دروس مستقاة من شيوع انتشار المعلومة المضللة

قضايا عربية ودولية 2022/03/07
...

 ترجمة: الصباح   
 
إنْ لم يكن من الجلي للبعض بعد مدى أهميَّة أخذ حملات التضليل الإعلامي مأخذ الجدّ كتهديد أمني فإنَّ المحاولات التي جرت لتغيير نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020 كفيلة بإبراز هذه الحقيقة ووضعها في المنظار كأوضح ما يكون عندما اقتحم المتظاهرون مبنى الكونغرس الأميركي في 6 كانون الثاني 2021.
يعمل “جون سكوت رايلتون” بمنصب باحث أقدم في “ستزن لاب”، وهو مختبر متعدد التخصصات في مدرسة مونك للشؤون العالمية بجامعة تورنتو بكندا، حيث يقوم بأبحاثه على البرامج الخبيثة وبرامج التصيد وتزييف المعلومات. شاركت رايلتون الدكتورة “إيما بيلتشر” رئيسة صندوق “بلاوشيرز” في برنامج “اضغط الزر” حيث ناقشا معاً آثار تزييف المعلومات والتضليل الإعلامي في الصراعات. أبرز الحوار بين هذين المتخصصين كيف تؤثر حملات تزييف المعلومات في البيئة التي يعمل فيها صناع السياسة ويتخذون قراراتهم، سواء صدق هؤلاء الساسة المعلومات المضللة أم لم يصدقوها. 
ابتدأ اهتمام رايلتون بموضوع التضليل الإعلامي عندما كان يُجري تحرياته حول نشاطات القرصنة الروسية. كتب في ملاحظاته يقول: “لم يقتصر ما توصلت إليه على أنَّ الأمن السيبراني وتزييف المعلومات يرتبطان ببعضهما ارتباطاً فاق كل تصوراتي بل تعدى ذلك إلى أنَّ التضليل الإعلامي في الواقع كان في كثير من الأحوال ينصب على جانب الأمن وتغيير الوقائع على الأرض.” حملات المعلومات المضللة ليست بالشيء الجديد طبعاً، فبالنسبة للأسلحة النووية مثلاً تؤكد بيلتشر مدى الخطر الذي بقي التضليل الإعلامي يمثله منذ حقبة الحرب الباردة إلى يومنا هذا. شيوع التضليل والتزييف في الخضم الإعلامي على نطاق عالمي يثير قلق رايلتون بشكل خاص، إذ يقول إنَّ الأرضية اليوم خصبة أكثر من أي وقت مضى وهي مناسبة لشتى الكيانات والفعاليات الهادفة لإضعاف الثقة والسلطة أو لغرس المعلومات الزائفة.
يكمن جانب من المشكلة، كما يعتقد رايلتون، في أنَّ تزييف المعلومات يتحرك وينتشر بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي، في حين يبقى التأكد من الحقائق عالقاً في زمن الساعة التقليدية. كذلك فإنَّ أمام مهمة التأكد من الحقائق تحدياً مهماً يتمثل في أنَّ هناك اعتقادات معينة ما أن تغرس حتى يصبح التخلص منها أمراً شديد الصعوبة. في مناقشته للصراعات الدائرة حالياً يسلط رايلتون الأضواء على الكيفية التي استخدمت بها حملات تزييف المعلومات بفعالية وبراعة في تشكيل البيئة الإعلامية التي يعمل فيها صناع السياسة ويصوغون قراراتهم. فحتى لو كانت المعلومات التي يتلقاها صانعو القرار شديدة الدقة عبر القنوات الحكومية فإنهم رغم هذا يبقون يعملون في بيئة يتعاطى فيها الجمهور المعلومة الزائفة ويتلقفها.
علاوة على شيوع المعلومات الزائفة يشير رايلتون إلى أنَّ حملات التضليل المعلوماتي هذه تتزايد تعقيداً. خذ مثلاً عملية نسبت إلى إحدى دول منطقة الخليج تم فيها استخدام أشباه مستنسخة من مواقع إعلامية حقيقية بهدف نشر المعلومات الزائفة. هذه الحالة تبين لنا، كما يقول رايلتون، أنَّ العاملين في مجال التضليل المعلوماتي يبذلون على ما يبدو جهوداً حقيقية في التجربة والإعادة والتكرار والتعلم من تجاربهم للتحكم بما يفعلونه إلى أن يتوصلوا إلى شحذ الرسالة 
التي يريدون إيصالها. 
كيف سيمكننا إذن مواجهة حملات تزييف للمعلومات على كل هذا القدر من التعقيد؟ يقول رايلتون: “يمكننا القول إنَّ الدول لا تزال في المراحل الأولية المبكرة من توحيد منظورها صوب بناء معايير وضوابط محددة تقيد انتشار مثل هذه التقنيات. معنى هذا في اعتقادي أننا سنبقى نواجه مزيداً من الأذى والضرر المزعزعين للاستقرار قبل أن نرى إجراءات سيطرة فعالة.”
يرى رايلتون أنَّ هناك فرجة أمل تسمح للباحثين وغيرهم من المهتمين في الحد من قدرات هذه الأسلحة السيبرانية الجديدة اللامتناهية الحدود بأن يقيموا حواراً مع جميع المعنيين في مجتمع “المتصدين للانتشار”. إيقاف شائعة المعلومات الزائفة قد يساعد أيضاً على خفض الخطر النووي. تذكرنا الدكتورة بيلتشر بالتقارير الإخبارية الزائفة التي انتشرت في العام 2016 عن تحريك الولايات المتحدة ترسانتها النووية التكتيكية من قاعدتها في تركيا إلى قاعدة أخرى في رومانيا. تقول بيلتشر في التأكيد على أهمية مثل ذلك الحدث: “لا يحتاج المرء إلى إجهاد مخيلته كثيراً كي يرى حجم الضرر الذي كان يمكن أن تؤول إليه الأمور حين يتعلق الأمر بالأسلحة النووية.”    
 
* الكساندرا بي هول/
عن موقع “ذي ناشنال إنتريست”