فجرمحمد
على ضوء كومبيوتره المحمول وبوجه حزين، كان الشاب فائز هلال يتابع وبقلق واضح خبر انتحار يوتيوبر عراقي له متابعون ومعجبون في البلاد، ولم تكن طبيعة هذا الخبر وحسب هو ما يقلق فائز، بل انتشار هذه الحالات بشكل ملحوظ ليس في العراق فقط، بل ايضا في دول عربية وعالمية مختلفة، وبثّ أخبار الانتحار وأحيانا تصويرها بشكل مباشر، ويقول فائز وهو ممتعض: "ما يحدث اليوم من استهتار واضح بالحياة يحتاج الى وقفة جادة، وتوعية للشباب خصوصا، كي لا يكونوا ضحايا لمواقع التواصل والانترنت بصورة عامة".
محتويات رقميَّة
تتهم تقارير إعلامية ودراسات متخصصة قنوات ومواقع التواصل الاجتماعي بالترويج لقضايا الانتحار، فعلى سبيل المثال في ماليزيا نشرت فتاة شابة استطلاعا للرأي عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي، طلبت فيه من متابعيها أن يختاروا أما أن تعيش أو تموت، وكانت النسبة الأعلى في التصويت هي الموت، ونفذت الأمر بالفعل عن طريق القفز من أحد المباني.
ويرى الأكاديمي والناشط المدني الدكتور غزوان الجبار أن هناك ضرورةً قصوى لتثقيف فئة المراهقين وتحصينهم ضد ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، لأنهم الأكثر عرضة من بين باقي الفئات العمرية في تقليد الأشخاص المؤثرين الذين يتابعونهم ويرغبون بتقليدهم.
اتهاماتٌ متعددة
وفي تقرير لإحدى الصحف البريطانية اتهم فيها عددا من الأسر مواقع التواصل بتحريض أبنائهم على الانتحار، وذلك بعد أن أقدمت يافعة بعمر الـ14 عاما على إنهاء حياتها، بعد تعرضها لموجة من السخرية والتنمر عليها، فضلا عن مشاهدتها لمحتويات رقميّة تحثُّ على الانتحار حسب قول والدتها، اذ كانت الفتاة تتابع مواضيع تؤثر في صحتها النفسية، ووفقا لوزير الصحة البريطاني فإن هذه المواد يجب أن تحذف من على تلك المنصات، لأنها تحرض الشباب والمراهقين على قتل انفسهم.
شهرة
تعزو الأكاديمية والناشطة المدنية الدكتورة بشرى العبيدي انتشار مقاطع الفيديو التي يصور فيها المنتحر ما يقوم به، ويرسل رسائل متنوعة الى بحثه عن الشهرة حتى وهو ميت، اذ يرى انه سيكون محورا للحديث ومصدر جذب لمواقع التواصل والأشخاص بمختلف الفئات، وهذا الأمر كما تقول العبيدي: "قطعا يعني اصابة هكذا أشخاص بأمراض نفسية متنوعة، منها السايكوباتية اذ يحب أن يعذب نفسه وحتى الآخرين أيضا".
ظروفٌ عصيبة
وفي ما يخص أولئك الذين ينتحرون بسبب الأوضاع الاقتصادية ومشكلات الحياة المتنوعة، فترى الأكاديمية والناشطة الدكتورة بشرى العبيدي أن فقدان الأمل وعدم التشبث بالحياة كانا أحد أسباب إنهاء العديدين لحياتهم، ومن وجهة نظر العبيدي فإن الجهات المختصة تتحمل مسؤولية توفير الحياة الكريمة لأفراد المجتمع، ولكن التقاعس عن اداء هذه الواجبات أدى الى انتشار الفقر بشكل ملحوظ، ودفع الكثيرين الى حافة اليأس، وإنهاء حياتهم.
تغطية إعلاميَّة
بحسب تقارير اعلامية واردة من مواقع الكترونية وقنوات فضائية، فإنَّ قضايا الانتحار ازدادت بشكل ملحوظ، وتكمن الخطورة في ان العديد من تلك الحالات يتمُّ التقاطها بواسطة كاميرات منصوبة اما في الطرقات العامة او المولات التجارية، ففي إحدى الحالات تمَّ تصوير فتاة منتحرة في مصر وأذيع المقطع المصور، وشاهده عددٌ لا يستهان به من الأشخاص، ويرى خبراء إعلاميون ان تغطية هذه الحوادث ونشرها بشكلها التفصيلي أمرٌ غير صحيح وتحريضي ايضا، وجدت دراسة نُشرت عام 2017 في دورية "جاما إنترناشونال ميديسن"(3) أن المسلسل، الذي يتحدَّث عن أسباب ورصد حالات انتحار، ارتبط بزيادة عمليات البحث على الإنترنت المُتعلِّقة بهذا الموضوع، اذ ازدادت النسبة الى 26 بالمئة في عمليات البحث عن جمل مثل "كيفية الانتحار"، وبنسبة 18 بالمئة في عمليات البحث عن المفردة ذاتها، وزيادة بنسبة 9 بالمئة في عمليات البحث عن جملة كيف تقتل نفسك، في 2019، أوضح بحث آخر نُشر في دورية "جاما سايكايتري" أن المسلسل كان مرتبطا بزيادة فعلية في حالات الانتحار لدى الفئات العمرية بين سن 10 - 19 سنة، لكن دراسات أخرى نفت ذلك، ووفقا للدراسات المنشورة فان اكثر من 100 دراسة، كانت هناك 4 حالات انتحار بالتقليد، وتوصَّلت المراجعات المنهجية لهذه الدراسات إلى الاستنتاج نفسه.
تاريخٌ مرضي
لم تغفل البحوث العلمية عن طرح أسباب زيادة الموت بالتقليد لدى فئة من الشباب، اذ توصلت الى أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية وعصبية، هم الأكثر عرضة وتأثرا بتلك الحالات التي تنشر او تصور، خصوصا اذا كان هناك تشابهٌ مع ظروف الشخص المنتحر والمريض النفسي الذي يتابعه، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن الانتحار لا يزال أحد الأسباب الرئيسة للوفاة حول العالم، وفقاً للتقديرات الأخيرة للمنظمة الصادرة في تقديراتها عن "الانتحار حول العالم في عام
2019".
ففي كل عام يفوق الأشخاص الذين يموتون بهذه الطريقة عددا من يتوفى منهم بسبب فيروس الإيدز أو الملاريا أو سرطان الثدي، أو حتى الحرب والقتل وفي عام 2019، لقي أكثر من سبعمئة شخص حتفهم انتحاراً، أي ما يعادل وفاة واحدة من كل 100 وفاة، مما دفع المنظمة إلى إصدار إرشادات جديدة لمساعدة البلدان على تحسين سبل الوقاية والرعاية في هذا المجال، ودعت المنظمة الى ضرورة التثقيف والتوعية للتقليل من حالات
الانتحار.