العواصف الغباريَّة ومتلازمة الجفاف

ريبورتاج 2022/05/22
...

  فجر محمد
   تصوير: نهاد العزاوي
 لم تعد ربات البيوت العراقيات ينعمن بالراحة ولا الهدوء منذ أن حل موسم الصيف، إذ أصبحن كالجنود في ساحة الحرب، وعدتهن من أدوات ومواد التنظيف لا تفارق أيديهن، لأنهن مهددات بهبوب عاصفة ترابية في أي لحظة أو يوم، فالزائر الأصفر كما أصبح الناس يطلقون عليه قد يقتحم المنازل بأي وقت، والعاصفة لم تعد تسير وفق توقيت موسمي معين، بل تخترق الأجواء كما يحلو لها ووقت ما تحب، وبالتأكيد هناك متضررون كثر من تلك العواصف وهم مرضى الجهاز التنفسي.
 
ملوثات بيئية
فقد الإنسان اهتمامه بالبيئة منذ سنوات مضت، فهو لم يعد يلقي بالاً لها بل يلقي بفضلات مصانعه ومشاريعه في الأنهر، كما أنه أصبح يستهلك الغازات الدفيئة ومنها الميثان وثنائي اوكسيد الكاربون بشكل مفرط، وهما من الغازات المضرة بالبيئة.
الأستاذ والباحث بالشؤون الجيولوجية والبيئية الدكتور قيس جاسم أشار إلى أن خطورة استهلاك الغازات تكمن في تأثيرها على الكرة الأرضية، إذ تعمل على حبس أشعة الشمس وتمنع انعكاسها إلى الفضاء الخارجي، وبالتالي تبقى موجودة على الأرض وتسخن السطح، وهذا ما لاحظه العلماء والخبراء في الأعوام المنصرمة.
 
جهود علميَّة
أصبحنا نتابع وبشكل مستمر نشرات الأنواء الجوية، كي نتخذ جميع الاحتياطات لمواجهة العاصفة الترابية، لحماية والدتي التي تعاني من مرض الربو منذ أعوام طويلة، وتتحدث وفاء جابر بحزن واضح في صوتها: "عندما تبدأ العاصفة بالهبوب، نقوم بعزل أمي في غرفة خاصة ونضع فيها جهازاً لتنقية الهواء، فضلا عن تهيئة الأدوية اللازمة لمواجهة نوبة الربو التي أصبحت حادة تزامناً مع تلك العواصف".
وفي وقت سابق حذرت دوائر الصحة ومنها كركوك المواطنين من موجة العواصف التي تضرب البلاد، لأنها محملة بأتربة غاية في الضرر للجهاز التنفسي، فضلاً عن إمكانية الإصابة بالجلطات بسبب تلك الأتربة، ولهذا دائماً ما تحذر دوائر الصحة المواطنين وتدعوهم إلى التزام المنازل في العواصف الغبارية، وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.
 
جهد عالمي
هناك من يرى في الأحزمة الخضراء بمثابة مخلص حقيقي من هذه الأجواء، ولكن المستشار السابق في وزارة الموارد المائية ظافر عبدالله أكد أن تلك الأحزمة لن تكون علاجاً ناجعاً، بل الوقفة الدولية والجهد العالمي والتضامن البيئي هو من سينقذ الأجواء في الأيام المقبلة، مبيناً أن العلماء والباحثين منكبون في الوقت الحاضر على جمع البيانات وتحليلها وقراءتها بصورة مفصلة، من أجل الخروج بنتائج تساعد الإنسان على التكيف مع هذه الأجواء الجديدة.
 
قلق وتوتر
تعاني الهام سامر من نوبات قلق وتوتر تصيبها بين الحين والآخر، خصوصاً عندما تعرف من وسائل ومواقع التواصل والإعلام بقرب هبوب عاصفة غبارية، فهي تعاني من وسواس النظافة وقد زادت حدة المرض، مع زيادة العواصف الترابية.
في العراق كانت هناك رئة تنفسية عملاقة كما أطلق عليها الباحث بالشؤون الجيولوجية والبيئية الدكتور قيس جاسم وهي غابات النخيل في منطقة الدورة، إذ كانت تحيط بالمدينة وتمنحها جواً بارداً او على أقل تقدير تلطف الأجواء، ولكنها تعرضت للقطع الجائر في الأعوام الماضية، ولم تكن هي الضحية الوحيدة بل عانت أغلب الحدائق والأشجار داخل المدينة ولقيت المصير نفسه، فضلا عن أشجار أخرى تعرضت للقطع منها النخيل واليوكالبتوس، التي كانت تعمل على تلطيف الجو بشكل واضح.
 
