المخافر والقلاع.. أطلالها تذكّر بماضي العراقيين وصولاتهم بوجه الاستعمار الغازي

ريبورتاج 2022/02/06
...

 نافع الناجي
بالرغم من أن بعض المخافر والقلاع المنتشرة في مختلف مدن محافظة المثنى وبعض المحافظات الأخرى، لا تزال مهجورة أو طالها الإهمال والتخريب والاندثار، لكنها تبقى بمثابة شواهد تاريخية على حقبة زمنية مهمة في حياة العراقيين، ولها مدلولات لأحداثٍ مرّ بها البلد وتركت ندوباً وبصمات تصعب إزالتها من الذاكرة الحيّة.
بعض تلك المباني تمَّ توظيفها بشكل جيد بغية الاستفادة منه، كمبنى (خان الشيلان) في النجف الأشرف الذي نجحت المحافظة بتحويله لمتحف يخص مجريات ثورة العشرين الخالدة، بينما ما زالت محافظات أخرى كـ (المثنى) تكافح للاستفادة من ثمانية مواقع مماثلة للأغراض.
طرزٌ معماريَّة
فهذه المخافر بنيت في عشرينيات القرن الماضي والسنوات التي تلتها، تحت اشراف المستعمر البريطاني بهدف التمركز والسيطرة على ثورات العشائر ضد السلطة والحكم العسكري الانجليزي المباشر آنذاك. وتتميز هذه المخافر التي بنيت بطرز القلاع ذات الأبراج والمراصد المرتفعة، بسماكة وعرض جدرانها (يصل بعضها الى 36 انشاً) والتي شيّدت من حجر الآجر المصنوع من الطين و(التبن) والذي يخلو من الأسمنت، وروعي في بنائها وجود أبراج مراقبة واسطبلات للخيول بداخلها ومرافق خدمية أخرى عديدة.
 
قيمة تاريخيَّة وأثريَّة
الباحث الآثاري مصطفى الغزي، قال لـ(الصباح)، إن "هذه المباني التراثية، تكمن أهميتها في القيمة التاريخية والاجتماعية والوطنية التي تتمثل فيها، وعادة تستمد تلك المباني قيمتها التراثية، بعد عبور 60 عاماً من إنشائها".
وأضاف الغزي، إن "المبنى التراثي يحمل قيمة معمارية ايضا مستمدة من قيمته التاريخية ويفترض أن يدرج ضمن لائحة التراث ويعلن عنه في جريدة (الوقائع العراقية) الرسمية، كي ينال حقه من الاهتمام والصيانة والرعاية التي تليق به".
ثمانية مبانٍ تراثيَّة
في محافظة المثنى لوحدها، هنالك سبعة أو ثمانية مخافر قديمة سجلت رسمياً (تراثاً عراقياً) في هذه المحافظة، بحسب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة المثنى الدكتور غانم نجيب عباس، منها مخفر العارضيات نسبة لقبيلة بني عارض، ومخفر دبيس في منطقة الظوالم، والجمجة عند قبيلة الاعاجيب، ومخفر الغليظة عند قبيلة البوجياش وسراي الرميثة (سميت قلعة الملك غازي لاحقاً) ومخفر الصافي عند ضفة نهر الفرات بالقرب من قبيلة آل فرطوس جنوبي الخضر، تضاف اليها محطة قطار السماوة القديمة وهي مبنى تراثي قديم لا تزال شامخة وصامدة لغاية اليوم، حيث بنيت في العام 1919 واستخدمت حتى ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن تتحول لمبناها الجديد، وقد تحول المبنى القديم للمحطة الى فندق (الزقورة) وبعد العام 2003 استغلت كمدرسة دينية.
 
رأيُ القانون
الحقوقي والناشط المدني حيدر العوادي رئيس منظمة (ساوة) لحقوق الانسان، يقول لـ(الصباح)، ان "القانون العراقي المعمول به حالياً، ينص على ضرورة حماية وتأهيل المواقع التي تدرج ضمن التراث الأثري المحلي والاهتمام به"، مستدركاً "لكن بالرغم من أهمية هذه المخافر كشواخص حضارية وتاريخية، فإن كثيراً منها تعرض للهدم والتدمير والنهب، بينما استغلت بعض الجهات المتنفذة بناياتها، رغم ان القانون العراقي يمنع التصرف بها بسبب طابعها التاريخي والأثري"، متسائلاً حول إمكانية طرح الموضوع في جلسات مجلس النواب العراقي في دورته الخامسة لتشريع قانون يسهم بحماية وإصلاح هذه المباني والاستفادة منها، حسب تعبير العوادي.
 
استفادة واستثمار
تسعى بعض الجهات الثقافية بالتعاون مع الحكومة المحلية في المثنى للاستفادة من هذه الاماكن التراثية وجعلها أماكن بديلة للمتاحف ومراكز اشعاع حضارية لتوعية الناس وغرس بذور الثقافة، بحسب ما أخبرنا به مدير البيت الثقافي في المثنى ياسين محمد علي الفضلي، الذي يقول، إن "محافظة النجف مثلاً، لها تجربة مثالية حينما نجحت بتحويل (خان الشيلان) وهو مقر للجيش البريطاني إبان غزوه للعراق مطلع القرن العشرين الى متحف لثورة العشرين الوطنية التحررية الخالدة"، وأضاف، ان "محافظة المثنى تغذ السير على منوالها ساعية الى الاستفادة من سراي الرميثة لتحويله الى متحف حضاري أو مبنى يزوره السياح القادمين الى آثار أوروك القديمة ويمكن استثماره لصالح برامج ثقافية تنفع الأجيال اللاحقة".