أزمة المياه في جنوب بابل تتفاقم وتنذر بنزاعات عشائريَّة

ريبورتاج 2021/12/20
...

  محمد عجيل 
ينتظر المزارع يحيى مهدي أن تتدخل القدرة الإلهية من خلال تساقط الامطار كي يتمكن من استعادة جزء من خسائره المالية التي قدرها بثلاثين مليون دينار في الموسم الزراعي الصيفي، بعد أن تسببت ازمة المياه الحادة التي شهدتها مناطق وقرى جنوب بابل بانخفاض نسبة انتاجه من المحاصيل، ومهدي هو واحد من عشرات المزارعين الذين جلسوا مكتوفي الايدي نتيجة لغياب الحلول الحكومية في معالجة الازمة التي نشبت قبل عام تقريبا بسبب شكاوى تقدمت بها حكومة الديوانية، وادعت أن محافظة بابل تجاوزت على حصتها المائية، ما ادى الى انخفاض حاد تدفع ثمنه حاليا مجمعات المياه الصالحة للشرب، ومن ثم زحف ذلك على العلاقات العشائرية في تلك القرى، اذ كادت  الازمة المائية أن تتسبب في نزاع عشائري مأسوف عليه.
 
 
ضحية علاقات
يرى المزارع جميل المسعودي، أن ما تعانيه مناطقهم من أزمة مياه سببها العلاقات داخل المنظومة الحكومية التي تشرف على توزيع المياه، ويقصد بها وزارة الموارد المائية والتي لا بد لها أن تقوم بمهامها بشكل عادل. 
وقال: إن هناك أطرافاً في وزارة الموارد المائية تميل لمصلحة رفع حصة مياه محافظة الديوانية على حساب حصة محافظة بابل على اعتبار أن هناك مساحات شاسعة من الاراضي في الديوانية ومنها في الشامية والدغارة وآل بدير وسومر تزرع محصول الرز الذي يحتاج الى كميات كبيرة من المياه.
وأكد «رغم مطالباتنا المستمرة، لكن لم نلمس اجراءات تسهم في وضع حد للمشكلة، سواء من قبل الحكومة المركزية او المحلية»، بينما يشير المزارع سالم طوفان الى أن واقع المياه في بابل اصبح في أسوأ حالاته ولا يمكن السكوت عليه، لكونه مرتبطاً بمصالح المئات من الأسر، و احد أسباب تفشي البطالة وهجرة القرى والأرياف باتجاه المدن بحثاً عن العيش
الكريم. 
واوضح أن الاعتصامات والتظاهرات والمطالبات لم تجدِ نفعاً، ولا بد من اجراءات سريعة تحفظ حقوق الجميع، والا سنجد أنفسنا في نزاعات عشائرية نحن في غنى عنها، كما حدث في قرية النكابية من سوء فهم حول كسر احد النواظم من قبل موظفي الموارد
المائية. 
ويطرح الناشط المدني منذر الجبوري أسباب المشكلة من منظور آخر وفي هذا الصدد، يقول: إن سيطرة جهات متنفذة في السلطة على آلاف الدونمات سواء عن طريق التعاقدات او الشراء تسببت في حجز المياه من دون النظر الى تعليمات وزارة الموارد المائية، والامر الآخر إن هذه الجهات المتنفذة هي نفسها تمنع أن يكون هناك اجراء حكومي في حل الأزمة، حتى وصل الأمر الى رفض أنصاف الحلول. 
 
الأسباب الفنيَّة
يقول فاضل حسن مشاري مدير ناحية  الطليعة : إن هناك أسباباً كثيرة تقف خلف أزمة المياه التي تعصف بمناطق جنوب بابل، منها ما هو فني، اضافة الى الأسباب الطبيعية الاخرى التي تتعلق بانخفاض منسوب نهر الفرات لأسباب تتعلق بالحصة المائية للعراق، وانخفاض منسوب تساقط الامطار، وتنحصر الاسباب الفنية في تنفيذ مشروع تبطين جدول الهاشمية الذي يصب في نهر الجربوعية بشكل خاطئ من قبل وزارة الموارد المائية قبل سبع سنوات، اذ اخطأت الملاكات الهندسية في تحديد منسوب شط الحلة وقامت برفع التبطين بارتفاع 50 سم، ما يعني أن المياه لا تدخل الى النهر المتفرع في اي انخفاض مستقبلي في شط الحلة، وهذا ما حدث فعلا. 
واكد «حاولنا من خلال مخاطباتنا المستمرة مع حكومة بابل المحلية أن نتدارك الأمر، وكان الحل أن توضع نحالات على شط الحلة تقوم برفع المياه الى نهر الهاشمية في اوقات انخفاض منسوب شط الحلة، لكن واجهتنا مشكلة في كيفية تشغيل تلك النحالات، وتم الاتفاق على تشغيلها من خلال مولدات كهربائية، لكن هذا الامر كان يحتاج الى مادة الوقود فتارة نحصل عليه من خلال المحافظة، وتارة اخرى يتوسل المزارعون ببعض الميسورين كي يجهزوا المولدات لغرض تشغيل النحالات، حتى اصبح هذا المشهد بمثابة مشروع خيري يراد من خلاله الحصول على الاجر والثواب، الى أن توقفت تلك النحالات بشكل كامل ما ادى الى نشوب وتفاقم الازمة ودفع المزارعين الى الاعتصام في مكان النحالات، ونصبت الخيام ورفعت الشعارات ومن ضمنها شعار اضحك الجميع وهو «يا وزير شغلنا النحالات، حتى نكعد من السبات».
 