رياضة التفحيط
لا بد أن تلك الرياضة قد طرقت أسماعكم خصوصاً في الآونة الأخيرة، فهي سابقاً كانت تمارس داخل شوارع ومناطق محددة، أما اليوم فهي اقتحمت الصحراء أيضاً إذ أصبحت الصحارى المتعددة في البلاد مقصداً لعدد من الشباب، وهم يمارسون تفحيط السيارات، ولكن ما يجب معرفته أن تلك الرياضة أسهمت بتفتيت ذرات الرمال وجعلتها خفيفة جداً وتحمل من قبل العاصفة بكل سهولة، وليس هذا وحسب بل أصبحت أشجار الغضا التي كانت تمسك بتربة الصحراء، عرضة للقطع المستمر، إذ تستخدم في صناعة الأراكيل، دون الاكتراث ببيئة الصحارى ومدى خطورة هذا الأمر.
 
الزائر الأفريقي
تقتحم الأجواء الأميركية بين الحين والآخر عواصف رعدية ومطرية، وهي كما يقول الباحث بالشؤون الجيولوجية والبيئية الدكتور قيس جاسم: "تعد زائراً مستمراً للولايات المتحدة الأميركية، فهي تأتي من شمال أفريقيا وغالباً ما تكون محملة بالمياه، لأنها تجتاز محيطات وبحاراً، لغاية وصولها إلى أميركا، فتلقي بحمولتها في عدد من الولايات"،  وما يحصل اليوم من عواصف غبارية هي مشابهة لهذا الأمر كثيرا على حد وصف جاسم، إذ تأتي العواصف الغبارية من الصحراء الأفريقية باتجاه دول معينة ومنها العراق.
فترة جفاف
كل يوم نفاجأ بنهر قد جف أو هور اختفت ملامحه، وبالتالي أثر ذلك في الأحياء والكائنات البحرية والنهرية الموجودة فيه، ومن المتوقع أن تكون هناك موجات جفاف جديدة ما لم يتم التحرك سريعاً واتخاذ جملة من الإجراءات والاحتياطات لوقف زحف الجفاف على المدن.
ويعتقد الباحث بالشؤون الجيولوجية والبيئية الدكتور قيس جاسم أن إعادة الحزام الأخضر الممتد من الموصل والأنبار وصولا إلى المحافظات الجنوبية  سيسهم بالتقليل من حدة الجفاف والتصحر اللذين يعاني منهما البلد.
 
تلف المحاصيل الزراعيَّة
من المعروف أن العواصف التي تهب تحمل ذرات الغبار، وعندما تقع على أوراق الأشجار فمن شأنها أن تعيق عملية النتح، وبالتالي تؤثر في النباتات بشكل كبير جداً وتعرضها للجفاف والذبول لاحقاً.
ووفقاً للمدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض وبتصريح خص به وكالة الأنباء العراقية (واع) فإن زيادة تلك العواصف، لها تأثيرات سلبية كبيرة فهي تلوث الهواء الجوي بالجسيمات العالقة التي تحملها ذرات الغبار مع تلك العواصف، ما يحول هواء المناطق إلى ملوث وغير صحي، كما أن المخاوف البيئية تزداد من إمكانية تلف المحاصيل الزراعية، أو تأخر نموها.  
ولهذا طرحت وزارة البيئة مؤخراً، حلولاً لمكافحة التصحر والحد من تأثير العواصف، إذ أوضح المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض أن العواصف الغبارية تلحق الضرر بالنباتات الطبيعية، إذ قد تجف بسبب تلك العواصف، ما يؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية أو تأخير نموها بسبب ترسب الغبار على الأراضي الزراعية، ويعتقد عيسى أن تزامن سقوط الأمطار مع العواصف الترابية قد يؤدي إلى أمطار طينية.
 ومن الحلول المطروحة التي يجب القيام بها لتفادي تأثير تلك الهبات الترابية زيادة مساحة الغطاء النباتي، وإنشاء الغابات التي تعمل كمصدات للرياح من أشجار مناسبة قوية الجذوع وسريعة النمو وقليلة الحاجة للمياه وتتحمل درجات حرارة مرتفعة، فهي من شأنها أن تقلل كميات الغبار في الجو.
 
دراسات معمقة
وأوضح المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض أن هناك حاجة ملحة لإعداد دراسات تتضمن تحديد نوع العواصف، ومواقع اختلال الضغط الجوي ونوع الأشجار، مبيناً أن هناك ضرورة لإعادة تأهيل مواقع الغطاء النباتي وتفعيل زيادة مساحة الغابات الاصطناعية التي تقوم الوزارة المعنية بإنشائها في مواقع أو مساحات أراضٍ جرداء، بهدف زيادة مساحة وكثافة الغابات وهو ما يعرف عالمياً بالتحريج الاصطناعي.