قانون معاقبة من رفض الإيفاء بوعد الزواج لماذا الخشية من الاستعانة به؟

ريبورتاج 2021/12/27
...

 مآب عامر
قبل أعوام، تعرفت سارة التي كانت بسن (21 عاماً) على شاب كان زميلا لها في الدراسة الجامعية، وتعلقا معاً واتفقا على الزواج بعد التخرج. 
ولكن قبل انتهاء مرحلة الدراسة الجامعية بأشهر قليلة، بدأت تلحظ تغيره بذرائع مختلفة تحد من امكانية استمرار علاقتهما الحميمية أو الارتباط بها، حتى أيقنت انهيار كل شيء بينهما.  
قبل الانفصال، كانت سارة تحصد أعلى المعدلات في دراستها الجامعية وتُصنف من المجتهدين الأوائل، إلا أن تعرضها للرفض أثرَّ في سلوكها وتوجهاتها، وتحولت لشخصية يائسة مهملة غير مبالية بشيء، تصف نفسها بـ(الفاشلة) وأن أقصى طموحها هو انتهاء هذه المرحلة. 
لم يمنح التواصل معاً طيلة هذه الأعوام، ولا اللقاءات السرية في ما بينهما، أو وعوده بالزواج التي كان يرددها يومياً على أسماع سارة الشعور بالأمان الحقيقي، فقصة علاقتهما كانت تثير الجدل، وخاصة لدى بقية الزملاء من الذين كانوا يحاولون تشويه سمعتها الأخلاقية، كما تقول، إنها: خاضت "علاقة سامة وسلبية" انتهت بارتباط حبيبها مع زميلة أخرى. 
 
ممارسة الجنس
وترى الناشطة الحقوقية سلوى حازم أن قصة سارة ليست جديدة أو غريبة، لكن المجتمع الراقي المحافظ دائما ما يتجنب أفراده الخوض في هكذا أمور أو الإعلان عنها خشية الفضيحة أو وصمة العار.  
وهذا الأمر، كما تقول حازم، هو السبب الرئيس وراء تزايد حالات تعرض الفتيات للخديعة من قبل شباب يقومون بإغوائهن مقابل وعود بالزواج لا تنفذ.
وتعد "الوعود بالزواج"، في أحيان كثيرة، محاولة يلجأ إليها الشباب بهدف إغراء الفتيات لإقامة علاقات جنسية معهن، ثم بعد ذلك يختفون من حياتهن، أو يقومون بابتزازهن وتهديدهن بالفضيحة في حال المطالبة بتنفيذ الوعود. 
حازم تعتقد أن من أهم الأمور التي تدفع الفتيات لتقع الواحدة منهن فريسة ممارسة الجنس، هي تلك الثقة التي تُمنح للبعض من الشباب الذين يحاولون اقناعهن بأن هذا الشيء هو دليل على إخلاصها لها، حتى أن منهم بمرور الوقت من يمنح الفتاة خاتما ويفرض عليها أن ترتديه لإيهامها بأنها أصبحت ملكاً له وحده، بحسب الناشطة.
 
قانون العقوبات العراقي
وعود الزواج الكاذبة جزء مهم في القدرة على الوصول بسهولة لكثير من الفتيات كن يرفضن فكرة إقامة علاقة غرامية، وفق تعبيرها.  
ونصت المادة 395 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 (من أغوى انثى اتمت الثامنة عشرة من العمر بوعد الزواج فواقعها ثم رفض بعد ذلك الزواج بها يعاقب بالحبس).
تقول المحامية ابتسام كريم، إن "المشكلة التي نواجهه ليس في القانون الذي يعاقب كل من أغوى فتاة بالحبس حال عدم الوفاء بوعوده في الزواج منها، بل في إمكانية اللجوء لهذا القانون لغرض العمل به".
تعتقد كريم أن مثل هذه القوانين تثير الجدل وتفتح المجال بسبب طبيعة مجتمعنا إلى أن تكون الفتاة ضحية لمرتين، الأولى لأنها تعرضت لخديعة الشاب الذي وعدها بالزواج، والثانية لأنها ستكون في خطر التقاليد العشائرية التي قد تلجأ إلى (غسل العار) الذي تسببت به هذه الفتاة لسمعة العشيرة.  
وتعترف المحامية بأن الخوف من الفضيحة هو من أهم الأسباب التي تمنع الفتاة من تقديم شكوى ضد الشاب أو الرجل الذي وقعت فريسة له. 
ووفقاً لمصادر إعلامية، فإن محكمة الجنايات في منطقة استئناف ذي قار حكمت في العام 2019، بالسجن على أحد المتهمين لرفضه الايفاء بوعده لفتاة بالزواج.
القرار صدر استنادا لإحكام مواد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، إذ حكمت المحكمة بالسجن خمسة أعوام على أحد المتهمين بعد أن وعد فتاة بالزواج منها، لكنه أخلف بالوعد معها في وقت لاحق.
تشير كريم إلى أنه قد تحدث حالات للشكوى والاستعانة بهذا القانون لمعاقبة الجاني على جريمته هذه، ولكنها حالات نادرة جداً، بل إن البعض يعتقد في أن مجرد دخول الفتاة إلى بناية مركز الشرطة قد يثير الشكوك تجاه سمعتها الأخلاقية. 
 
العادات والتقاليد
من جهتها تقول الباحثة الاجتماعية تقوى سعد أحمد إن "حالات كثيرة في مجتمعنا تقع فيها الفتاة فريسة الوعد الكاذب بالزواج".
لكن القليل جداً، بحسب أحمد، من النساء والفتيات من تقوم برفع شكوى قضائية ضد الشاب، الذي وعدها بالزواج ولم يف بوعوده لأسباب كثيرة. 
ويعود ذلك، على وفق رأي الباحثة، إلى ضعف سلطة النساء والفتيات وخوفهن، وكذلك الجهل بالقانون العراقي ومن إمكانية أن يوجد بالفعل مثل هذا القانون، فضلاً عن قلة التوعية والتثقيف من قبل الجهات، التي تمارس دورها في دعم المرأة وحمايتها. 
هذه القضية، بالنسبة لأحمد، تحتاج إلى تشخيص طبي من أجل التأكد من وجود مواقعة بينهما، في المقابل فإن المجتمع يرفض هذه الفكرة من الأساس، لأن تعرض الفتاة للفحص الطبي لغرض إثبات عذريتها أو تأكيد ما حدث بينها وبين الشاب فضيحة كبيرة للفتاة وعشيرتها.
وتشير إلى أن أهل الفتاة وعشيرتها يعدّون اللجوء إلى القانون في هذه القضية تحديدا وصمة عار، لأن سلطة العادات والتقاليد الموروثة بسبب طبيعة المجتمع أكثر سيطرة من سلطة القانون، على حد قولها.