زهراء جبار الكناني
توشحت أركان بيت الحاجة أم وليد بكرنفال قرآن ملأ المكان رهبة وخشوعاً، ونفحات من نور تمنح القلب السكينة وتبعث في النفس الطمأنينة لما ترتله النسوة من تدبر لكتاب الله المبارك، «الصباح» كانت لها هذه الزيارة لتنقل لكم جانباً من المحفل القرآني في أحد البيوتات الكربلائية.
متعة الاستماع
تصف لنا الحاجة أم أمل مشاعرها إزاء حضورها المحفل القرآني بأن مشاركتها تشعرها بسعادة بالغة لكونها لا تجيد القراءة
(أمية).
إذ تحضر المحفل للاستماع بتمعن للقراءات وبتلك الطريقة الممتعة تختم القرآن الكريم كل عام، على حد قولها.
وأضافت القارئة زينب رسول قائلة: مضى أكثر من ثمانية أعوام وأنا أشارك في هذا المحفل المبارك، ولأني أجيد التدبر في التلاوة لمخارج الحروف واللفظ الصحيح، فضلاً عن خامة الصوت أصبحت تناط اليّ مهمة القراءة في كل عام، كما تشاركني بعض الأخوات المؤمنات القارئات وذلك
بالتناوب.
وختمت حديثها: المشاعر التي ترافقك وأنت تتلو كتاب الله في هذه الأيام المباركة لا يمكن أن تقدر بثمن وخصوصاً أنك لا تقرأ لنفسك للتقرب من الخالق عز وجل، بل هناك من يتابعك ويختم معك القرآن الكريم فبذلك تنال منزلة عظيمة يتضاعف بها الأجر عند الله عز
وجل.
استعداد سنوي
أفنت المبلغة الدينية الحاجة أم وليد أكثر من عشرين عاماً وهي تستعد بتجهيز ما يلزمها لإحياء طقوسها المباركة في المحفل القرآني الذي تقيمه في بيتها الواقع بمدينة كربلاء المقدسة (حي النصر) إذ بدأ أمر مشاركتها في عام (1996) بالخفاء نظراً للظروف الأمنية آنذاك.
حدثتنا قائلة: بدأت بإقامة المحفل القرآني الخاص بي بعدما انتقلت إلى بيتي هذا, فقد كنت أشارك جارتي محفلها في بيتي القديم تحت وطأة ظروف أمنية مشددة فقد كان النظام السابق يرفض هكذا تجمعات، وكنا ندعي بأنه مأتم حسيني ونتلو القرآن الكريم بصوت خافت حتى لا نثير الريبة.
وتابعت: بعدما انتقلت إلى بيتي الجديد حزنت كثيراً لمفارقة جارتي التي كنت أتأهب معها باستعدادنا السنوي، فما كان من الحاج أبي وليد (رحمه الله) إلا أن يوعز إليّ أن أقيم محفلاً خاصاً بي وأدعو النسوة المؤمنات من جيراننا وذوينا للمشاركة به، إذ أسهم بكل ما يلزمنا لإحياء هذه الطقوس الرمضانية المباركة.
وعن عدد النسوة المشاركات قالت: تشارك في محفلي ما يقارب (25) سيدة من عمر(19) إلى (60) عاماً، كما أن هناك ثلاث سيدات لا يجيدن القراءة، يحضرن المحفل للاستماع والتتبع لاختتام القرآن معنا.
وتسهم العديد من القارئات المتمرسات في أحكام التلاوة بالتلاوة، فضلاً عن مشاركة الحاجة (أم جواد) وهي قارئة حسينية ومتفقهة بالتلاوة وأصولها تزورنا في كل عام للمشاركة والمتابعة معنا.
هذا وقد تحدد وقت المحفل في الساعة الواحة ظهراً بواقع ساعتين لتفرغ المشاركات، كما يتم اختتام القرآن الكريم مرتين في شهر رمضان، الأولى في نصفه والثانية في آخر ليلة منه.
مناسبات أخرى
التزاماً بالقول المبارك (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) لم تكتفِ الحاجة أم وليد بإحياء المحفل فحسب بل كانت تواكب المناسبات الخاصة في شهر رمضان المبارك، إذ تقيم مأتماً خاصاً بوفاة أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام) وتقوم بإحياء مولد كريم أهل البيت الإمام الحسن (عليه السلام) كما تواكب ليالي الشهادة القاتمة للإمام علي (عليه السلام)، إذ تتكفل بجميع ما يلزمها على نفقتها الخاصة، فضلاً عن مشاركة بعض النسوة بحسب الرغبة (تبرع) أو إيفاء للنذور.
وحول كيفية البرنامج الخاص بالمحفل قالت الحاجة: يبدأ المحفل بالأدعية المتعارفة في شهر رمضان ثم زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) بعدها نبدأ بقراءة جزأين من القرآن الكريم، وبعد ذلك قراءة دعاء يوم رمضان وصلاة كل ليلة والختام يكون بدعاء الفرج، كما أقيم برنامجاً خاصاً يتضمن مسابقات دينية وأسئلة عقائدية.
مسك الختام
تبلورت دموع الحاجة أم وليد حينما سألناها عن مشاعرها وهي تستعد سنوياً لإقامة هذا المحفل المبارك حيث لم تسعفها الكلمات والتزمت الصمت لثوانٍ وكأنها تستعد لإلقاء خطبة ثم استرسلت قائلة: أنا فرحة جداً فقد ترك لي الحاج أبو وليد (رحمه الله) أجمل إرث يكون لي ذخراً في آخرتي لا أملك حجماً أقدر به السعادة التي تعتريني وأنا أتأهب لإحياء المحفل وحينما يسدل شهر رمضان المبارك الستائر على أيامه للمغادرة يتملكني الحزن وأنا أتأمل مكان كل واحدة من الأخوات وأشعر بوحشة
كبيرة.
ثم أبدأ بابتياع كل ما هو جديد وجميل من الأواني والأفرشة على مدار العام وأترقب العام المقبل لاستخدمها في المحفل القرآني المبارك ليظهر المجلس بأبهى صورة تليق بمحتواه وقدسية الشهر، وأسأل الله أن يتقبل مني هذا العمل ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير وعافية.