استنزاف {جائر} للمياه الجوفيَّة وإنشاء العديد من المصانع في محيطها

ريبورتاج 2022/05/21
...

 احمد الفرطوسي
اقترنت بمخيلة الحالمين، واستمالت العاشقين للجمال والسحر، أساطير وخرافات ومعتقدات حولتها لبقعة أسرار ملهمة للحكايا، لؤلؤة وهبت الحيوية والاشباع الروحي لمن قصدها، اليوم تنطوي وتلم موجاتها مثل بساط متشقق، لكي تلفظ آخر قطراتها وربما آخر أسرارها وتختفي، إنها بحيرة ساوة، البحيرة التي كانت أعجوبة وهي الآن على أبواب الجفاف التام.
رئيس قسم الجغرافية في جامعة المثنى د. سرحان الخفاجي تحدث لـ (الصباح) من الأسباب البشرية لجفاف بحيرة ساوة هي كثرة الآبار الارتوازية وكثرة النشاط الزراعي بالقرب من البحيرة، فضلا عن  تعدد النشاطات الصناعية، حيث معامل السمنت وتعددها.
 
جفاف الجمال
وانحسار مياه البحيرة مستمر من خلال الصور الجوية التي التقطت، والتي تؤكد جفاف منابع البحيرة، والذي وصل إلى عين مياه هذا المكان التاريخي والموجود في وسطها، والأسباب التي تقف وراء ما يحصل هي بشريَّة، والاستنزاف الجائر للمياه الجوفية والتوسع في النشاط الزراعي والصناعي خارج الضوابط، ومن دون خطة مسبقة ما أثر في مخزون المياه الجوفية وبالتالي جفت البحيرة.
وعن اسباب جفاف مياه بحيرة ساوة كانت لـ (الصباح) جولة ميدانية في أروقة هذا المكان التاريخي لمعرفة خفايا وأسرار البحيرة اللغز:
ويقول التدريسي في جامعة المثنى د. قصي الحسيني لـ (الصباح): حتى الآن لا يوجد لدينا تنسيق او عمل مشترك بين وزارة البيئة ووزارة الموارد المائية وبين مركز ساوة للدراسات الستراتيجية والبحوث، لكي نقوم بواجبنا تجاه هذه البحيرة التاريخية، حيث أنشئت العديد من المصانع والأراضي الزراعية من دون الرجوع إلى أخذ الموافقات الاصولية، والذي أدى إلى انحسار او انعدام المنابع الرئيسة لـ(ساوة).
لغز
ومثلما اتفق الخبراء في وصف أسباب جفاف بحيرة ساوة، اتفقوا على أن لا الغاز حول مصدر تغذيتها، فهم يجمعون على امكانية استعادة البحيرة لشيء من بريقها وبنسب متفاوتة في ما لو ادخلت التوصيات التي رفعوها إلى الجهات المعنية حيز التنفيذ، لكن الثابت أن جفافها كشف آخر أسرارها وألغازها التي عمرت طويلا وأطلقت اسئلة حول فوضى يتركها الانسان في التوازن الاحيائي للبيئة.
ويضيف الحسيني تشكل فريق بحثي لدراسة أسباب انخفاض منسوب مياه بحيرة ساوة تدريجيا، وكذلك جفاف المنابع المخفية لتلك البحيرة وانحسارها، وقد تألف هذا الفريق البحثي العلمي من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي متمثلا بجامعة المثنى، ومركز علوم البحار التابع إلى جامعة البصرة، ووزارة الموارد المائية متمثلة بالهيئة العامة للمياه الجوفية، ومركز إنعاش الأهوار، فضلا عن وزارة الصناعة والمعادن وهيئة المسح الجيولوجي العراقي، ومن أهم النتائج التي وصل اليها هذا الفريق البحثي تتجه إلى التغييرات المناخية وانخفاض كمية الأمطار وزيادة عملية الحفر العشوائي والتجاوز على الثروة المائية والمياه الجوفية، وانتشار المصانع والاراضي الزراعية المحاذية لبحيرة ساوة، كلها أسباب ملحوظة تؤدي إلى تلاشي مياه ساوة.
 
أسرار
بينما يرى السيناريست يوسف المحسن الذي تحدث لـ (الصباح) أن ساوة كوّنت لنفسها تلقائيا حواجز كلسية، لا يعرف من أين أتت بها هي عبارة عن سياج يحيط بها، لا يُعرف كيف نشأ، أو كيف تكون، أو كيف أوجد نفسه، وما يميز هذا السياج الكلسي هو احتواؤه على ظاهرة الكهوف التي تنتشر على طول كتفها، وتبلغ مساحة هذه الكهوف ما بين المترين إلى الثلاثة أمتار، إلى جانب أنها تحوي صخوراً ملحية تشبه زهرة القرنابيط، توجد داخل البحيرة وعلى مقربة من الكتف الكلسي، ولا أحد يعرف كيف حافظت على شكلها كل هذه القرون.
ويضيف المحسن، ساوة، تلك البحيرة اللغز، باتت اليوم تبحث عن يدٍ تضمد جراحاتها لتبث الروح فيها، اليوم تبدو مهجورة تماماً، فلا زائر لها، وليس فيها أو قربها أي حياة، ولا أماكن للاسترخاء أو المشاهدة، ولا محال أو مطاعم أو فنادق قربها، ولا خدمات، بل أن من يذهب إليها يموت عطشاً، اذ كان ماؤها علاجاً لكثير من الأمراض الجلدية، لكنه لم يستطع أن يعالج نفسه، فبات أسير وعائها الكلسي إلى ما شاء الله".