الغبار .. ذراتٌ صغيرة ومشكلاتٌ كبيرة

ريبورتاج 2022/05/22
...

 ذوالفقار يوسف
 تصوير: رغيب اموري
 
تستيقظ آية لتتفاجأ بكمية الغبار التي تكدست على كتاب مادة الجغرافية، لم تقرأ في الأخبار عن عاصفة غبارية قادمة، لكنها علمت بمجيئها عندما اختفى من حدود رؤيتها كل ما كتب على الغلاف تماما، لقد تذكرت مشهدا قد رأته في أحد الأفلام، ذلك البطل الذي يبحث في الكتب عن كنوز ضائعة في المكتبات القديمة، لم تعر للأمر أهمية، فهي قد واجهت كما العراقيون أجمع هذا المشهد العديد من المرات فهي تسكن أرض العراق.
وتثير نشاطات الرياح السطحية للبلد في الآونة الأخيرة الاتربة والغبار ليتطاير باستمرار، ليهدد الشيء الوحيد الذي بقيَّ صالحا للعراقيين، الهواء النظيف، فيسبب الأمراض التنفسية العديدة، منها الربو الشعبي والحساسية الأنفية وأمراض الجيوب الأنفية، وليزيد هموم العراقيين في تكاليف أطباء الجهاز التنفسي، ليصاحب أزمات غلاء المعيشة وارتفاع سعر صرف الدولار والزحامات وغيرها.
 
أمنيات لا تتحقق
تختبئ آية محمد (23 عاما) تحت غطاء الفراش رغم حرارة الصيف ومع عدم وجود الطاقة الكهربائية التي تنقذها من هذا الموقف، تهرب من ذرات الغبار المتطايرة في الغرفة رغما عنها، كأنها سمكة تخاف الخروج من الماء، وبالرغم من أن والدتها قد ألزمت جميع من في المنزل على إغلاق الأبواب والشبابيك، وسد كل المنافذ، الا أن الغبار ما أن يقرر الدخول لايستطيع أحد أن يمنعه عن ذلك. تقول آية "لقد بحثت عن منفذ او شباك مفتوح لكي تكون غرفتي بهذا الشكل، إلا أنني لم أجد، وهذا الأمر جعلني أتساءل كيف، ومن أين يدخل التراب إلى غرفتي، كم أتمنى أن أتحصن بصندوق زجاجي لأتخلص من هذه المشكلة".
 
زائرٌ ثقيل
وفي موجة الاهتمام بالأحداث التي تطرأ على الشارع العراقي، استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي توثيق كل حدث جديد مقبل على العراق، ومن ضمنها أزمة الأتربة والغبار المتطاير في البلد، يكتب أحدهم في مدونته عبر الـ"فيسبوك"، "شرفت العاصفة وحاليا بحدود البصرة"، آخر يكتب عبر الانستغرام "هم اليوم ماراح اكدر اغسل السيارة"، مقطع فيديو لأحدهم وهو يمسح التراب عن أرضية منزله "خلي يطبكون الصحراء سيراميك"، وأخرى تطلق موجات من الماء عبر خرطوم المياه وهي تقول بسخرية: "الي يحب تراب العراق يجي يتفضل يمنا، عدنا هواية من عنده".
السيد محمود الحسيني أحد العاملين في شركات السياحة والسفر يشكو من تدهور عمله بسبب هذه التغيرات المناخية ويقول: "لم نشهد بحياتنا هذا الظاهرة الا مرة أو اثنتين، إلا أن هذه السنة تراجع عملنا في الجانب السياحي بشكل كبير، ومع أضرار الغبار على الإنسان وصحته، يأتي ليتسبب بتوقف الطائرات عن الاقلاع بسبب انعدام الرؤية عند الطيران، فلا مسافر ولا زائر، إلا ذلك الزائر الثقيل الذي سمي بالغبار".
 
ابتسامة من تحت الكمامة
ومع وصول ذلك الزائر الثقيل يتردد كل من يتأثر به على الاطباء والعيادات الصحية والمستشفيات، أطباء متخصصون بعلاج الأامراض التنفسية زاد دخلهم بصورة كبيرة، فتهيجات الأغشية المخاطية لمجرى الجهاز التنفسي العلوي والسفلي تحدث ما ان يقبل هذا الزائر، كل ذلك وضحته الدكتورة أنسام الربيعي لتكمل حديثها بأن "الغبار يزيد من حالات الربو الحادة، خاصة اولئك المصابين بفرط حساسية الجهاز التنفسي والتهاب الأنف والحلق والجيوب الأنفية، فضلا عن المصابين بالتهابات مزمنة في الشعب الهوائية وضيق التنفس".
تنصح الربيعي المواطنين بلبس الكمامات عند الخروج من المنزل، فضلا عن استخدام الأدوية المضادة لهذه الاتربة، فهي تحتوي على الجراثيم والياف حيوانية وطفيليات تسبب الحساسية وتهيجات الجلد وتاثر في نمو المخ، لذلك لابد من المحافظة على ترطيب أجواء المنزل وعدم الخروج منه، واستخدام أدوية المناعة، وزيارة الطبيب بشكل دوري". سألناها عن احصاءات عدد المراجعين لعيادتها، لتجيبنا بضحكة من تحت الكمامة التي تلبسها خوفا من الغبار.
 
موظفات ولكن!
ويختلف عناء المسؤوليات من شخص الىآاخر ما أن تحل العواصف الترابيَّة، منهم من يحاول سد منافذ منزله، وآخر يغطي عجلته خوفا من التراب المتطاير، رجل مسن يتقوقع في غرفته ينتظر انتهاء العاصفة، وفتى يشتري أكبر عدد من اجهزة الاستنشاق بسبب العامل الوراثي لديه الذي سبب له إصابة بالربو، الا أن للنساء الموظفات الحصة الأكبر من هذه المعاناة، فهن ربات بيوت ايضا ويستوجب عليهم ما ان يكملن الدوام الرسمي العودة إلى منزل يغص بالاتربة والغبار، منهن من يستيقظن مبكرا لاتمام التنظيف، لكن لا خلاص من الغبار الذي يستمر لأيام، فهل يا ترى تستطيع أن تترك منزلها بهذا الشكل وقد أصبح كالإهرامات، حدثنا أحدهم بأن امه صارت تتحدث في نومها، وطيلة هذه الأيام كانت تردد دائما "سدوا الباب".