الآثار تشكو التجاوزات وتطالب بحماية المواقع الأثريَّة

ريبورتاج 2022/04/09
...

  سها الشيخلي 
  تصوير: رغيب اموري
تم افتتاح المتحف العراقي للآثار بتاريخ 3/7/ 2022، وبرعاية دولة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وباحتفال مهيب، حضره المسؤولون وعدد كبير من المختصين وعشاق الآثار والقنوات الفضائية والصحافة المحلية والعالمية، إذ احتل المتحف سابقاً عام 1922 غرفتين في القشلة،  وأول أعمال التنقيب جرت في بابل وتجمعت العديد من اللقى الأثرية، ما جعل الحكومة تفكر في بناية تضم تلك المقتنيات، وفي عام 1926 قامت سكرتيرة المندوب السامي البريطاني المس بيل بإنشاء المتحف، فكانت أول مديرة للآثار وبعدها تم إنشاء المتحف العراقي القديم في شارع المأمون في مبنى مطبعة الحكومة القريب من تمثال الرصافي، والآن نحن في مبنى المتحف العراقي الجديد الذي يقع في العلاوي، وقد بني عام 1941 ومعه بني متحف للطفل.
 
وفي عام 1967 افتتح المتحف ورُعيت فيه التوسعات المستقبلية، وأضيفت له قاعات أخرى عام 1984، وهو الآن يضم أربعاً وعشرين قاعة. 
 
المنحة الإيطالية
تحدث لـ "الصباح" الدكتور ليث مجيد حسين رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث بمناسبة افتتاح المتحف، إذ  أشار الدكتور حسين إلى أن "افتتاح المتحف كان عام 1966، وتقادم الزمن يتطلب منا دائماً أعمال صيانة وترميم وإدامة، ونأمل في المستقبل إنشاء المتحف العراقي الكبير، ونفضل أن يكون وسط العاصمة"، مبيناً أن دولة رئيس الوزراء افتتح المتحف، وكان تسليط الضوء على هذه المناسبة كبيراً، إذ جاء بعد سبع سنوات من الاغلاق بسبب التظاهرات ثم تفشي كورونا، وترك هذه المدة الطويلة، لذا احتاج إلى أعمال الترميم والصيانة، وهناك المنحة الايطالية التي ستقوم بأعمال الصيانة للقاعة السومرية، وهو اتفاق قديم وسبق أن تم تأهيل قاعة العصر الآشوري الوسيط من قبل إيطاليا والقاعة الآشورية أيضاً، ونأمل عن قريب أن نفتتح قاعة الصراف للمسكوكات، وهي قاعة مهمة جداً وقد تم تأهيلها بشكل حديث. 
ولفت إلى أن "الموارد التي تجبى من زوار المتحف تذهب إلى الخزينة، ولدينا مباحثات قديمة في أن يكون جزء من هذه الرسوم لإدامة المتحف وصيانته، وقمنا بمفاتحة الجهات المعنية بهذا الموضوع وإن شاء الله تحصل الموافقة عليه". 
 
قانون الآثار
وتحدث لـ "الصباح" معاون المدير العام لدائرة المتاحف العامة الدكتور عباس عبد منديل، قائلاً: المتحف حضاري بشكل يغطي حضارة العراق الممتدة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصور الإسلامية المتأخرة، ويستقبل العديد من شرائح المجتمع من طلبة المدارس وكبار السن والوفود الأجنبية، وعن رسوم الدخول أشار منديل إلى أنها بسيطة لا تتعدى الألف دينار للأطفال، وثلاثة آلاف دينار للكبار، وألفي دينار للمعاهد والكليات، والوفود الأجنبية 25 ألف دينار. 
ولفت منديل إلى أن آثار العراق تغطي مساحة واسعة منه، وتبلغ حسب آخر المسوحات الأثرية (18ألف موقع)، والعدد قابل للزيادة نتيجة أعمال التحري التي تقوم بها البعثات الأجنبية والعراقية، وهي الآن تجوب أرض العراق سواء كانت تلك التنقيبات استثمارية أو أثرية. 
وعن رسوم الجباية للزائرين فأشار إلى أن قانون الآثار في المادة السابعة ينص على تخصيص 
50 % من الايرادات كعائدات حوافز للعاملين، ويتم صرفها على الأعمال الأخرى لديمومة أعمال المتحف وأعمال التحري والتنقيب، ولكن للأسف قامت وزارة المالية بأخذ جميع الايرادات إلى خزينة الدولة وهذا أدى إلى تأخر أعمال التنقيب والتحري وإدامة المتاحف، والآن متاحفنا تحتاج إلى الكثير من الدعم المالي واللوجستي اللذين نفتقر إليهما، ونحن دوماً نطالب بإلغاء هذا الأمر وإعادة الأمور إلى نصابها عبر وزارة الثقافة والسياحة والآثار. 
 
