تطرف المناخ يعقد الوضع البيئي والأراضي الجرداء مصدر لعواصف ترابيَّة دائمة

ريبورتاج 2022/05/22
...

 بشير خزعل
 تصوير: خضير العتابي
أغلب أصحاب الأراضي الزراعية لجؤوا الى تقسيمها لقطع أراضٍ سكنية بمساحات مختلفة من 100 - 1000 متر مربع، او حسب طلب المشتري، وفي أقل من سنتين بعد العام 2003، أصبحت تلك البساتين والمساحات الخضراء المحيطة بالعاصمة بغداد او تلك المحيطة بالمدن والمحافظات كلها أراضي جرداء او عشوائيات متناثرة على شكل مجمعات سكنية صغيرة بلا خدمات، وتحت وطأة أزمة السكن أزيحت الأضرار بالمساحات الخضراء جانبا، واصبح تجريف البساتين والاراضي العشبية متاحا للجميع، حتى أصبحت أغلب المساحات الشاسعة من الاراضي اشبه بصحراء صغيرة تحيط بالمدن والمحافظات على مرمى البصر..
 ومع قلة الامطار وشحها طوال فصل الشتاء القصير ومع أشهر الصيف الطويلة تحولت بيئة العراق إلى بيئة شبه صحراوية تضربها العواصف الرميلة طوال أشهر السنة مع غياب للحلول، التي تقلل من أضرار العواصف الترابية الدائمة. 
 
تأثيرات
وزارة البيئة العراقية توقعت ارتفاع نسبة تصاعد الغبار في البلاد من 272 يوما في السنة إلى 300 يوم حتى العام 2050، وبحسب المختصين في الوزارة، فإن أهم الأسباب التي أدت إلى تأخر تنفيذ الحزام الأخضر حول المدن هو قلة التخصيصات المالية اللازمة، إضافة إلى قلة الموارد المائية التي يجب أن توفر لهذه المساحات الشاسعة، بسبب الشح المائي الذي يعاني منه البلد خلال العقد الأخير، كما أن التغيرات المناخية عامل أساسي في زيادة موجات الغبار، وبحسب الإحصائيات المسجلة من قبل الهيئة العامة للأنواء الجوية، ارتفع عدد الأيام المغبرة من 243 يوما إلى 272 يوما في السنة لفترة عقدين من الزمن، ومن المتوقع أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة عام 2050، وبينت الوزارة أن نحو 70% من الأراضي الزراعية في العراق متدهورة أو مهددة بالتدهور، نتيجة التغيرات المناخية، وبالتالي فقدان الغطاء النباتي الذي يعتبر العامل الرئيس لتثبيت التربة.
وأوضحت الوزارة أن الأخطار البيئية نتيجة موجات الغبار تؤثر في الجانب الصحي للإنسان، ويعتبر مرضى الجهاز التنفسي مثل مرضى الربو والتحسس وضيق التنفس من أكثر الفئات تأثرا، فضلا عن التأثيرات الاقتصادية على الدولة نفسها، من حيث انقطاع الطرق وانعدام الرؤية وحظر الطيران وارتفاع تكاليف الصيانة، خصوصا في ما يتعلق بالخلايا الشمسية. وفي وقت سابق أعلنت وزارة البيئة العراقية إعدادها رؤية تمتد لـ (10 سنوات) بمشاركة خبراء دوليين لمواجهة تحدي التغيرات المناخية وتقليل أضرارها، مؤكدة أن التطرف المناخي يقف وراء التغيرات في بعض المناطق على شكل سيول وفيضانات وجفاف وتصحر.
 
تدهور تربة البادية
كبير خبراء الستراتيجيات والسياسات المائية وعضو هيئة التدريس في جامعة دهوك الدكتور رمضان حمزة محمد بيّن، أن أسباب تضاعف شدة العواصف الترابية خلال السنوات الأخيرة هي تدهور حالة التربة في منطقة الصحراء الغربية والبادية المحاذية لأراضي سوريا والأردن والسعودية، نتيجة حركة المركبات العسكرية، وكذلك تجفيف الأهوار وتقلص المساحات الزراعية، نتيجة شح المياه في عمودي نهري دجلة والفرات.
هذه العوامل مجتمعة ساعدت في سرعة زحف الكثبان الرميلة نحو المدن، وهنا تكمن أهمية تنفيذ الأحزمة الخضراء لمواجهة خطر ازدياد العواصف الترابية، مشيرا إلى أن شح الموارد المائية في العراق خلال المرحلة المقبلة، وفي ظل غياب الأحزمة الخضراء حول المدن ستتسبب في ارتفاع عدد الأيام المغبرة، ومن المتوقع أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة.
 
تغيرات غير منتظمة
الباحث في مجال البيئة حسن هادي الحارثي عزا سبب العواصف الترابية إلى الجفاف المصاحب لظاهرة تغير دوري غير منتظم في الرياح ودرجات الحرارة في المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي، مؤثرًا في المناخ للكثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. تُعرف مرحلة الزيادة في درجة حرارة البحر بالنينو، بينما تُعرف مرحلة التبريد بلانينا الدورية، التي تضرب البلاد منذ سنوات، مسببة جفاف التربة بمناطق الجزيرة غرب الموصل وغرب الأنبار وهلاك النبات الطبيعي في تلك المناطق التي تقع في مهب منخفضات العروض الوسطى، التي تؤثر في العراق طوال فترة الخريف والشتاء والربيع، وهذه المنخفضات أصبحت جافة، فكلما تقدم منخفض أثار الغبار وتحول إلى عاصفة رملية، ولا نستطيع التحكم بالطقس والمناخ، ولكن نستطيع التحكم بحالة التربة التي فقدت مساحتها الخضراء الطبيعية وغير الطبيعية بسبب التغييرات العمرانية غير المنتظمة.
 
حلول
ويرى الحارثي أن الحلول تأتي من خلال توفير مصدر دائم للمياه في المناطق الباعثة للغبار في مناطق غرب الجزيرة ومحافظة الانبار من أجل إدامة النبات الطبيعي لتلك المناطق، وتفعيل مشروع ري الجزيرة الغربي المعتمد على سد الموصل، اضافة الى تعميم زراعة الاراضي وتوسيع المساحات الخضراء على حدود المدن وفي الاراضي الخالية وتشريع قوانين وعقوبات خاصة بتجريف البساتين والاراضي العشبية، التي تقلصت بشكل خطير بسبب انحسار الامطار والتجاوزات واهمال المؤسسات المعنية في مجال البيئة والزراعة والري.
 
آثارٌ صحيَّة
وزارة الصحة أعلنت دخول المئات من المواطنين خاصة المصابين بالأمراض التنفسية إلى المستشفيات بسبب العواصف الترابية، وازدياد حالة ضيق التنفس بسبب الغبار زاد من الضغط على ردهات الطوارئ في المستشفيات، أحد الأطباء المعالجين في مستشفى مدينة الطب قال:  العواصف الترابية تصيب من يعانون من أمراض الربو وحساسية القصبات والجيوب الأنفية، وعليهم الالتزام بالوقاية ومنها استخدام الكمامة بشكل مضاعف، لأن خطر الاختناق لدى بعض المصابين بامراض الجهاز التنفسي الشديدة تصل الى حد الوفاة، اذا لم يتم تلافي وتقليل خطر تاثير الغبار بالطرق، التي نعلن عنها لحين وصول المصاب الى المستشفى ووضعه على جهاز الاوكسجين.