ما الآثار إلا رصيد البلدان، وخلاصة التاريخ، وهي التعويذة التي تحرس البلدان في العالم الحديث، الذي قد تطور، وتعلي من شأنها إذا ما قورنت ببلدان وليدة الأمس القريب، وحين كان العراق أكثر البلدان آثارًا، كان أكثر البلدان التي نهبت آثارها، وظل يحن إليها، وفي شوق دائم، وبعد النهب، وبعد أن استعادت الدولة العراقية بعضاً من عافيتها وصحتها، صرنا نراها تحاول أن تستعيد آثارها التي نهبت وسرقت.
ومن أجل هذا تمَّ إجراء هذا التحقيق مع مختصين، بهذا الشأن وهم أمام السؤال لماذا العراق غير قادر على إعادة جميع آثاره المسروقة؟.
المزادات الدوليَّة
يرى عامر عبد الرزاق، مدير متحف الناصرية الحضاريّ أن العراق أكثر دولة تعرضت لحرب تهريب الآثار، منذ النظام السابق، وحتى بعد الاحتلال الأميركي، وأيام حرب داعش، مئات الآلاف من آثارنا هربت طيلة تلك السنين.
لكن العراق، من خلال محاوره كوزارة الخارجية ووزراة الثقافة ورئاسة الوزراء، استعاد العديد من قطعه الآثارية، من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول صديقة ساعدت العراق في محنته في استعادة عشرات الآلاف من تلك الآثار، لكن يظل تحديا كبيرا لاستعادة الكم الكبير الذي ما زال مهربا للأسف خارج العراق ومعروضا في المزادات الدولية لبيعه.
وخصوصا بعد الاحتلال الأميركي، سرق المتحف العراقي ودمر وسرقت منه أكثر من 14 ألف قطعة أثرية، وأشد الخطورة في القطع التي هربت من المواقع الأثرية، لأنها لا تحتوي أرقاما متحفية، مثل تلك التي هربت من المتحف.
الرصد
بينما يخبر د.أحمد العلياوي، مدير دار المخطوطات العراقية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، أن هناك جهدًا مستمرًا بما يخص ملف استعادة الآثار العراقية، بإشراف السيد وزير السياحة والثقافة والآثار د. حسن ناظم، ورئيس هيئة الآثار د.ليث مجيد، وقسم الاسترداد في الهيئة العامة للآثار والتراث، لمتابعة القطع الآثارية العراقية المسروقة المهربة، في جميع المواقع، ونحن نرصد بشكل يومي أي قطعة في أي دولة، معروضة، لإعادتها، وقد أعدنا قبل مدة 17338 قطعة، مثل لوح كلكامش، والكبش السومري.
جهدٌ دولي
ويؤكد أن القطع الآثارية الآن مصانة في المتحف العراقي، وأن ما تعرض له المتحف في 1991 و 2003، بسبب انهيار الوضع الأمني آنذاك، بعض القطع غير مشخص لنا في أية دولة، والمشكلة أن بعض الدول تتيح هذا لمواطنيها، ولا تجرّم الاتجار بالآثار. لدينا جهد دولي، قانوني يحمي آثارنا، أيا كانت والعمل مستمر لاستعادة الآثار، لكن أن تعود كل القطع الآثارية. ونأمل من الحكومة أن تشدد العقوبة على كل من يثبت أنه يتاجر بالآثار.
الضغط على المؤسسات
بينما يرى أحمد الملاح، الباحث والحقوقي العراقي أن الآثار العراقية خرجت من العراق على شكل دفعات في أوقات متعددة، لكل منها صيغة قانونية محددة. ويمكن تقسيم الأمرعلى ثلاث مراحل بشكل أساسي: مرحلة الحكم العثماني، وفيها أغلب الاكتشافات الآثارية التي نشاهدها في المتاحف العالمية، حيث منحت الدولة العثمانية فرق التنقيب إمكانيات استخراج الآثار ونقلها، حينما كانت تسيطر على العراق. ومرحلة الاحتلال البريطاني نقلت العديد من الآثار تحت بند الحماية والاكتشافات. وايضا مرحلة التهريب والسرقة التي بلغ أوجها بعد الغزو الأميركي عام 2003.
ويضيف أن "مطالبة العراق بالآثار المسروقة التي لم تستخرج في ظل الاتفاقيات العثمانية والبريطانية ممكنة، فقط تحتاج لمتابعات وتفعيل الملف، رغم وجود بعض الأمور المستعصية فيها مثل سرقة الإرشيف اليهودي العراقي، لكن يبقى الأمر ممكنا قانونيًا".
ويردف "أما المطالبات باستعادة الآثار التي تمَّ استخراجها عبر التنقيبات في الفترات العثمانية والبريطانية، فالأمر صعب جدا، كون هناك اتفاق مع جهة حاكمة للعراق ذلك الوقت، لكنه غير مستحيل في حال امتلك العراق أدوات ضغط على الدول، التي تمتلك تلك القطع الآثارية".
معركة الاسترداد
كما يرى الملاح أن المشكلة الأساسية في استعادة الآثار العراقية، هو غياب قدرة العراق وأوراقه بالضغط على الدول والمؤسسات، إضافة لعدم جاهزية البلد لاسترجاع آثاره في ظل إهمال للآثار الموجودة فعلاً في العراق.
بغـــــــــــداد متحف مفتوح لكن مهمل للأسف بدايـــــــــة من المستنصرية والقصر العباسي وليس نهاية بعقرقوف، فكيف سنكون قـــــادرين على الدخول في معركــــــة استعادة الآثار، إذا لم نكــــن نمتلك أدوات هذه المعركة؟!