الأول من حزيران قرار تأميم النفط كذبة أم حقيقة

ريبورتاج 2022/05/11
...

   محمد عجيل 
يصادف اليوم الأول من حزيران الذكرى الخمسين لقرار العراق تأميم نفطه مما كان يسمى الشركات الاحتكارية، ففي ذلك اليوم من عام 1972 أطل علينا الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر عبر شاشة تلفزيون الجمهورية العراقية الذي كان يبث وقتها بالأبيض والأسود كي يعلن تأميم النفط، وأعقبت ذلك تظاهرات عمت المدن العراقية وهي تهتف "نفط الشعب للشعب موت يا رجعية"، وفي ذلك الوقت لم يكن الشعب يعلم من هم الرجعيون ومن هي الشركات التي كانت تحتكر النفط، رغم أن النظام جمهوري وكان قد مضى عليه قرابة أربعة عشر عاماً ومن المفترض أن يكون العراق قد أنهى ملف النفط لصالحه كونه يعد رافداً مهماً من روافد تمويل موازنته المالية السنوية.
 
وقرار التأميم بحسب أيديولوجيات نظام البعث يعد قراراً قومياً لكونه حمل شعار نفط العرب للعرب، لكن اللافت والمثير للسخرية أن أموال هذه الثروة المهمة استخدمت في دعم أنظمة شمولية في اليمن والسودان وموريتانيا، وتمويل عمليات وهمية سميت وقتها عمليات فدائية لمواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، كما استخدمت أمواله في غزو الأراضي الكويتية ومن قبلها إعلان حرب ضروس مع إيران من دون أهداف أو غايات.
 
تمويل الحروب
يتفق أغلب خبراء المال والاقتصاد على أن العراق حقق مردودات مالية كبيرة من قرار السيطرة على واردات النفط حتى بلغت قيمة الموازنة بحسب هؤلاء قرابة ثلاثة عشر مليار دولار عام 1979 وهي ميزانية تعادل موازنة سبع دول أفريقية مجتمعة آنذاك، وبسبب ذلك وصلت قيمة الدينار العراقي مقارنة بالدولار الأميركي إلى نسبة فاقت قيمتها في دول الخليج العربي وأوروبا الاشتراكية، بينما كان تعداد العراقيين آنذاك لا يتجاوز تسعة ملايين نسمة، لكن ما الذي حدث؟، وهل استفاد الشعب من تلك الأموال التي شكل إيراد النفط جزءاً كبيراً منها؟، وهل كان قرار التأميم يتناسب وتطلعات العراقيين في غد مشرق من حيث الصحة والتعليم؟، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة بابل الدكتور مهدي عطية: إن الإيرادات النفطية منذ الإعلان عن الاستكشافات النفطية لم تتناسب مطلقاً مع ما كان يطمح إليه العراقيون من حياة كريمة تؤمن لهم مستقبلهم وتتناسب مع المقدرات الاقتصادية التي تتمتع بها البلاد، وفي نظرة مبسطة للأوضاع المالية منذ عام 1958 إلى عام 2003 نجد أن العراق كان يفتقر إلى الموازنة المالية السنوية التي تنظم الإيرادات والمصروفات، وربما كان ذلك مرتبطاً بالنظام السياسي القائم آنذاك، وأكد أن الإيرادات النفطية كانت قد بلغت مئات المليارات من الدولارات منذ ما يسمى بقرار التأميم، ولم توظف بالشكل الصحيح، وأصبحت هدفاً للنهب من القوى الحاكمة ومصدراً للمزايدات السياسية مع عدد من الدول، سواء العربية أو الأفريقية، وذلك لأن القرار المالي كان في قبضة سلطة شخص واحد رغم وجود وفرة مالية كبيرة وصلت في أحيان كثيرة إلى تقديم منح وهدايا لما يسمى بالجبهات الثورية في نيكارغوا والصومال وارتيريا والسودان وموريتانيا وجيبوتي وفلسطين والأردن، وفي هذا الأمر يحدثني أحد الزملاء الأردنيين بأن المنح المالية الشهرية كانت تقدم شهرياً لأسر فلسطينية كانت تعيش في الوحدات والبقعة وغور الأردن، كما كانت الأموال تدفع للمدارس والجامعات التي كان يدرس فيها الفلسطينيون والسودانيون من المنتمين إلى صفوف حزب البعث، ولهذا كنت دائماً وما زلت أقول إن شعار نفط الشعب للبعث وليس للشعب العراقي. 
ويتابع عطية حديثه عن إيرادات العراق المالية من تصدير النفط مشيراً إلى أن "سلطة البعث قامت بالاستيلاء على الثروة النفطية عام 1975 ودخلت في أتون حرب بدأت في السنة ذاتها في إقليم كردستان ولم تنته حتى توقيع اتفاقية الجزائر، ومن ثم حرب لثماني سنوات مع إيران انتهت بقرار من مجلس الأمن، ومن ثم غزو الكويت الذي مهد لاحتلال العراق وكل تلك الأحداث تم تمويلها من الإيرادات النفطية، وخرج العراقيون منها بلا ناقة ولا جمل".
 
