الأمّ.. الجندي المجهول في ظل صعوبات الحياة اليومية

ريبورتاج 2021/12/22
...

 نافع الناجي
مع بزوغ فجر كل يومٍ جديد، تغادر (أم محمد) منزلها باكراً لمباشرة عملها في السوق الشعبية لمنطقتها، هي تتكسب من الدنانير القليلة التي تنالها لدفع مصاريف المنزل وأولادها وتوفير قوتهم اليومي، فلا معيل بعد رحيل زوجها لها سوى ما تجنيه من ممارسة العمل ببيع بعض السلع البسيطة التي تشتريها من سوق الجملة، فرضت الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلد، حياة معيشية شبه معقدة، لا سيما في ظلال جائحة «كورونا» الراهنة، التي حملت أسرنا العراقية مزيداً من الضغوط نتيجة تخلي أرباب العمل عن موظفيهم، والإغلاقات المتتالية «جزئية أو كلية» بحسب تفشي الوباء والظروف الصحيّة العامة وما ترتب على ذلك.   ولأن المرأة (الأم) هي عماد أي أسرة وركيزتها الأساس، كان محتماً أن يقع عائق تدبير أمور المنزل على كاهلها، إلى جانب مشاركتها في الأعمال الخارجية إن توفر لها مصدر رزق كما في حالة (أم محمد). 
 
تنظيم الميزانيَّة
لا يعني ذلك نكران دور الأب في الأسرة، حيث يظلّ هو المعيل الأول لتأمين الجانب المادي في حين تقوم الأم في تنظيم ميزانية الأسرة، بما يؤمّن للأولاد وللأسرة عموماً حاجاتهم الأساسية وتسيير شؤونها بالشكل الأنسب، لكن أن تضاف أعباء العمل أيضا على عاتق الأم فهي الإضافة الكبيرة في حياتها ومحيطها المجتمعي.  
في هذا السياق تخبرنا «عائدة» الخمسينية، عن معاناتها التي تشبه معاناة أمهّات كثر،  فتقول لـ «الصباح»، إن «الأوضاع الاقتصادية صعبة وتحتاج أحياناً إلى دفتر وقلم لتقسيم المصروف، فالراتب الشهري المجرّد لا يكفي الأسرة، والأسعار متغيّرة ولا تتناسب أبداً مع المردود ولا التعب، لذا نضطر ان نقتصد ونتجاوز الكماليات، حتى نستر أنفسنا شهراً
لآخر».
وتكمل «أنعام» أفكار عائدة نفسها، قائلة «لوّعتنا هذه الأوضاع الصعبة وجعلتنا نتذوق المرارة، نعمل ليل نهار بالتعاون المشترك مع الزوج، ومع ذلك نعجز عن توفير كل متطلباتنا، ولنكن حقيقيين نحن حتى لا نحقق ربع احتياجاتنا، لا سيما إذا أضفنا إلى مصاريف الطعام والشراب مصاريف أن يمرض أحد أفراد الأسرة ونفقات
المدارس».  
 
تكاليف المدارس
في حين تشكو «حياة» وهي أم لثلاثة أولاد، غياب زوجها المعيل الأول نتيجة وفاته بفيروس كورونا، واضطرارها للانخراط بأعمالٍ مختلفة من أجل إعالة أسرتها، لاسيما بداية الموسم الدراسي الجديد، ما يعني أعباء أضافية أخرى من تأمين حقائب وملابس مدرسيّة وقرطاسية وغيرها من اللوازم والمتطلبات التي ارتفعت أسعارها الضعف عن العام المنصرم. 
وفي سبيل نجاح الأولاد وتفوقهم الدراسي، تستمرئ «حياة» أي تعب ومشقة تبذلهما بإحساس الأم كي تراهم ناجحين في حياتهم المستقبلية، وفخورين بما حققته لهم والدتهم في سبيل استمرارهم بمسيرتهم التعليمية وعدم تسربهم من مدارسهم.
 
أفضلية ولكن..!
الباحثة الاجتماعية إخلاص العامري، توضح «نحن دائما نتحدث عن أهمية وجود المرأة في أي منظومة مهنية في مجتمعنا، لأنها تتمتع بكفاءات مهمة وأحياناً تكون مفضّلة عن زميلها الرجل، لا سيما في مهن التمريض والطبابة والتعليم وغيرها». وأضافت «المهم ليس عمل المرأة فقط، لا سيما للأمهات، بل السؤال ما الذي ستجنيه الأسرة أو المجتمع من عملها، وأيضاً هل سوق العمل هي بحاجة فعلية لعمل النساء؟، لو حصلنا على الإجابات بشكلٍ دقيق حينها ستتضح كل الأمور على طبيعتها». 
ولكون مجتمعنا العربي عامة والعراقي خاصة يعاني من ظاهرة بطالة وفقر شديد بنسبٍ عالية، تؤيد العامري خروج النساء للعمل وتعدّه ظاهرة صحية للتطور الاقتصادي للمجتمع، لكن بشروط منها مراعاة مساواتها بالرجل في الأجور والحقوق، لافتة الى أن «بعض أرباب العمل يبتزون النسوة جرّاء حاجتهن للمال والعمل، ويبخسون حقوقهن بمنحهن ساعات عمل أطول ولكن بأجور أقل».
 
تشريعات لا بدّ منها
الأمهات العراقيّات الصابرات في ظل هذه الأوضاع المعيشية الصعبة، يستحقّن كلّ التّقدير، ولا بد من الالتفات لهنّ ولمعاناتهن في هذا الظرف الحرج لتذليل معاناتهن وتخفيف آلامهن، كما ان مجلس النوّاب بدورته المقبلة يتحمل مسؤولية إصدار تشريعات جديدة تحافظ على كيان الأسرة العراقية وتماسك نسيجها الاجتماعي، بأن تنصفها وتضمن للنسوة حقوقاً تساوي حقوق الرجل وتكفل لكل شرائح المجتمع العيش الكريم وفقاً لما حدده الدستور بهذا الصدد. 
أن تكوني أماً في بلادنا فهذا يعني أن تخبئي دمعةً (حارقة) خلف منديل، ولكي تحمي أسرتها يوماً آخر، فقد تضطر الأم أن تنام جوعاً لأجل رغيف خبزٍ يسد جوع أطفالها.