أيهما أفضل.. التسامح أم التعامل بالمثل

ريبورتاج 2022/05/17
...

 بدور العامري

بدموع منهمرة وصوت منكسر، دخلت الشابة لمياء ذات الثلاثين عاما إلى منزل أم علاء التي تعمل خياطة في المنطقة، وسرعان ما انهالت عليها الأسئلة من النساء المتواجدات، إضافة إلى استفسارات أم علاء المتلاحقة مثل ما الذي أصابها وسبب ماهي فيه من حسرة؟ لمياء بعد أن استعادت جزءاً من هدوء أعصابها ونوبة الحزن التي اعترتها، بدأت تتحدث عن مشكلتها مع زوجة أخيها التي تعاملها بقسوة وتكيل لها الأمور بمكيالين بصورة مستمرة، ما تسبب لها في خلق مشكلات مع أخيها مؤخرا، الامر الذي دفع لمياء إلى الثورة هذه المرة بوجه زوجة أخيها وترك المنزل بعد حدوث مناوشات كلامية حادة بين الاثنتين.

العين بالعين
إحدى النسوة الحاضرات في منزل الخياطة أم علاء، بدت متأثرة جدا بهذا الموقف، لتتوجه بكلامها الحاد إلى الشابة لمياء قائلة: "عامليها بالمثل والعين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم"، ما أن أكملت خطبتها شديدة اللهجة حتى ردت عليها سيدة ستينية تدعى ام رضا وتقدمت بالنصيحة للفتاة شيماء، وهي عليها أن تكون اكثر هدوءا وأن تحتوي زوجة أخيها ولا تعاملها بعداوة، إنما بطيب أصلها وأخلاقها التي تربت عليها وعلمتها إياها والدتها المتوفية، إذ أن التصرف بمودة ورحمة هو عين الصواب للمحافظة على راحة واستقرار أسرتها في الوقت الحاضر والمتمثلة بأخيها وزوجته. 
بين هذه وتلك انقسمت آراء باقي النساء ونصائحهن للشابة لمياء، في أيهما أفضل التعامل بالمثل؟ أم بطيب الأصل؟.
 
مشكلات نفسيَّة
التعامل بعدوانية سوء الظن والتنمر اتجاه الاخرين هي سلوكيات سلبية، لها أسبابها ومسبباتها، التي توصلت اليها دراسات وبحوث المختصين والمهتمين بالجانب النفسي والاجتماعي. 
التربوية والنفسية الدكتورة هدى حامد تقول "أن الشخص الذي يسيء للآخرين بكثرة ودون أسباب يمكن وصفه بأنه يعاني من مشكلات نفسية، وهي بطبيعة الحال بحاجة إلى برنامج علاجي لدى المختصين، وكلا حسب نوع المشكلة او المرض"، وتوضح التربوية النفسية على سبيل المثال المتنمر هو شخص قابل للتقويم شرط خضوعه لبرنامج علاجي محدد، أما سوء الظن فهو سلوك آخر ودواعٍ نفسية دفينة مختلفة تنشأ من أوائل العمر، وهو بحاجة إلى معالجة تستمر لفترات طويلة. 
 
التعامل الحسن
إزرع جميلا ولو في غير موضعه
 فلا يضيع جميل أينما زرعا 
إن الجميل وإن طال الزمان به
 فليس يحصده الا الذي زرعا
 
 بهذين البيتين الشعرين أسند التربوي هادي الريشاوي رأيه بالتعامل مع الآخرين، مبينا أن عمل الخير والحسنى هي أسمى صفات الإنسان الحكيم، حيث يبادر في الإحسان وصنع المعروف وإن كان مع أشخاص لا يستحقونه، لأنه في النهاية يعود بالنفع على صاحبه وإن طال الزمان او تغير المكان. الريشاوي يؤكد  أهمية حرص الإخوة المعلمين والمدرسين على إشاعة التعامل بالحسنى بين الطلبة وتقديم التصالح على العقوبة، تلافيا لزرع العداوة والبغضاء بين الأفراد.
 
البيئة الاجتماعية
تلعب البيئة التي ينشأ فيها الفرد دورا كبيرا في تحديد ملامح شخصيته وبالتالي طرق التعامل مع المواقف والأحداث وكيفية ردة الفعل اتجاه هذه المواقف، اذ تبين التربوية النفسية هدى حامد "أن الانسان ابن بيئته ولكل شخص منا طريقته في التعامل مع الاخرين، وهي ذاتها العادات والتقاليد والأعراف تربى عليها وتكونت بفعلها سلوكياته المختلفة، كذلك الحال بالنسبة لتأثير الأسباب الوراثية في شخصية الفرد"، اذ تشير دراساتٌ وبحوثٌ حديثة مختصة بهذا الشأن إلى أن للعوامل الوراثية دوراً كبيراً في تحديد شخصية الفرد وتحديد سلوكه الاجتماعي،، اذ ترجح هذه الدراسات نظرية التساوي والتكامل بين البيئة الاجتماعية والأسباب الوراثية من حيث التاثير وبلورة شخصية الإنسان.
 
التعايش السلمي
يعتبر مبدأ التسامح من الأمور المحورية التي دعت اليها جميع الأديان السماوية، لما له من فضل في التعايش والتبادل والتثاقف والحوار ثم الأمن والسلام.
الأستاذ في دراسات السلام وحقوق الانسان، زيرفان امين يعتقد بأن كيفية تعامل الأفراد مع بعضهم البعض سينعكس على صورة وشكل المجتمع، سواء كان مصغرا او على مستوى الدولة، فحينما يسود التسامح بين الأفراد يعني ذلك ان المجتمع في حالة تعايش سلمي وتقبل للاخر، أما إذا كان الافراد يتعاملون بندية، في حال حدوث مشكلة معينة، حينها سنجد مجتمعا ممزقا تملؤه الأحقاد والاخذ بالثأر المتبادل، الأمر الذي ينتج عنه مزيدا من الضحايا واستمرار النزاعات، ليتطور الحال إلى تهديد استقرار المجتمع وازدهاره، وصولا إلى انهياره بصورة كاملة.