مسرح الدمى.. عالمٌ مغيّب من الألوان البراقة والرسائل الإنسانية

ريبورتاج 2022/04/27
...

 فجر محمد
 تصوير: نهاد العزاوي
عالم غريب يشدك بألوانه البراقة الساحرة، وبعرائسه المتحركة التي تنقلك كل يوم إلى وجهة جديدة وعالم آخر، فهي تارة تحدثك عن السفر وفوائده وتارة أخرى تحثك على الاهتمام بالأسرة والروابط الأسرية، إنه مسرح الدمى النابض بالحياة، وقد يثار استغرابك إذا عرفت أن هذا الفن ليس وليد اليوم، بل يعود إلى الثقافات الآسيوية وحددت فترة ازدهاره بعد سقوط الأندلس مباشرة في نهاية القرن الثالث عشر، إذ كان وسيلة لتسلية الناس وبمثابة طريقة لانتقاد الحكام آنذاك.
الباحثة والأكاديمية الدكتورة زينب عبدالله تصف الدمية بالكائن الأقرب إلى القلب، لأنها تكون طوع أمر صاحبها، فهو قادر على التحكم بها ويسقط انفعالاته ومشاعره عليها في أحيان كثيرة، ولهذا تعددت وظائفها على مر التاريخ.
 
سلاسة وبساطة
البساطة التي تتمتع بها الدمية وأشكالها المحببة غالباً ما تكون مفتاح الدخول إلى قلوب المتابعين لهذه العروض الجميلة، ويعتقد الممثل ومدير مسرح الطفل ورئيس فرقة المسرح الجوال حسين علي صالح أن هذا الفن هو الأقرب إلى النفس البشرية، سواء للصغار أو للكبار وهو من الفنون الشعبية الجميلة التي تحظى بالمتابعة.
 
وادي الرافدين
هناك دراسة مثيرة للاهتمام تكاد تجزم أن أولى الدمى المكتشفة تعود إلى حضارة وادي الرافدين، وتقول المخرجة والمختصة بشؤون الأطفال والدراما التفاعلية الدكتورة فاتن الجراح نقلاً عن دراسة للباحثة هدى عبد المجيد: «إن هناك دمى أثرية وجدت في تل حسونة تعود إلى حضارة وادي الرافدين، وهي مصنوعة من الفخار ومجوفة ورؤوسها تشبه الحيوانات الداجنة، ويعتقد المختصون أنها كانت بمثابة وسائل تعليمية للأطفال لتعريفهم بالطبيعة، وتنمية مداركهم أيضاً.
طاقة تعبيرية
لطالما تمتعت الدمية بأهمية وحب كبير من قبل جمهور واسع، لا سيما الأطفال، لذلك كثيراً ما نشاهد جمهورها الصغار شديدي التعلق بها.
وتصف الباحثة والمختصة بفن الدمى والأكاديمية الدكتورة زينب عبدالله هذا الأمر بتمتع الدمية بالطاقة التعبيرية والتحفيزية، ولذلك دخلت في الفنون ومنها المسرح، لا سيما الطقسي والديني والشعبي والأساطير ومن أمثلته الإغريقي، كما تم توظيف الدمية في المسرح الكنسي لنشر الديانة المسيحية ومواعظها لعامة الناس في القرون
 الوسطى.
 
هموم الناس
لكل مجتمع خصوصياته ولكن هناك أموراً ثابتة ومنها السياسة وحياة الناس، وحصولهم على حقوقهم، ولذلك كان لمسرح الدمى أو العرائس حضوراً لافتاً في هذا الجانب، ووفقاً للباحثة والأكاديمية الدكتورة زينب عبدالله فإن هذا المسرح وظف ليتناول الجانب السياسي، خصوصاً ما يعرف بمسرح الشارع إذ كان يسجل الأحداث السياسية ويطرح قضايا متنوعة، وينتقد سياسة الحكام والانتهاكات الاجتماعية وتمكن هذا المسرح من التعبير عن هموم الناس ومشكلاتهم المختلفة، فضلا عن تناوله للقصص الشعبية ذات العبر والدروس الحياتية.
 
