مارك ثيسن
ترجمة: بهاء سلمان
في المياه الباردة والمتلاطمة الأمواج لخليج القيامة في ولاية الاسكا، كل العيون كانت تحدّق صوب المياه الرمادية، متطلّعة لشيء واحد فقط. لم تكن تلك نافورة تتدفق من الحيتان الحدباء التي تنشط في هذا المضيق البحري الرائع ، أو قندساً بحرياً مسترخياً بتكاسل على سطح الماء.
بدلاً من ذلك، كان الكل على متن "نانوك"، سفينة الأبحاث التابعة لجامعة "الاسكا فيربانكس"، يتطلّعون أين ظهرت الغواصة الصغيرة جداً، طولها 1,52 متر، المستخدمة تحت البحر (Sea Glider) لأغراض البحث. وكانت هذه الغواصة، التي يعتقد أنها أول تركيبة مجهّزة بمتحسس كبير لقياس مستويات ثاني أوكسيد الكاربون داخل المحيط، قد أتمّت لتوّها أول مهمة ليليَّة لها.
وبتصميمها للغوص لمسافة تبلغ ألف متر، لتجوب أجزاء بعيدة جداً من المحيط، وضعت المركبة الذاتية الحركة في خليج الاسكا هذا الربيع لتوفير فهم أعمق لكيميائيَّة البحر في مرحلة التغيّر المناخي. ولربما يكون البحث يمثل خطوة كبرى نحو مراقبة الغازات الدفيئة للمحيط، لأنه لغاية الآن، كان قياس تراكيز ثاني اوكسيد الكاربون، لتحديد حامضية المحيط، تتم غالباً من خلال السفن والعوامات والمراسي المربوطة بقاع المحيط.
"تحميض المحيط هي عبارة عن عملية يبعث من خلالها البشر بغاز ثاني اوكسيد الكاربون إلى الغلاف الجوي بسبب ما يحرقونه من وقود إحفوري وتغيير استخدامات الأرض،" كما يقول "أندرو ماكدونيل"، المتخصص بعلم المحيطات في كلية علوم المحيطات التابعة لجامعة الاسكا فيربانكس.
وتقدم المحيطات خدمة جليلة من خلال إحتواء بعضٍ من ثاني أوكسيد الكاربون. بخلاف ذلك، سيكون هناك الكثير جداً منه في الغلاف الجوي، ممتصاً من حرارة الشمس ورافعاً من دفء كوكب الأرض. "لكن المشكلة الآن هي أنَّ المحيط يغيّر من كيميائيته بسبب هذا الامتصاص،" كما تقول كلودين هاوري، خبيرة علم المحيطات لدى المركز الدولي لأبحاث القطب الشمالي التابع للجامعة. وتتم حالياً مراجعة الكمية الهائلة من البيانات التي جمعت لغرض دراسة تحميض المحيط التي بمقدورها إلحاق الأذى وقتل أنواع محددة من الحياة البحرية. وعلى مدى عدة أسابيع خلال موسم الربيع الحالي، عمل الزوجان، كلودين واندرو، مع مهندسين من شركة "كيبرس لخدمات تحت سطح البحر"، والتي جهّزت الغواصة البحثية، ومع شركة ألمانية اسمها "4H-Jena"، زوّدت البحث بالمتحسس المربوط بالغواصة.
في أغلب الأيام، ذهب الباحثون بالغواصة لمسافات بعيدة جدا داخل خليج القيامة، إنطلاقا من ساحل مدينة سيوارد، لغرض إجراء الاختبارات. وبعد أول مهمة، تم سحب الغواصة البحثية إلى السفينة. بعد ذلك، تم سحب المتحسس من الغواصة وإرساله بسرعة إلى قمرة السفينة لتحميل بياناته، ويقوم المتحسس بتحليل ثاني أوكسيد الكاربون، ويسجل البيانات ويخزّنها داخل نظام مسيطر على درجة حرارته. وتستعمل الكثير من مكوّنات المتحسس طاقة البطارية لأداء عملها.
ولأن الأمر يتعلّق بالمواصفات القياسية الصناعية، هذا المتحسس هو نفس ما موجود في أية سفينة أو مختبر يعملان على قياس ثاني اوكسيد الكاربون. وتقول كلودين إن إستخدام هذه التقنية الحديثة كان بمثابة "خطوة هائلة لأجل استيعاب مثل هذا المتحسس المتعطش للنشاط، وهذا هو ما يميز المشروع الحالي".
اسوشيتد برس