بطالة الشباب ..اضطراب اجتماعيّ ومستقبل مجهول

ريبورتاج 2022/06/02
...

   بشير خزعل
نسبة الفتوة والشباب في العراق ستبلغ 16,4 مليون نسمة، أي ما يقارب 31 % من إجمالي السكان بحلول العام 2030، حسب بعض الاحصائيات المعتمدة. وما يثير المخاوف أن المؤشرات تبين استمرار ارتفاع معدل البطالة بين أوساط الشباب من خريجي الجامعات وحملة الشهادات الأخرى، مع استمرار غياب التخطيط وعدم استيعاب سوق العمل للخريجين والحرفيين، في وقت تتوافد فيه مئات الآلاف من الأيادي العاملة الاجنبية للعراق.
إحصائيات
وحسب مصادر في وزارة التخطيط العراقية فإن آخر الاحصاءات تشير إلى أن العاصمة بغداد كانت نسبة البطالة فيها 13,8 تليها محافظة الانبار بواقع 32.4 %، تليها محافظة دهوك بنسبة 26.4 % ومن ثم محافظة ميسان بنسبة 20.4 %، بينما تعد أقل نسبة للبطالة في العراق في محافظة كركوك بنسبة 6.3 % تليها محافظة كربلاء بنسبة 6.7 % محافظة البصرة بنسبة 7.6 %". أما "نسبة البطالة في محافظات كردستان فبلغت 17.4 % . مختص في الشأن الاقتصادي الباحث هادي النجار قال: ليست هناك علاقة واضحة بين الفقر والبطالة في العراق، لأن الفقر متعدد الأبعاد، ويشمل السكن والدخل والتعليم والصحة، وقد يكون الإنسان عاطلاً عن العمل، ولكن متوفرة لديه خدمات السكن والتعليم والصحة".
وأكد أن "العلاقة بين البطالة والفقر تقتصر فقط بما يتعلق بالدخل بشكل أو بآخر، حيث إن العاطل سيواجه صعوبة في الحصول على الأموال في مواجهة الحياة". 
 
عاطلون
صلاح حسن عيسى (26 عاما) عاطل عن العمل  قال: أهم الأسباب، التي دعت أغلب الشباب المتظاهرين الخروج إلى الشارع، هو عدم وجود خطط وبرامج واعدة وملموسة تهتم بشريحة الشباب، فبرامج الحكومات المتعاقبة لم تسطع أن تجد حلا لجيوش العاطلين من اصحاب المهن، وخريجيا الجامعات والشهادات العليا، ومع مرور كل عام يزداد عدد العاطلين عشرات الآلاف، بسبب عدم وجود فرص عمل حقيقة، سواء في القطاع الخاص او العام.
بينما اشار حسين عبد الصاحب ( 35 عاما) سنة خريج كلية الادارة والاقتصاد ويعمل صاحب بسطية لبيع الملابس في منطقة شارع فلسطين، إلى أن عدد خريجي الجامعات العاطلين عن العمل يتساوى مع أولئك الذين لم يكملوا تعليمهم، مؤكدا أن أغلب أصدقائه في الجامعة تطوعوا في الجيش والشرطة، بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة، ورغم مراجعته لأكثر من وزارة على مدى 4 سنوات بعد تخرجه، الا أنه لم يحصل على اي فرصة عمل. وأضاف عبد الصاحب: البطالة أحد الأسباب الرئيسة، التي دفعت العراقيين إلى ساحات التظاهر وتحولها إلى احتجاجات شعبية.
 
تراكمات
البطالة المزمنة الموروثة من تراكمات الماضي واستفحالها في ظل الحكومات المتعاقبة بعد 2003، وحسب إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فإن معدلات البطالة في العراق بلغت مليونا و 200 ألف عاطل عن العمل، والكثير منهم من حملة الشهادات الجامعية، وقد ازدادت البطالة بسبب تعطل القطاع الخاص وترهل القطاع العام بمئات آلاف الموظفين، ولغياب المعالجات والحلول لهذه الظاهرة التي تتوسع يوما بعد آخر. 
 