التحريات
بينما بيّن لـ "الصباح" مدير قسم التحريات الأثرية حيدر طه الشمري: أن التحريات الأثرية جزء من دائرة التحريات والتنقيبات والمكونة من ثلاثة أقسام: (التحريات والتنقيبات والتحسس النائي)، وهو القسم المسؤول عن المفتشيات الآثارية في المحافظات وهي ممثلة الهيئة العامة للآثار والتراث في المحافظات وتأخذ أدوار التحري. 
ولفت الشمري إلى أن "قسم التحريات مسؤول عن المواقع الأثرية في بغداد والمحافظات، ويقوم بمسحها وتوثيقها والحفاظ عليها، وبذلك فهو مرتبط بالتخصيصات المالية، ولدينا مشكلة كبيرة نواجهها وهي التجاوز على المواقع الأثرية في بناء مساكن عليها والتي لم تنقب بعد، وهذا يعني ضياع حقبة زمنية عمرها آلاف السنين، لذلك أطالب من خلال جريدتكم بتخصيص مبالغ مالية للحفاظ على المواقع الأثرية وتسييجها والتنسيق مع القوات الأمنية وتعيين حراس مدنيين لحماية هذه المواقع، وغالباً ما نفقد مواقع أثرية خاصة في المحافظات التي تشهد مداً سكانياً ومنها محافظة بغداد، وهذه المحافظة لم يسلط عليها الضوء بعد فهي تشهد جذور تاريخ تصل إلى الفترات السومرية وحتى إلى فترة العبيد وهي أربعة آلاف سنة قبل الميلاد أي أن عمرها أكثر من ستة آلاف سنة، والبعض يتصور أن بغداد تعني الفترة الإسلامية، وإذا ما توفرت التخصيصات المالية نستطيع أن نسيج الموقع ويتم التنقيب في المواقع الحرجة، حيث يكون التنقيب حالات اضطرارية والتخصيصات المالية إذا توفرت تحول دون التجاوز على المواقع الأثرية بحمايتها، ولدينا الآن تل أثري في منطقة العبيدي في بغداد الرصافة اسمه (تل عرنوص). 
 
تل عرنوص
ويشير الشمري إلى أنه منذ عام 2006 هناك حراس مدنيون في التل، ومنذ تلك الفترة هناك دعاوى حول التل لتجاوز البعض عليه ببناء مساكن، وقدمنا مخاطبات للجريمة المنظمة حول الإجراءات القانونية لمعرفة الضرر على التل، والآن التل انتهى ولا وجود له وأصبح بيوتاً سكنية، مع العلم أن الأمر بحاجة إلى معالجات سريعة للحفاظ على ما تبقى من التل، كما أطالب أن يتم ربط الحراس المدنيين بوزارة الداخلية وتتم متابعتهم من قبلها، كما أن القضاء العراقي لم يحسم لنا القضية مع العلم أن قانون الآثار لم يسمح بهذا التجاوز والمدة طالت بين الروتين وكتابنا وكتابكم حتى تم التجاوز على كل التل، وهو الأن غير موجود بالرغم من أهميته. 
ويلفت الشمري إلى أن في السنوات الماضية كانت الإجراءات في تحديد المواقع معروفة، والآن القوة الماسكة للأرض لم تتفهم عملنا حتى إنهم يمنعوننا من الوصول إلى المواقع الأثرية ونطالب بمد الجسور لكي  يشرف ويحافظ الجميع عليها وليس فقط الآثار، كوزارة الدفاع وقوى الأمن الداخلي ووزارة الداخلية، وأضاف: هنالك تركيز مغلوط، وهو أن الجميع يتحدث عن الآثار من خلال المتحف، مع العلم أن ما موجود في المتحف لا يتعدى 2% من آثارنا قياساً بالموجود والمخزون بالمواقع الأثرية، ولمعالجة تجريف الآثار يجب تشكيل قوة من قوى الأمن الداخلي والحكومة المحلية وهيئة الآثار للمحافظة على المتبقي منها.
 
التنقيبات
أما الدكتورة سهاد محمد سهيل مديرية قسم التنقيبات فتحدثت لـ "الصباح" وقالت: إن التنقيبات هي التي تستلم المواقع الأثرية، وتتابع عمل البعثات المحلية والعربية والأجنبية، وتشرف وتراقب عمل البعثات ونتائج التنقيبات من خلال التقارير المقدمة بشكل دوري، سواء كانت شهرية أو موسمية أو سنوية حسب الاتفاقيات، بالإضافة إلى التنقيبات في المشاريع الاستثمارية التي تقام من قبل الأفراد أو الحكومة، فإذا كانت الأرض تضم آثاراً فهناك تعهد نأخذه من صاحب الأرض، ولدينا سياقات خاصة فإما ننقبها أو نأخذ منه المتبقي من عمله، ولفتت سهيل إلى أن هناك نوعين من التنقيبات، محلية وأجنبية، وفي الفترة الأخيرة نشطت أغلب الدول في أخذ الامتيازات للتنقيب في العراق وحسب السياقات الإدارية تكون التنقيبات خمس سنوات للبعثات الأجنبية، وللمسوحات ثلاث سنوات، وآخر تنقيب لي في عملي كان مسحاً وليس تنقيباً في شرق العمارة في الشريط الحدودي ما بين العمارة وإيران، والمنطقة معرضة أما للسيول أو للتجاوز مع وجود الألغام أثناء الحرب، وهناك الكثير من المواقع لم نستطع دخولها بسبب وجود الألغام. 
وطالبت سهيل الإعلام بالتركيز والتوعية على الجانب الحضاري للعراق وأن يتم وضع فواصل حضارية أثناء البث التلفزيوني، وبوسترات أثرية خلف المذيع للتعريف بحضارة بلدنا العريقة.