اختبارات المعهد القضائي هل ستعيد حسابات القبول بكليات القانون في العراق؟

ريبورتاج 2022/04/19
...

 علي غني
أظهرت نتائج الامتحان التحريري للمتقدمين للقبول في المعهد القضائي بدورته الـ (44) ما يشبه الصدمة للمختصين في مجال القانون، فبلغة الأرقام بلغ عدد المشاركين في الامتحان (756) مشاركاً، وكان عدد الناجحين (27) من المشاركين فقط، أي بنسبة نجاح (2.8 %‎)، إذ بلغ عدد الراسبين (729)، والطريف في الامر أن الفتاة الوحيدة المشاركة في الامتحان نالت المركز الأول، إذ اجتازت حاجز السبعين بدرجة مقدارها (75)، في حين حصل أربعة من المشاركين على درجة (60) أو أكثر بقليل، بينما حصل (289) مشاركاً راسباً على درجة (20 ‎%‎)، وحصل آخرون على درجة
(10 %‎)،
 وهنالك من حصل على درجة (صفر)، وهذه النتائج مؤشر خطير جداً على مخرجات كليات القانون في الجامعات الحكومية والأهلية، فما أسباب هذا الفشل الكبير؟، ومن أوصل الأمور لهذه النتائج الكارثية كما يحلو للبعض تسميتها، وهل هناك من حل ينقذ أقسام القانون؟، تعالوا معنا.
 
غير مؤهلين
 السبب الحقيقي لهذا الفشل من دون لف ودوران، كما قال المحامي عبد الله العبيدي، أن المتقدمين للمعهد غير مؤهلين علمياً وقانونياً، لأن الأسئلة الامتحانية التي يضعها المعهد دائماً تتصف بالأكاديمية والعملية، فلا يجيب عليها إلا من كان منغمساً بالتطبيقات القضائية.
بينما عزت طالبة القانون سعاد كاطع /المرحلة الرابعة في كلية الإسراء، الأمر إلى أن دراسة القانون تتطلب التطبيق الفعلي على أرض الواقع، لذا نجد أن الاكتفاء بالجانب النظري يقود إلى الفشل.
 
معدلات ضعيفة
ويرى رئيس مؤسسة آفاق العدالة للدعم القانوني المحامي يحيى الواجد، أننا يجب ألا نلقي اللوم على الكليات الحكومية والأهلية، لأنها تدرس أساسيات القانون، لكن على طالب القانون أن يوسع معلوماته ومتابعة التطورات القانونية للوصول إلى المنافسة القانونية، إلى جانب التوسع في القبول لطلبة القانون وبمعدلات ضعيفة، فضلاً عن تدني مستويات بعض الأساتذة في الكليات الأهلية، وأتمنى على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تحديد ضوابط جديدة لقبول الطلبة في كليات 
القانون.
وانتقل إلى عميد كلية القانون في جامعة المصطفى الأمين الأهلية الدكتور ياسين الحلفي الذي كان صريحاً معنا في تشخيص الأسباب التي وجدها متعددة تشمل الطالب المتقدم للمعهد والكلية والأستاذ نفسه، فالطالب المتقدم للمعهد القضائي، كما يقول (الحلفي): دائماً ما تكون معلوماته غير متكاملة، وهو عبارة عن موظف يعمل في الدائرة القانونية، وهنا لا بد أن أوضح لك (والكلام موجه لي)، أن عمل الدائرة القانونية غير عمل القضاء، لذلك أنا مع المعهد لأن المتقدم هو مرشح لمنصب (قاضٍ)، والعمل القضائي يتطلب امتلاكه ثقافة متكاملة. 
وواصل حديثه: إن بعض المدرسين في الكليات الأهلية لا يمتلكون الخبرة الكافية، وليس لديهم الاختصاص الدقيق، فمثلا اختصاص الجنائي يدرس المدني، لذلك لا يمكن أن يوصل الفكرة المطلوبة لطلبته، لذلك أجد من المناسب إعادة النظر في تقييم التدريسيين العاملين في الكليات الأهلية ويصادر إلى نظام واحد يصدر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وأرجع القاضي عباس حسن العنبكي، قاضٍ متقاعد ورئيس محكمة استئناف الكرخ سابقاً، السبب إلى ضعف الأداء الجامعي، فالخريج من الكليات القانونية وهو يمارس عمله تجده لا يفقه أبسط الأمور القانونية، وهذا انعكس على مستوى الأداء في التعليم بالمعهد القضائي، أضف إلى ذلك طبيعة الأسئلة الجادة للمعهد، لأن النجاح بالاختبار يعني تسلم منصب(قاضٍ)، وبالتالي يجب أن يكون اختباراً حقيقياً وليس اسقاط فرض. 
 
