جهود استثنائية للبيئة والدفاع المدني لإزالتها.. الألغام والقنابل غير المنفلقة في الأراضي العراقيَّة

ريبورتاج 2022/04/17
...

   فجر محمد
في تلك البقعة الخضراء الصغيرة التي زرعناها أنا وإخوتي قبل سنوات عديدة كنت أجد الراحة والأمان، يتحدث فلاح حامد ذو الـ 43 عاماً الذي يسكن في إحدى المحافظات التي هجمت عليها عصابات داعش إبان عام 2014، وبحسرة وحزن في صوته يقول: {في أحد الأيام وكما اعتدت أن أهتم بحقل الأسرة الصغير، وبلحظة من اللحظات شعرت بأنني وقفت على شيء مجهول ولا أتذكر بعدها ما حصل، إذ استيقظت في المستشفى وأنا محاط بأولادي وإخوتي، إذ تبين أنني دست على لغم غير منفلق، وخسرت قدمي اليسرى هكذا بلمح البصر}.
 
في تقارير ودراسات صدرت عن مراكز بحثية عالمية بينت أن عصابات داعش عندما احتلت عدداً من المحافظات قامت بزرع الألغام، داخل الحقول والمزارع بل وأحياناً أمام منازل المواطنين لمنعهم من المغادرة.
المدير العام لدائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة المهندس ظافر محمود خلف بيّن أن الجهود مستمرة لتطهير الأراضي من الألغام والقنابل غير المنفلقة، وتم تنظيف أكثر من 53 بالمئة من تلك المناطق، وبحسب الإحصائيات فإن نسبة التلوث المتبقية باستثناء إقليم كردستان هي 2700 كيلومتر مربع، والعمل جارٍ على أكثر من 300 كيلومتر مربع. 
 
إصابات كثيرة
انظر إلى قدمي المبتورة التي أثرت في حياتي بشكل لا يوصف، فأنا لم أعد كما في السابق وجذوة الحماس للحياة انطفأت بداخلي، يصف فلاح حاله بعد أعوام من تحرير مدينته من قبضة داعش، وهو ليس الضحية الوحيدة لتلك القنابل الموقوتة، بل هناك عدد لا يستهان به كانوا ضحايا لتلك الألغام.
تشير الإحصائيات والتقارير إلى أن عدد ضحايا القنابل غير المنفلقة ما زال في تصاعد، إذ يتعرض الآلاف إلى إصابات بسبب تلك الألغام، ولكن يؤكد المدير العام لدائرة شؤون الألغام ظافر محمود خلف، استمرار حملات التوعية، بالأخص في مناطق الرعي والصيد والسياحة التي يقصدها عدد كبير من المواطنين، وحثهم على الابتعاد عن أي أجسام غريبة والاتصال فوراً بالجهات المختصة.
 
الدفاع المدني
غالباً ما يتعاون أهالي المناطق التي ما زالت تحتوي في عمق أراضيها على القنابل غير المنفلقة مع الجهات المختصة، وعلى وجه الخصوص مديرية الدفاع المدني، إذ يشير مدير قسم معالجة القنابل غير المنفلقة في المديرية العميد شهاب أحمد عبد إلى أن الشعب الموجودة في المحافظات تتلقى وبشكل مستمر إخطارات من المواطنين، وتتم معالجة عدد كبير من المخلفات والمتساقطات الجوية، فضلاً عن القنابل غير المنفلقة.
وبحسب التقارير الصادرة عن منظمات إنسانية فإن نسبة الإصابات في تزايد، ولا تقتصر على الذكور وحسب بل الإناث أيضاً، ما يشير إلى زيادة ذوي الإعاقة بسبب تلك المخلفات الحربية.
 
عبوات مرتجلة
استخدمت عصابات داعش هذا النوع من العبوات، وهو يعد خطراً جداً ويتطلب جهداً دقيقاً بغية تفكيكه، ووفقاً لمدير عام دائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة المهندس ظافر محمود خلف فإن هذا النوع لا يجب التعامل معه باستهانة، ولذلك هناك جهد كبير واستثنائي من قبل المتخصصين في هذا المجال، ولم يخل الأمر من تقديم شهداء وتضحيات وبالفعل تم تطهير مساحات لا يستهان بها، والعمل ما زال مستمراً لتخليص الأراضي من تلك العبوات.
 
