احتيالٌ وخداعٌ وكسبٌ غير مشروع

ريبورتاج 2022/05/21
...

   أمير البركاوي
تتعدد صور الاحتيال في المجتمع ولغايات معروفة، هي الكسب غير المشروع وبخداع من شخصيات ترتدي قناعا زائفا لوجه الإنسانيَّة.
نفوسٌ ضعيفة ومريضة ليس بمرض عضوي، بل بمرض عوق العقول وقصر نظرها، فخلفت أفعال هذه النفوس أثراً سلبياً في طريق التبرع للخير، وأضاعت سبيل المعروف من خلال سرقة أموال التبرع والاحتيال على الناس، وإيهام المقابل أنهم راعون للخير، لكن سرعان ما تظهر الحقيقة عكس ذلك.
 
ومن أجل معرفة صور الاحتيال على الحالات الإنسانيَّة، وسرقة أموال التبرع بدواعي مساعدة الفقراء والمرضى وعلاجهم، كانت لنا هذه الجولة التحقيقيَّة.
 
نسبة مشاهدة
التقينا أحمد الأبيض مؤسس مبادرة طريق الى الحياة للحالات الإنسانيَّة  فيقول: أصبحت الكثير من الحالات الإنسانيَّة التي تعرض على منصات التواصل الاجتماعي، ما هي إلا مادةٌ إعلاميَّة تقدم من قبل فاقدي الضمير، لجمع لايكات وتعليقات أو رفع نسبة المشاهدة.
 
غاية ربحيَّة
ويضيف أحمد الأبيض قائلاً: الغاية ربحية وليست انسانية، وهي إهانة الكرامة الإنسانيَّة من خلال تصوير الشخص المريض او المحتاج، ثم جمع تبرعات باسمه والمريض لا يحصل على شيء.
وأنا اقول لماذا لا يتم تصوير الشخص المحتاج للمساعدة وهو بحالة فرح بعد اكمال مساعدته، وهنا أصبح الموضوع احتيالاً على الإنسانيَّة والمتاجرة بمعاناة الناس.
 ويشير الأبيض الى أن هناك نوعا آخر من صور الاستغلال، وهو من المنظمات او الشخصيات الاعلامية او بعض القنوات الفضائية، التي تعرض من أجل الحصول على (ترند) في نسب المشاهدة.
 
الاتفاق بثمن
وهناك بعض أصحاب الصفحات يتفق مع أصحاب المرضى والذين هم بحاجة إلى مساعدة مقابل عرض الحالة على صفحته، ويكون نصف من أموال التبرع له والنصف الاخر للعائلة.
 
استغلال
ويضيف احمد: هناك استغلال من ذوي المعاق لمعاناة أطفالهم، حيث يستجدون به في الشارع وعند التوقف لتقديم المساعدة يرفضون لأنهم يتخذون من عوق طفلهم او مرضه تجارة تدر عليهم المال.
 
طرق الاحتيال
يحدثنا المهندس ازهر حامد الياس قائلاً: هناك عدة طرق للاحتيال منها الكتروني بحت وبعضها مدمج، مثلاً هناك بعض الصفحات التي تستغل أسماء بعض الشخصيات العالمية المعروفة، خاصة الشخصيات الخليجية وتقوم بعمل اعلانات ممولة وأنها ممكن أن تساعد المحتاجين والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويضيف المهندس ازهر: لكن في الحقيقة أن هذه الصفحات مجرد مواقع وهمية، فيرسل المواطن رسالة إلى تلك الصفحة وتتم الإجابة عليه من خلال الترحيب الحار.
ويشير المهندس حامد إلى أنه بعد ذلك يقولون له كم تحتاج من المال وأنهم سوف يقومون بتحويل المال له، ولكن على المواطن أن يقوم بتحويل أجور الحوالة لهم، وبالتالي ينخدع بوعود القائمين على تلك الصفحات الوهمية. كذلك هناك احتيال كثر خطراً من خلال استدراج المواطن، وبعدها من الممكن حتى سرقة أعضائه. وهناك نوع آخر من الاحتيال وهو يتعلق بالمواطن واحتياجه من أجل شهرة شخص او جهة او قناة فضائية وهذا يحدث بكثرة في الآونة الاخيرة. اذ إن الحل يكمن في ايجاد تشريع قانوني رصين يحد من الجريمة الالكترونية والابتزاز والتشهيرـ مع الحفاظ على حرية الرأي والتعبير كمبدأ أساسي عام.
 
عقوبة القانون
وعن جريمة الاحتيال والعقوبات التي ضمّنها قانون العقوبات العراقي حدثنا المحامي مهند البيضاني قائلاً: 
عالج المشرّع العراقي جريمة الاحتيال في المادة (456) من قانون العقوبات، حيث نصت على أن: (1 - يعاقب بالحبس كل من توصل الى تسليم اونقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه او الى شخص اخر وذلك بإحدى الوسائل التالية، باستعمــال طــرق احتيالية. باتخاذ اسم كاذب او صفة غير صحيحة او تقرير امر كاذب عن واقـعــة معـينـة متــى كـــان مــن شـــــأن ذلـك خـــداع المجنــي عليه وحمله على التـسليم) .
ويضيف البيضاني ذاكراً لنا المادة الثانية من هذه الجريمة: يعاقب بالعقوبة ذاتها كـــل مــن توصل بإحدى الطرق السابقة إلى حمل آخر على تسليم أو نقل حيازة سند موجب لدين وتصرف في مال او ابراء او على أي سند آخر، يمكن استعماله لإثبات حقوق الملكية أو أي حق عيني آخر أو توصل بإحدى الطرق السابقة إلى حمل آخر على توقيع مثل هذا السند أو إلغائه أو إتلافه أو تعديله). 
 
