراق زوجين بعد أن أغلقت كل أبواب التفاهم والحلول بينهما.
ويقترح عدد من القانونيين فرض غرامات مالية، كشيء ابتدائي او إصدار قوانين صارمة من المحاكم بوجه الزوجين للحد من شيوع هذه الظاهرة وللتخفيف من أعدادها الهائلة.
تقول المحامية غيداء كاظم: إن «غالبية دعاوى الطلاق تكون من قبل الرجال، اذ يلجأ الرجل للطلاق تخلصاً من الأعباء والمسؤوليات اليومية ولكونه يمتلك العصمة بيده»، مضيفة «لكن هذا الأمر لم يمنع وجود حالات تفريق تقدمت بدعاواها المرأة مطالبة بالخلع لانتفاء أي أسباب تدفعها للاستمرار بحياة الزوجية».
طلاق بسبب عدم الخروج!
تبدو بعض دعاوى الطلاق مبنية على أسباب سطحية وتافهة في بعض الأحيان، اذ أخبرنا أحد المحامين إن إحدى السيدات طالبته برفع دعوى طلاق على زوجها بذريعة إنها شبه محبوسة بالبيت وهو لا يقبل أن تخرج معه للتنزه أو التسوق!.
بينما طالب أهل عروسٍ أخرى زوجها الشاب ببناء منزل مستقل لابنتهم وشراء هاتف محمول حديث لها، وكان عاطلاً عن العمل وغير قادرٍ على تلبية هذه الطلبات التي يراها لا تنسجم مع واقع حاله، فتم
الطلاق!.
وبحسب مختصين، فقد أوضحوا أن عدم تفهم الأسر للأبناء وجعل مبدأ الزواج هو الأساس في بناء مستقبلهم، حتى لو كان مبكراً ومستعجلاً وفي سنٍ غير قانونية، اذ يعقد القران خارج هيكل المحكمة وبعيداً عن تشريعاتها، من دون التفكير برادع قانوني ضده، زاد من حالات التفكك المجتمعي ومتاعبه، مطالبين بالتكاتف المجتمعي بين جميع الفئات القانونية والدينية، لوقف هذا التزايد المقلق بعدد حالات الطلاق وانهيار
الأسر.