رسوب كبير
وكشفت مدير عام المعهد القضائي السيدة فاتن محسن هادي عن حقائق مذهلة لرسوب الطلبة المتقدمين لامتحان المعهد القضائي، إذ قالت: كشف الامتحان عن ضعف مستوى التأهيل الأكاديمي (النظري والتطبيقي) في كليات القانون وخاصة الكليات الأهلية، إذ لم تعد الدراسة بالمستوى المطلوب، اللهم إلا باستثناء بعض الكليات والتي تعد على أصابع اليد.
وعن سؤالك عن طبيعة الأسئلة، فأجيبك: نحن في المعهد القضائي نعتمد في وضع الأسئلة الامتحانية الخاصة باختبار الكفاءة القانوني التحريري للمتقدمين للدراسة في المعهد على معايير وأسس (نظرية وعملية) مستوحاة من دراسة القانون بفروعه الأساسية التي تتركز على الجانب(المدني والجزائي)، والذي يعد من القواعد الأساسية للبدء بتهيئة الملاكات القضائية مستقبلاً، مع العلم أن المعايير والأسس المذكورة آنفاً لوضع الأسئلة الامتحانية تخضع للتدقيق من السادة القضاة ممن يتمتعون بالكفاءة والخبرة القانونية المتراكمة خلال سنوات العمل القضائي الممزوج بالجانب النظري والعملي 
معاً. 
وأقول لك حقيقة، إن هذا الرسوب الكبير، إنما يؤشر حقيقة ملموسة في الواقع لا يمكن الهروب منها او التغاضي عنها وهي عدم جدية طلبة كليات القانون في الجامعات الحكومية والأهلية في دراستهم لهذا الفرع الحيوي والأساسي من فروع العلوم الإنسانية (القانون) الذي يشكل مرتكزاً أساسياً لبناء ونهضة الشعوب على مدار السنين، ومن جهة أخرى تعد هذه النتائج مؤشراً سلبياً على إدارات الجامعات والكليات التي ذكرتها لك في عدم قيامها بمعالجة المؤشرات السلبية والمعوقات التي تؤدي إلى ضعف المستوى العلمي والارتقاء بالدراسة في كلياتهم.
 
التعليم والجامعات
وتابعت مدير عام المعهد القضائي: أن مسؤولية الاخفاق بجوانبها التي نوهت عليها بكلامي تكون مشتركة، كلا بحسب الزاوية التي يتركز عليها الجزء الأكبر من المسؤولية، والذي يقع على عاتق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي فتحت الباب على مصراعيه في منح الموافقات على تأسيس الجامعات والكليات الأهلية التي تتزايد يوماً بعد يوم دون مراعاة الحفاظ على الرصانة العلمية والأسس الأكاديمية المطلوبة والتي باتت تؤثر ولو من بعيد في الجامعات والكليات الحكومية الرصينة، ويظهر ذلك جلياً عند التنافس بين الطلبة المتقدمين للدراسات العليا، إذ يكون معدل الطالب هو الفصل في هذا التنافس، إذ يحصل خريجو الكليات الأهلية على معدلات عالية، وفي بعض الأحيان  مبالغ بها مقارنة بالمعدلات التي يحصل عليها طلبة الجامعات الحكومية
العريقة. 
 