حفظ الكرامة
 التقينا التدريسية في جامعة الكفيل (المختصة في علوم القرآن والدراسات الاستشراقيَّة) ايناس جاسم الدورغي فتحدثنا قائلة: إن منظومة الإسلام الأخلاقية تؤكد حفظ كرامة الانسان، وحفظ مكانته من الاستخفاف والإهانة، فإن ما تقوم به بعض البرامج التلفازية من عرض لتفاصيل جزئية لبعض الحالات المرضية او الأسر المتعففة، وإن كانت تؤثر في المقابل، لكنها قد تسيء إلى المريض أو المحتاج بشكل و آخر.
 وتضيف ايناس جاسم: فالمفترض أن تعرض الحالة من دون هتك لكرامتهم او استباحة لحرمتهم، وما يليق بمساحة العمل الإنساني والهدف منه من جهة وكرامة الانسان، التي أكد عليها الاسلام من جهة أخرى لقوله تعالى:  ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) (سورة الإسراء: 70)، وأكد مجموعة قيم تعد الأسس والمنطلقات لحفظ هذه الكرامة ومنها: البِرِّ، والرحمة، والإخاء، والمودة، والتعاون، والوفاق، والصدق، والوفاء ... إلخ.
 
رياء
وعما تقوم به بعض القنوات والشخصيات حول التبرع للحالات الإنسانيَّة،  تشير ايناس جاسم الى أنه: إضافة إلى ما تقدم أن القرآن الكريم نهى عن الرياء، فإن عمل هذه البرامج لا يخلو من إعلام عن جهات هدفها الشهرة. 
 وتسترسل لنا بحديثها التدريسية في جامعة الكفيل ايناس جاسم قائلة: ولكن على الرغم مما تحمله بعض هذه البرامج، فقد تكون بادرة خير تفتح الأفق إلى المنظمات أو المجموعات الشخصية إلى الاقتداء بعملها أو تقديم العون والمساعدة للحالات الموجودة، وأن تعي حجم المسؤولية المناطة بها لتقديم الخدمات وفق ضوابط تتصف بالحكمة، وكما أرساها الإسلام والعرف العام من التأكيد على حفظ كرامة الإنسان وعدم التشهير بخصوصياته. 
موضوعة التكافل الاجتماعي من الموضوعات المهمة والتي ركز عليها الاسلام، حيث وردت الكثير من النصوص التي تحث على هذا الامر كونه ضرورة مهمة في ترابط المجتمع، وكونه مسؤولا عن ضمان وحفظ أفراده وعيشهم بكرامة، خاصة أصحاب الحاجة وأبناء السبيل وشريحة الأيتام.
قال تعالى: ((الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانيةً، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون))، (سورة البقرة /274)
فقد وردت كلمة الإنفاق في مواضع كثيرة في القرآن الكريم وبمختلف اشتقاقاتها، حتى أصبحت صفة لصيقة ومن صفات الذين آمنوا وعملوا الصالحات لقوله تعالى: ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)) (سورة البقرة /3)
 وتؤكد ايناس جاسم قائلة: لا بد من التركيز على أن الهدف الاساس من التكافل والانفاق على الاخرين هو المحافظة على التوازن الاجتماعي، والذي تنعكس آثاره في خلق مجتمع مبني على روح التعاون والمساواة الاجتماعية والاخلاقية، والتقليل من الفوارق الاجتماعية، التي تودي إلى كثير من المخاطر التي مصدرها الحقد والبغضاء من العوز والحاجة. لذلك أن موضوعة التكافل هو التراحم بين الناس وتواصلهم.
وقد راعت كثير من الجهات والمنظمات المجتمعية، سواء الشخصية او الجماعية  هذا الامر، ولكن البعض لم يعِ هذه الأهداف والسمات، التي من أجلها حث الاسلام والقيم الإنسانيَّة عليها مما أدى الى استغلال بعض ضعاف النفوس الى التسويق بظروف الناس والمتاجرة، عن طريق الاستجداء بهم او من باب أنهم السعاة او العاملين او الواسطة لتقديم العون لهم.
على الجهات المعنية تشكيل فريق عمل لرصد شبكات الاستغلال والاحتيال وتقديمهم للعدالة، وتشريع قوانين حديثة للجرائم الالكترونية، على أن تكون غير مقيّدة للحريات مع إطلاق حملات توعية وتثقيف من قبل منظمات المجتمع المدني والقنوات الفضائيَّة، للتعريف بطرق الاحتيال والتمييز بين الفرق التطوعيَّة الإنسانيَّة  الحقيقيَّة والوهميَّة.