اجراءات مع وقف التنفيذ
من جهته بين قائممقام قضاء القاسم وسام شاكر العيساوي: لقد تمخض عن الاعتصامات التي قام بها الفلاحون تشكيل وفد يضم مزارعين ومسؤولي دوائر ونواب فائزين، وذلك لمقابلة وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، وفعلا تمت المقابلة وعرض الموضوع بكامل تفاصيله، وكان الوزير متفهما وعبر عن رغبته في انهاء الملف من خلال مقترحين، الاول يتم من خلاله كسر تبطين نهر الهاشمية لغرض استعادة منسوب المياه السابق، او يتم ايصال التيار الكهربائي (طوارئ) الى النحالات، لكن كلا الامرين لم يتحققا، لان الاول اشترط فيه تحمل الفلاحين والمزارعين جميع مصاريف كسر التبطين التي تبلغ ملايين الدنانير، بينما لم يتحقق الاجراء الآخر، لأن وزارة الكهرباء اشترطت تحمل وزارة الموارد المائية شراء المواد الكهربائية، وادخالها للمخازن ومن ثم استعمالها من قبل وزارة الكهرباء، الامر الذي لم ينفذ من قبل وزارة الموارد المائية، وبقي الحال على ما هو عليه، واعرب العيساوي عن امله في أن تسفر المرحلة المقبلة عن وضع حل نهائي لمشكلة شحة المياه في مناطق جنوب بابل لما له من اهمية كبيرة في رفع القدرات الزراعية، لأن المناطق المذكورة تسهم بشكل فعال في توفير أنواع عديدة من محاصيل الفواكه والخضار، مثل الطماطم والباذنجان والبطاطا والخيار والباميا والباقلاء والحنطة والشعير والذرة الصفراء
وغيرها.
 
الاستعانة بقوات طوارئ
وتحدث المهندس محمد عبد الرضا، مدير الموارد المائية في ناحية الطليعة التي تعاني من شحة مياه خانقة زحفت الى المجمعات المائية، قائلا: لقد استعانت مديرية الموارد المائية في بابل بأفراد من قوات  الطوارئ مدججين بالسلاح، لغرض تغيير أنابيب ناظم رسيم على شط الحلة باتجاه ناحية الطليعة من قطر 120 سم الى 60 سم،  في الوقت الذي تضم فيه الناحية ثلاث عشرة قرية زراعية بمقدار اثنين وثلاثين الف دونم خرجت منها خمسة عشر الف دونم من الانتاج الزراعي، وتم ذلك بحضور مدير الموارد المائية في الديوانية، ما يؤكد حجم الضغوطات الذي تتعرض لها حكومة بابل من اطراف في مواقع متقدمة، بينما اشار الخبير الزراعي فرحان عليوي الى توقف كل المجمعات باستثناء مجمع واحد يغذي وسط الناحية، ما ينذر بخطر قدوم موسم جفاف لا تحمد عواقبه، وقال: ان غياب التخطيط، وسوء الادارة حرما المزارعين من الاستخدام الامثل للمياه، اذ غابت مشاريع التبطين وتوقف منح المبادرة الزراعية التي حرمت الفلاحين من تنفيذ مشاريعهم في حفر الآبار الارتوازية، اذ تنعم المنطقة بالمياه الجوفية، اضافة الى انشاء شبكات مياه
التقطير.
 
تحذيرات
وفي عودة لحديث مدير ناحية الطليعة الحقوقي فاضل حسن مشاري، الذي اطلق جملة من التحذيرات في حال بقاء الوضع على ما هو عليه ومن دون معالجات مرضية، من ضمنها لجوء ادارة الناحية الى تغيير انبوب ناظم رسيم  واعادته الى ما كان عليه قبل عام 2021، او البقاء عليه من دون الالتزام بتوقيتات المراشنة، وذلك من اجل توفير جزء يسير من المياه ربما تكفي فقط للمجمعات المائية، في حين يبقى الجفاف يضرب الاراضي الزراعية، وبالتالي نجد انفسنا امام مشكلات تؤدي الى تهديد السلم الاهلي، كما حدث قبل فترة ليست بالبعيدة. 
وختم مشاري تصريحه بالقول: ان الفوضى السياسية التي يعيشها البلد اخذت تؤثر في مصالح الناس ومستقبل اولادهم، ونحن في حيرة من امرنا، اما نطبق النظام اللامركزي الذي اعطى صلاحيات للحكومة المحلية لاستثمار مواردها، ونضع ايدينا على حصصنا من المياه بشكل كامل من دون أن يهددنا احد، او اي جهة او نعيد نظام السلطة المركزية، وننتظر الحلول من العاصمة، وها هي تقف عاجزة عن توفير انصاف الحلول، والدليل ان حفارة واحدة تعمل بالتناوب في ست دوائر تابعة للموارد المائية في جنوب بابل، فهل يعقل
هذا؟.