ضعف
فضلاً عن مسؤولية الجامعات والكليات ذاتها، والتي أشرنا لها في سياق الإجابة عن تدني نسبة الناجحين  في اختبار الكفاءة القانوني التحريري للمتقدمين للدراسة في المعهد القضائي، مضافاً إليها السماح للطلبة بالتقديم للكليات (الأهلية) لدراسة القانون، وإن كانت معدلاتهم للدراسة الإعدادية (ضعيفة جداً)، ولا نعلم كيف يتم تحقيق الموازنة هنا بين مستوى الطالب الضعيف دراسياً من الأساس، وربما يتم نجاحه من الدور الثالث في الدراسة الإعدادية وحصوله على معدل ضعيف وبين قبوله في كليات (القانون الأهلية) التي من المفروض أنها تدرس أهم فرع من فروع العلوم  الإنسانية وهو (القانون)، لا نعتقد إمكانية تحقيق الموازنة هنا بين النقيضين، ومن ناحية أخرى عدم اهتمام الجامعات والكليات الأهلية بمادة التدريب الصيفي لطلبة كليات القانون في المحاكم واكتساب الخبرة والمعلومات من هذا التدريب لرفد مستواهم العلمي النظري، ولا تنسى أيضا مسؤولية (طلبة كليات القانون) حيث إن أغلبهم لا يبذلون جهداً لتطوير إمكانياتهم العلمية والأكاديمية من خلال البحث والاطلاع على المراجع والمصادر القانونية التي تغذي معلوماتهم إذ (يعدون) الدراسة تحصيلاً حاصلاً، والهدف منها النجاح فقط، وإن كان بدرجات ضعيفة.
إما بما يتعلق بموظفي الدولة العاملين في الدوائر القانونية وعدم قدرة أغلبهم على اجتياز امتحان الكفاءة القانوني التحريري، فذلك بسبب ضعف مستوى أدائهم القانوني وعدم مراقبة أدائهم من قبل رؤسائهم في العمل على الرغم من اخفاقهم في الواجبات الموكلة إليهم خاصة عند قيامهم بالتمثيل القانوني لدوائرهم التي ينتمون إليها أمام المحاكم المختصة.
ودعت (السيدة فاتن) إلى مراجعة جادة لواقع ومعطيات دراسة القانون في الجامعات والكليات العراقية، لا سيما الأهلية من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وبالتنسيق مع الجامعات والكليات المختصة ومعالجة جميع السلبيات والمعوقات التي تعترض واقع دراسة القانون في هذه المؤسسات، لغرض تهيئة مخرجات تكون بحق قادرة على اجتياز أي اختبار له علاقة بالقانون، وليس فقط المشاركة في الامتحان التحريري في المعهد القضائي، وإنما على مستويات المشاركة داخلياً وخارجياً، وذلك لإعادة البريق والأصالة والعراقة التي اتسمت بها مكانة القانون في العراق على مدار السنين.
وأخبرك عن حقيقة (والكلام للسيدة فاتن محسن هادي)، أن أغلب الذين يتم اجتيازهم للاختبار التحريري والشفوي عند التقديم للدراسة في المعهد القضائي هم من الموظفين القانونيين (محقق قضائي) في رئاسات محاكم الاستئناف في بغداد والمحافظات، فضلاً عن فئة المحامين، ما يدل ويؤكد رأينا المتعلق بأهمية الجانب التطبيقي العلمي للمهتمين بدراسة القانون كافة، ومن ثم العمل بهذا
المجال.
 
امتحان كفاءة
أرى من المناسب بعد هذا (الريبورتاج)، أن يعاد النظر بجدية في الكليات التي تدرس القانون سواء أكانت أهلية أم حكومية من ناحية المعدلات والمناهج الدراسية، وطرائق التدريس ونوع الطلبة، وايجاد امتحان كفاءة بعد التخرج، لكي يمنح شهادة التخرج ولديه معلومات كافية عن مهنة المحاماة، لأن نتائج اختبارات المعهد القضائي كشفت العديد من العيوب، فلا بد من الإفادة منها لتطوير مهنة المحاماة، وإعداد ملاكات مهنية تخدم الوطن وتعيد الهيبة لتلك المهنة العريقة.