بناء الشخصية
الممثل ومدير الفرقة الوطنية لمسرح الطفل ورئيس فرقة المسرح الجوال حسين علي صالح يعد فن الدمى من أهم أدوات إيصال المعلومات التربوية والسلوكية والحياتية للطفل ويسهم بشكل كبير ببناء شخصيته وزرع الثقة في نفسه، والتخلص من الخجل والإنطواء وبث روح التعاون والمحبة والشراكة مع الآخر، فضلا عن تعليم الأطفال على أهمية احترام الكبير وتقديم يد العون لمن يحتاج للمساعدة، وحثهم على ترسيخ حب المدرسة والاهتمام بفروضهم وواجباتهم الدراسية، كما يحثهم على الابتعاد عن السلوكيات المرفوضة في المجتمع، وكذلك ينمي مسرح العرائس الثروة اللغوية لدى الأطفال، ويخلق جواً من المتعة والتسلية المفيدة لهم ويسهم في تنمية وبناء خيالهم ويجعلهم يسرحون في عوالم جمالية تجعلهم جزءاً منها. 
 
وسيلة تعليمية
لم تعد الدول المتقدمة تتقيد بوسائل تعليمية نمطية واحدة، بل أصبحت تدخل آليات متنوعة بهدف إيجاد جيل ناجح ومبادر، ومن بين تلك الوسائل تم ادخال الدمية، وتشرح تلك الآلية الباحثة الأكاديمية الدكتورة زينب عبدالله بالقول: «دخلت الدمية نطاق التربية والتعليم لما لها من تأثير في حياة الطفل، فهي في نظره كائناً حياً يتحرك ويتكلم ويرقص، ويتعامل معها على هذا الأساس وفقاً لمستوى مدركاته وخياله
 الجامح».
وتنبه الأكاديمية إلى توجه التربويين إلى توظيف الدمية في العملية التربوية والتعليمية في المدارس وخارجها، من خلال ضبط هذا النوع من اللعب للمساعدة على تنشئة الطفل اجتماعياً وثقافياً وعلمياً ، وبهذا أصبحت الدمية من أهم الوسائل التعليمية في مدارس الدول المتقدمة بوصفها وسيطاً حسياً (بصرياً - سمعياً) قائماً على مبدأ التواصلية الحاصلة بين الدمية والمتلقي (الطفل) وصولاً إلى تحقيق المنشود، ويشار إلى أن لغة الحوار في مسرح الدمى تميل إلى البساطة والوضوح في أغلب الأحيان.
 
علاقة أزلية
يكاد يتفق جميع خبراء الطفولة أن هناك ارتباطاً وصلة روحية بين الدمية والطفل، فهو يراها عالمه الناطق، وكثيراً ما تساعده في التآلف مع مجتمعه
ومحيطه.
وتعتقد المخرجة والمختصة بشؤون الأطفال والدراما التفاعلية الدكتورة فاتن الجراح بوجود علاقة أزلية بين الطفل والدمية، كونها وسيطاً تعليمياً، ولا غرابة في أن تكون أنجح البرامج التعليمية معتمدة على الدمى، كما هو الحال في «افتح يا سمسم، وتلي تابيز»، ولو بحثنا عن جذر فن الدمى في التاريخ العراقي المعاصر لوجدنا صفحات مضيئة لكنها غير متواصلة او متصلة، فقد خبا بريق برنامج «قرقوز» لأنور حيران وطارق الربيعي وتجول الراحل عاصم الخيال بين الدول العربية ليعلم صناعة الدمى لكنه لم يؤسس في العراق لمسرح دمى ذي برامج
 مستمرة.
 
