عطشٌ النهرين مياه العراق تنضب

ريبورتاج 2022/05/24
...

 قصي الطيب
 تصوير: الصباح
سبعة ملايين شخص معرضون للخطر بسبب نقص المياه في العراق، بينما حذر باحثون، من أن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات هطول الأمطار وقلة الوصول إلى مياه الأنهار تزيد من مخاطر وشدة الجفاف.
بينما تقلصت المساحات الخضر، واتسعت الصحراء، ونتيجة لذلك، أصبحت العواصف الرملية والترابية أكثر انتشاراً في جميع أنحاء البلاد.
 
تحدث الآن ما يقدر بـ 220 يوماً في السنة، مع تركيز الغبار المتساقط بحوالي 80 ملم / متر مربع في الشهر، في حين أن هطول الأمطار نادر جداً. وتهدد هذه الظاهرة المدمرة بإنهاء الحياة الزراعية والاجتماعية في مناطق عديدة من البلاد.
وجاء تأكيد وزارة البيئة انزلاق البلاد في بؤرة أزمة المناخ، مع تداعيات عنيفة ستؤدي إلى تدمير البيئة العراقية، وجعلها غير صالحة للعيش على مدى العقدين المقبلين، بسبب الزيادات المفرطة في درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار ونقص احتياطيات المياه السطحية والجوفية؛ وزيادة الجفاف وتكثيف العواصف الترابية والتصحر وتآكل التربة وفقدان التنوع البيولوجي. سيؤدي هذا في النهاية إلى تدهور المساحة الزراعية وتدمير سلاسل الأمن الغذائي.
بينما يستهلك العراق بحسب لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب، أكثر من 63٪ من موارده المائية في الزراعة دون سد احتياجاته المحلية من المحاصيل، وغالباً ما يعتمد على الغذاء المستورد، ما يعني أن إهدار المياه لا يتوافق مع ما يمكن أن يكون منطقياً مستويات عالية من الإنتاجية.
 
لا أمطارَ لا زراعة
وفقاً لمصادر إعلامية، تشكل الزراعة نحو 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلد، وهي مسؤولة عن نحو 20٪ من سوق العمل الريفية في الغالب. وبسبب تأثير تغير المناخ وندرة المياه وتزايد الصراع المسلح، انخفض الإنتاج الزراعي الى نحو 40٪ منذ عام 2014. ووفقاً للبنك الدولي، تشير التقديرات إلى أن ثلثي مزارعي العراق كانوا قادرين على الوصول إلى مصادر الري قبل ذلك العام، ولكن خلال السنوات الثلاث التالية انخفض إلى 20٪ فقط. وتشير تقديرات الحكومة إلى أن تغير المناخ تسبب أيضاً في فقدان 75٪ من الماشية، مثل الأغنام والماعز والجاموس.
بينما وجد برنامج الأمم المتحدة للبيئة "أن العراق يفقد نحو 25000 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة سنوياً بسبب الزيادات في التصحر، ومتوسط درجات الحرارة بالتزامن مع انخفاض هطول الأمطار، وتغير أنماط الطقس". حمّل مواطنون الحكومة في مواجهة هذه الأزمة الخطيرة، والفساد المزمن وسوء إدارة المياه إلى نقص الاستثمار على مدى عقود في البنية التحتية للمياه. 
يقول المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، سامي ديماس، إن "منسوب المياه في نهري دجلة والفرات انخفض بنسبة 73% جرّاء قلة تساقط الأمطار"، مشيراً إلى أن "التدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي وتفاقم التصحر، وتكرار الظواهر المناخية الشديدة، تشكل تهديدات جدية على الإنسان في المنطقة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جماعية". وأضاف ديماس، أن "شح المياه دفع الحكومة إلى تقليص المساحات المزروعة بنسبة 50% خلال 2022"، ما يعني أن ذلك سيمس غذاء العراقيين، الذين يكتوون أصلاً بنسب فقر مرتفعة، وغلاء، وفوضى اقتصادية، وفساد مستشرٍ.
 
تركيا وإيران
يقول مراقبون، "يوفر نهرا دجلة والفرات نحو 98٪ من المياه السطحية للبلاد، كما بدأت الحكومة التركية بمشروع جنوب شرق الأناضول من خلال بناء 22 سداً و 19 محطة طاقة هيدروليكية لتنمية المقاطعات الجنوبية الشرقية، كما تتمتع تركيا أيضاً بالقدرة على خفض تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر في غضون مهلة قصيرة"، مضيفين "كما أدت سياسة إيران المائية إلى تقليص إمدادات المياه في العراق، حيث تسهم الروافد التي تنشأ في إيران بنسبة 40٪ من مياه شط العرب في العراق، وكان لبناء السدود تأثير مدمر في تدفق المياه إلى المحافظات الشرقية في العراق، ومع بناء 600 سد في إيران والمزيد مخطط لها، تم تحويل مياه الأنهار مثل كارون والكرخة للبقاء داخل الأراضي الإيرانية ولم تعد تتدفق إلى العراق".
 ولم تؤد عمليات التحويل إلى تقليل تدفق المياه إلى العراق فحسب ، بل أدت أيضاً إلى زيادة الملوحة، ومن المتوقع أن يجف نهرا دجلة والفرات تماماً داخل العراق بحلول عام 2040 بسبب سياسات المياه الخاصة بجيرانهما. 
وقال عون ذياب، كبير مستشاري وزارة الموارد المائية، إن "الخزين المائي المتاح هو اقل بكثير مما لدينا العام الماضي بنحو50 بالمئة بسبب قلة الامطار والواردات القليلة من دول الجوار". محذراً من "سنوات جفاف متعاقبة، ما يتحتم علينا تقنين استخدام المياه خلال الصيف القادم وخلال الموسم الزراعي".
وجراء انخفاض مناسيب المياه الواردة للعراق من تركيا وإيران، فضلاً عن انحسار سقوط الأمطار منذ 3 أعوام، كانت وزارة الزراعة العراقية قد أعلنت تخفيض خطتها الزراعية للعام الحالي بنسبة 50 بالمئة.
 
حراكٌ حكومي
وعلى الرغم من خطورة الوضع، إلا أن استجابة الحكومة العراقية لأزمة المياه كانت متواضعة بسبب ضعفها ومحدودية الخيارات المتاحة، جذبت العديد من المشكلات المحلية انتباه الحكومة بعيداً عن صياغة ستراتيجية قابلة للتطبيق لمعالجة نقص المياه، لكنها هددت بتدويل أزمة المياه من خلال تقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة، إذا استمرت إيران وتركيا في الحد من تدفق المياه. 
كما دعا وزير الموارد المائية، مهدي رشيد الحمداني، إلى ضرورة العودة إلى اتفاقية الجزائر الموقعة منذ عام 1975 والمتعلقة بتقاسم مياه نهر شط العرب، لحل مشكلة شح تدفق المياه من إيران، ورأى أن ممارسات إيران بتحويل مجرى المياه مخالفة صريحة للمواثيق الدولية.
على عكس الجارة تركيا، فقد أكد الحمداني في مؤتمر صحفي عقد في بغداد، أن "تركيا لن تفعل معهم مثل إيران، إذ عوّضت العراق ما فقده من المياه"، مضيفاً "جارتنا تركيا تعوض خسارتنا وأضرارنا، وان العراق فعّل مذكرة تفاهم مع تركيا أبرمت عام 2009 وعدّلت عام 2014، وتتيح للعراق الحصول على حصة كاملة"، لافتاً إلى أن "هناك لجنة مشتركة مع تركيا مقرها العراق للتنسيق بشأن مسألة المياه".