غير قابلة للتحلل
في كل حرب هناك وسائل يتم اتباعها ولا تتغير، ومنها زرع الأراضي بالألغام، خصوصاً التي على الشريط الحدودي لأي دولتين، ولا تؤثر في الإنسان وحسب بل البيئة أيضاً تتضرر من جراء هذه الممارسات، وبحسب الخبير بالشؤون البيئية أحمد صالح فإن تلك الألغام غالباً ما تكون قريبة من السطح، ولذلك من أكثر ضحاياها رعاة الأغنام، إضافة إلى أنها مواد غير قابلة للتحلل في التربة، لكونها مصنوعة من الحديد والبلاستيك ومكونات أخرى مختلفة. 
 
قنابل عنقودية
إن هذا النوع من القنابل يعد من أسلحة الحرب الفتاكة التي ظهرت آثارها بشكل واضح في الأشخاص القريبين منها، ووفقاً لمدير عام دائرة شؤون الألغام المهندس ظافر محمود خلف فإن هناك ما يقارب 117 كيلومتراً مربعاً من الأراضي ملغمة بتلك القنابل، ويجري التعامل معها بحذر وانتباه شديدين لخطورتها الكبيرة.
مضيفاً أن هناك ألغاماً تعود إلى حقبة الثمانينيات، أي بداية الحرب العراقية الإيرانية متوغلة بعمق في الأراضي، وتحتاج إلى جهود استثنائية لاستخراجها والعمل مستمر بهذا الخصوص.
 
فرق نسويَّة
في مناطق خطرة ووعرة اختارت مجموعة من النساء أن تخوض غمار الألغام، إذ قام هذا الفريق بتطهير مساحات لابأس بها، إذ لم تكن تلك الأراضي صالحة للاستخدام بسبب انتشار الألغام ومخلفات داعش الحربية والحرب العراقية الإيرانية، وتدعم هؤلاء النساء من قبل وزارة البيئة، ومنظمات دولية والجهات ذات العلاقة داخل البلاد، وتواجه العاملات في هذا المجال تحديات كثيرة من بينها المناخية، إذ مع ارتفاع درجات الحرارة قد تتأثر انسيابية حركتهن، وقدرتهن على الولوج إلى حقول الألغام.
 
مخلفات داعش
لم تتوان عصابات داعش عن زرع المناطق بالألغام والعبوات، وبحسب العميد شهاب أحمد عبد فإن هذه العصابات تركت الكثير من المخلفات الحربية في محافظتي نينوى وكركوك وبالأخص جبال حمرين، فضلاً عن زرباطية ولكون هذه المخلفات شديدة الخطورة، لذلك فإن التخلص منها لا يخلو من مخاطر جسيمة، وهناك تنسيق مستمر مع الهندسة العسكرية ومكافحة المتفجرات، ويذكر أن هناك الكثير من منتسبي الدفاع المدني تعرضوا للإصابات الشديدة أثناء عملهم، ويذكر أن ما تتم معالجته أو رفعه يجري تسليمه إلى الجهات ذات العلاقة.
 
مشاريع واعدة
يحتاج تطهير الأراضي الملغومة إلى جهود استثنائية وأموال طائلة، وكما يوضح المدير العام لدائرة شؤون الألغام المهندس ظافر محمود خلف أن هناك مشاريع واعدة للخلاص من تلك الملوثات، ولكنها تحتاج إلى أموال كبيرة ويجري التفاوض اليوم مع وزارة التخطيط بشأنها، وإذا ما تمت فإنها ستطهر أكثر من ثلث المساحة المسجلة.
وبالنسبة لضحايا تلك المخلفات، تجري متابعتهم باستمرار من قبل الدائرة، وفقاً لخلف كما تمت توعية أكثر من 3 ملايين نسمة، خصوصاً اولئك الذين يقطنون في الأراضي الملوثة أو على مقربة منها، وتجدر الإشارة إلى أنه لغاية اليوم ما زالت دول مختلفة من بينها مصر والأردن وبعض الدول الأوروبية تعاني من هذه المخلفات، بل يعود بعضها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي لا يقتصر الأمر على العراق وحسب.
 
تضحيات جسيمة
وفقاً لدائرة شؤون الألغام بوزارة البيئة ومديرية معالجة القنابل غير المنفلقة في الدفاع المدني، فإن العاملين في هذا المجال قدموا تضحيات جسيمة ومنهم من أصيب إصابة شديدة، في حين فقد آخرون حياتهم من أجل الآخرين. 
ولم تتوقف حملات التوعية التي تقوم بها تلك الجهات، خصوصاً في المؤسسات الحكومية والمدارس، والمناطق السكنية بهدف التقليل من الضحايا لحين تطهير الأراضي بشكل جذري.