كذبة كوبنكيان
ربما يكون قرار تأميم الشركات النفطية الذي صدر عامي 1973و 1975 أي بعد قرار الأول من حزيران أكبر كذبة انطوت على الشعب العراقي، وأبرز ما تضمنه ذلك القرار تأميم حصة كوبنكيان البالغة 5 ٪ من قيمة الإنتاج النفطي، وقبل الغوص في قصة كوبنكيان لا بد أن نعرف القارئ من هو وماهي أعماله وماهي حكاية حصته بالنسبة المئوية من النفط، يعد كوبنكيان من أغنى رجال العالم في وقته، ولد من أصل أرمني تركي عام 1869 وتوفي عام 1955، وعمل في مجال استثمار وتطوير قطاع النفط في مختلف دول العالم وخاصة في المنطقة الخليجية ومنها العراق، إذ تمكن من تقريب وجهات النظر بين الشركات الفرنسية والتركية والفارسية والحكومة العراقية لغرض استثمار حقول النفط في كركوك من خلال اتفاقية الخط الأحمر التي أبرمت عام 1928، وكانت كركوك حينها تطفو على بحر من تلك الثروة المهمة، وتمتع كوبنكيان بالحصول على نسبة 5 ٪ من قيمة تلك التعاقدات في الوقت الذي كان به يتمتع بعلاقات متميزة ليس في العراق فحسب بل في دول المنطقة التي كانت تشهد هي الأخرى قفزة نوعية في مجال الذهب الأسود.
يقول السياسي صلاح عبد الرزاق "إن حكومة عبد الكريم قاسم أبرمت اتفاقاً مع شركة كوبنكيان من أجل المساهمة في إعمار العراق وإقامة أعمال خيرية في مجال التعليم والصحة والفن من خلال استقطاع نسبة من قيمة الـ 5 ٪ التي كانت تنالها الشركة التي كانت تخشى في هذه الفترة من المد القومي الذي كان يسود العراق، وامكانية تأميم هذه الحصة، وفعلا تمكنت الشركة من بناء بعض الصروح مثل ملعب الشعب ومدينة الطب والمسرح الوطني ومتحف الفن الحديث والمتحف العراقي.
مشروع سياسي
تحولت حصة كوبنكيان من النفط العراقي المستخرج إلى مشروع سياسي يديره حزب البعث صاحب اليد الطولى في سياسة العراق الخارجية، إذ يقول صادق الطائي في مقال نشر في جريدة القدس العربي، إن صدام حسين خط بيده أمر تحويل حصة كوبنكيان إلى أحد البنوك الخارجية، وتحول الأمر فيما بعد إلى قرار لمجلس قيادة الثورة يتم من خلاله التصرف بتلك الحصة من قبل نائب رئيس مجلس قيادة الثورة الذي استغله لتحقيق أهدافه البغيضة في دعم الكثير من العمليات العسكرية والأمنية التي كانت تستهدف بعض الأنظمة العربية بحجة الوحدة العربية، كما سخره من أجل نشر أفكار حزب البعث في بعض البلدان العربية، خاصة أن هناك قيادة قومية كانت تدير الحزب آنذاك، ومن هنا تحولت حصة كوبنكيان من المشاركة في أعمال خيرية تفيد الشعب العراقي إلى أفعال تزعزع الوضع هنا وهناك، ومن خلال عمليات مخابراتية تستهدف المعارضين أشرف عليها رأس النظام، خاصة أن أموال تلك الحصة كانت قد وصلت بحسب تقديرات إلى عشرة مليارات دينار.
 