اليونيما
قد يثير استغرابك أن تعرف بوجود اتحاد دولي للدمى، تأسس في براغ عام 1929 ووفقاً للباحثة الدكتورة زينب عبدالله فإن اليونيما تابع لهيئة اليونسكو للتربية والعلم والثقافة إحدى هيئات الأمم المتحدة، كما يعد عضواً في المعهد الدولي للمسرح وموقعه الحالي في فرنسا، ولهذا الاتحاد فروع في العديد من الدول الغربية والعربية وأخيراً تم تأسيس فرع له في العراق باسم (المركز الوطني العراقي لفنون الدمى).
وتشغل الدكتورة زينب عبدالله منصب الممثلة والمؤسسة لهذا الاتحاد اليوم وفقاً للخطاب الرسمي الذي أرسله الأمين العام للاتحاد السيد ديمتري جاجينو (وهذا الجانب يعد بادرة وفسحة أمل وتعاوناً رسمياً مع المؤسسات الحكومية المعنية كوزارة التربية ووزارة الثقافة وغيرها، وستكون هناك خطط ستراتيجية حقيقية لتفعيل هذا النوع من الفنون في العراق.
 
الشباب
أداة النجاح لهذا المشروع من وجهة نظر الأكاديمية الدكتورة زينب عبدالله هم الشباب من الهواة والعاملين في هذا الحقل الفني، فضلا عن المهتمين والمختصين من كتّاب ومخرجين وتقنيين وباحثين للنهوض بواقع فنون الدمى في العراق عبر إقامة العديد من النشاطات.
 
مراكز متخصصة
يجمع المختصون في مجال الدمى على ضرورة الاهتمام بهذا الفن بشكل جدي، إذ يرى الممثل ومدير مسرح الطفل ورئيس فرقة المسرح الجوال حسين علي صالح ضرورة وجود مراكز متخصصة وخبراء في مجال مسرح الطفل وعلم النفس، مع عمل ورش لتعليم أصول تصنيع وتحريك الدمى بجميع أنواعها وجلب متخصصين من الخارج لهذا الغرض، او الاستعانة بالطاقات الموجودة وتدريبها بشكل جيد ومتطور في الدول التي تعتبر متقدمة في هذا الفن، ومن ثم العمل على جعل مسرح الدمى مادة رئيسة في مناهج الدراسة في معاهد وكليات الفنون الجميلة، وكذلك تخصيص قاعات عرض خاصة بمسرح الدمى لتقديم عروضها بشكل دوري ومستمر.
بينما تعتقد الباحثة والأكاديمية الدكتورة زينب عبدالله أنه ما زال القائمون على المؤسسات ذات العلاقة غير مقتنعين بضرورة تضمين مادة مسرح الدمى ضمن مناهجها، علماً أن هذا الاختصاص قد أفردت له كليات وأقسام في دول العالم المتقدمة، ومع ذلك هناك مساعٍ حثيثة لإدراج هذه المادة ضمن مناهج الأقسام المعنية ومنها قسم التربية الفنية وقسم الفنون المسرحية، وذلك للحاجة الماسة لها لتنمية وتطوير مهارات الأجيال القادمة وبناء قاعدة حقيقية ذات بعد ستراتيجي لإنجاح هذا النوع من الفنون عبر المسرح والتلفزيون
والسينما.
ومن وجهة نظر عبدالله فإن هناك اختلافاً بين مسرح الطفل والدمى، لأن الأخير أعرق في تأسيسه، ويخاطب شرائح عمرية مختلفة بينما مسرح الطفل يتوجه إلى الأطفال والمراهقين فقط، إلى جانب ذلك فإن عروض مسرح الدمى تعتمد على أهم عنصر من عناصرها ألا وهو الدمية ويمكن أن يتشارك معها الممثل البشري في التمثيل شرط أن يكون عدد الدمى بوصفها شخصيات مسرحية أكبر من عدد الممثلين البشريين في العرض المسرحي.