روبن مكّاي
ترجمة: أنيس الصفار
يعمل العلماء حالياً على تطوير قذائف مجهريَّة توجه مغناطيسياً يمكن حقنها في مجرى الدم لتهاجم بعد ذلك أورام سرطان الثدي والبروستات وغيرها من الأورام.
هذا المشروع الذي يشرفُ عليه باحثون من جامعة شيفيلد، يستندُ الى التقدم المتحقق في حقلين طبيين أساسيين، يتعلق الأول بفايروسات تمتلك خصوصيَّة القدرة على مهاجمة الأورام بشكلٍ محدد. أما الحقل الثاني فيركز على نوعٍ من بكتريا التربة القادرة على صنع مغانط تستخدمها لمناغمة اتجاهاتها مع الحقل المغناطيسي للأرض.
تقول الدكتورة "مونيتا موثوانا"، وهي إحدى الباحثين الأساسيين في المشروع المذكور: "جوهر هذا الأسلوب واضحٌ ومباشر، فكأننا نستعين بالآفة لنجعل منها دواءً، إذ إنَّنا نأخذ فئة معينة من الفايروسات التي تستهدف بطبيعتها الأورام السرطانيَّة ثم نعمل على تطوير طرقٍ تساعدها في الوصول الى الأورام الداخليَّة العميقة عن طريق استغلال نوعٍ من البكتريا التي تنتج مغانط خاصَّة. إنه نهج مزدوج وهو ينطوي على أملٍ بنجاحٍ كبيرٍ كما نعتقد".
تعرف الفايروسات المضادة للأورام السرطانية التي يستغلها فريق البحث باسم "فايروسات الأورام"، وهي توجد بصورة طبيعية ولكن بالإمكان ايضاً تعديلها لتحسين فعاليتها والحد من احتمالات توجهها لإصابة الخلايا السليمة. بعد اصابة الخلية السرطانية بفايروس الأورام تنشق ثم تموت.
كانت ادارة الغذاء والدواء الأميركية قد اجازت من قبل استخدام (T-Vec)، وهو نوع من فايروسات الهربس البسيط المعدل الذي يصيب خلايا الورم السرطاني ويقتلها ويستخدم حالياً في معالجة الأشخاص المصابين بأنواعٍ معينة من سرطان الجلد "ميلانوما".
أما فريق باحثي جامعة شيفيلد فيأملون في توسيع نطاق الأورام التي يمكن معالجتها بهذه الطريقة، وهم يسعون بشكل خاص لاستهداف سرطاني الثدي والبروستات على رأس أولوياتهم.
تقول الدكتورة "فيث هاوارد" وهي باحثة رئيسة أخرى في الفريق: "المشكلة التي نواجهها هي أنَّ فايروسات الأورام سرعان ما تجتذب إليها انتباه الدفاعات المناعيَّة في الجسم، لذا لا تتمكن من معالجة أورام تتعدى مستوى الجلد عمقاً قبل أنْ تتحرك صوبها خلايا الدفاع المناعي وتعزلها".
يقول العلماء إنَّ حل المشكلة يتمثل بتغليف الفايروسات بطبقة من الجزيئات الصغيرة الممغنطة وعندئذ يصبح بالإمكان توجيه هذه القذائف المجهريَّة بمجرد حقنها في الدم نحو الورم المقصود بسرعة بواسطة مغانط توضع فوق جسم المريض قبل أنْ تتمكن الدفاعات المناعية من اعتراضها وعرقلة تقدمها.
تضيف موثوانا: "الأمر أشبه بإلباس الفايروس درعاً أو تسليحه بترسٍ واقٍ، حيث تقوم المغانط الصغيرة بتوفير الحماية له علاوة على مساعدته مساعدة حاسمة في استهداف الورم السرطاني. فحين نضع مغناطيساً فوق موضع الورم سيعمل على اجتذاب الفايروس إليه مباشرة وبسرعة".
تضيف هاوارد أنَّ قطر فايروس الأورام يقارب 180 نانومتراً، أما قطر المغناطيس المصغر فينبغي أنْ يكون بحدود 50 نانومتراً (النانومتر يساوي واحداً في المليار من المتر). تقول هاوارد: "نحن قادرون على صناعة هذه المغانط الصغيرة في المختبر، ولكننا توصلنا الى نوعٍ من البكتريا القادرة على تولي مهمة إنتاجها أفضل منا".
تقوم بعض أنواع بكتريا التربة بصناعة دقائق نانويَّة من أوكسيد الحديد تسمى "ماغنيتوسوم" وهي تستخدمها بمثابة بوصلات تسمح لها بالتنقل مسترشدة بالحقل المغناطيسي للأرض وتساعدها في العثور على أفضل الظروف وأكثرها مثاليَّة لنموها وبقائها. تقول هاوارد: "هذه المغانط المجهريَّة التي تصنعها البكتريا متكاملة شكلاً ومناسبة تماماً لغايتنا كحزمٍ مجهريَّة نستهدف بها الأورام السرطانيَّة العميقة".
بعد تمكن فريق شيفيلد من تطوير هذه التقنية انتقل الى محاولة تصنيع كميات كافية تتيح البدء بإجراء التجارب السريريَّة على البشر في أقرب وقت، إذ إنَّ المحاولات حتى الآن كانت تركز على نماذج حيوانيَّة. تقول هاوارد: "كانت الاختبارات المبكرة مشجعة للغاية، لذا ينبغي علينا الآن أنْ نتخذ الخطوات التالية للانتقال بهذا الأسلوب الى وضعٍ يمكننا من تجربته على البشر، ونأمل أنْ نتمكن من ذلك في ظرف سنواتٍ قليلة".
عن صحيفة الغارديان