التأميم نقمة أم نعمة؟
ومنذ قرارات التأميم التي انفردت بها السلطة البعثية لم يذق الشعب العراقي حلاوة العيش، وابتعد كلياً عن مشاريع البنى التحتية، ودخل في أتون الحرب والمواجهات، ودفع ثمن ذلك آلاف الضحايا من الشباب، وتهدمت مدنه، بينما كان غيره من العرب يتمتعون بثروته النفطية، يقول الناشط المدني حسين علي جاسم "إن الثروة النفطية نعمة من نعم الله تعالى وهبها للبشر من أجل البناء والإعمار والنهوض بالإنسان كقيمة عليا من حيث الصحة والتعليم والزراعة والصناعة، لكن للأسف في العراق كان الأمر مختلفاً تماماً، إذ استولت عصابات على الثروة النفطية في ظل كذبة اسمها تأميم النفط من أجل نشر أفكارها الدكتاتورية والنهوض بحكم الأسر من دون النظر إلى المواطن العراقي"، وأكد أن النفط العراقي منذ اكتشافه لم يوظف من أجل مصلحة وطنية رغم مليارات الدولارات التي وردها للبلاد، وذلك لأن الذي أشرف ونفذ لم يكن نزيهاً ولم يهمه أمر هذا الشعب، وغابت الشفافية، وانعدمت الرقابة، ونسمع فقط عبر وسائل الإعلام الأجنبية ومن خلال مؤتمرات منظمة أوبك أن العراق يصدر كذا مليون برميل يومياً، ولم نشاهد سوى مدارس مهدمة ومستشفيات خربة، وواقع تعليم مزرٍ، وصناعة متأخرة، وزراعة لا تلبي طموح فلاحها، وأوضح الدكتور كاظم عجيل أن قرارات التأميم هي التي مهدت الطريق نحو نهب الثروات النفطية لأنها نقلت أموال النفط من الشركات إلى العصابات التي حكمت البلاد تحت مسمى ثورة تموز، وهذا هو حالنا حالياً نطفو على بحر من النفط وشعبنا يتضور جوعاً وأطفالنا وشيوخنا يعانون من صيف لاهب من دون كهرباء، ومريضنا يعالج في الخارج، وشبابنا عاطلون عن العمل، إذن كيف لنا أن نسمي التأميم نعمة بالله عليك.
 
القصة لم تنتهِ
وقصة تأميم النفط لم تنته بعد، لا بل عادت من جديد بعد جولات التراخيص النفطية التي أعلنت عنها الحكومة العراقية بعد متغيرات عام 2003 وبموجبها أصبح إنتاج النفط عبارة عن شراكة مع شركات نفطية أميركية وفرنسية وروسية وصينية وبريطانية، في حين يشهد العراق صراعاً داخلياً على الثروة النفطية في ظل غياب تشريع قانون النفط والغاز، كما أن هناك تقاطعاً سياسياً وشعبياً على طريقة تصدير النفط إلى العالم، والسؤال هو هل سنعيش فترة تأميم جديدة مثلما عشناها في العقد السبعيني من القرن الماضي أم أن التأميم بحد ذاته كان خطأ فادحاً تمكنا من تجاوزه من خلال جولات التراخيص الجديدة؟، المهم أن القصة التي كتبت حروفها نقاط النفط ما زالت غير مجدية ولم تنفع العراقيين بشيء.