مشكلة
الباحث الاقتصادي لؤي محمد الشمري قال: أحد أهم مشكلات الشباب هو الحصول على فرصة عمل لبناء مستقبل واعد وتكوين أسرة، هذه هي المشكلة الأساسية للشباب العراقي، لو كان العمل متاحا ومؤسسات القطاع العام والخاص تستوعب الخريجين كل عام، لما رأينا التظاهرات الكبيرة في العام 2019، وقد تكون هناك تظاهرات جديدة إن استمرت هذه المشكلة بالتفاقم، فتفشي البطالة بين العراقيين وخاصة بين الشباب الخريجين، لا بدّ وأن يجد حلاً يستوعب جيوش العاطلين بأي شكلٍ من الأشكال. 
استغلال
واضاف الشمري: عكس معظم بلدان العالم فإن وظائف القطاع الخاص في العراق تفقد جاذبيتها بالنسبة لمعظم الشباب، حيث تعاني من تدني الرواتب والمخصصات، إضافة إلى انعدام شبه كامل لحقوق الموظف في حالات الفصل التعسفي، وفقدانه حق الحصول على التقاعد بعد بلوغه السن القانونية، لذا يسعى العراقيون إلى الحصول على فرصة تعيين حكومية، وإن كانت براتب ضئيل ويفضلونها على وظائف القطاع الخاص، لأنها بلا مستقبل وبسبب ضعف القطاع الخاص، وغياب القوانين التي تنظم عمله أو تضمن حقوق العاملين فيه. هذا الإهمال وعدم الاهتمام يدفع بالكثير من أصحاب رؤوس الأموال الجشعين إلى استغلال حاجة العاملين معهم، وعدم منحهم حقوقهم بشكل كامل، فلا يوجد قانون يجبرهم على تعديل الرواتب أو تحسينها، مراعاة لظروف العمال والموظفين، مهما بلغت درجة استغلال أصحاب العمل لهم. 
 
استقرار
ويرى الدكتور رحيم السراي استاذ علم النفس في جامعة بغداد: أن الاستقرار المعيشي للشباب مهم جدا في خلق بيئة مستقرة اجتماعيا، لا تشوبها المنغصات والضغوطات، التي تؤدي إلى حدوث ظواهر وحالات غريبة على المجتمع مثل تعاطي المخدرات او المتاجرة بها، وازدياد حالات العنف الأسري وتزايد معدل الجريمة، وأضاف السراي: خلق فرص العمل الحقيقة للشباب سواء خريجي الجامعات او من غير المتعلمين هي أهم القواعد الأساسية في بناء مجتمع مستقر، وبعيد عن الانخراط في ظواهر الفوضى وتموجات الأحداث القريبة أو البعيدة، وأكد  "لا يمكن بناء مجتمع ودولة مع بطالة تستوعب آلاف الخريجين في الشوارع في كل عام". 
 
فرص
ولفت السراي إلى أن قلة فرص العمل والظروف المعيشية الصعبة، دفعت بالكثيرين إلى الهجرة خارج البلاد، بحثا عن فرص أفضل ربما يحصلون عليها في العمل والعيش الكريم، حتى بلغ عدد العراقيين المقيمين في الخارج وفقا لآخر تقدير بحدود أربعة ملايين شخص، ونسبة كبيرة من هؤلاء هم من الباحثين عن فرص عمل وحياة أفضل، ويضطر بعض العراقيين المهاجرين إلى العمل في مهن متواضعة في الدول التي يقيمون فيها، من أجل توفير نفقاتهم وأسرهم.
 
معالجات
حسب وزارة التخطيط فإن ارتفاع نسبة البطالة في العراق إلى معدلات كبيرة بين أوساط الشباب أحد المشكلات الرئيسة والكبيرة، التي تبحث عن حلول ستراتيجية وليس آنية، وبينت الوزارة تبنيها سياسة اقتصاديَّة مولّدة لفرص العمل ومحفّزة للقطاع الخاص، وقد تجسد ذلك بإطلاق المشروع الوطني لتشغيل الشباب والمشروع الوطني للأمن الغذائي، وتشجيع المناخ الاستثماري، وحماية المنتج، كما تضمنت الخطط، ربط مخرجات التعليم بمعطيات وحاجات سوق العمل، وتبني برامج تأهيلية وتدريبية للتثقيف بالعمل في القطاع الخاص، وتوجيه الموارد الاقتصادية صوب الأنشطة كثيفة العمالة. 
 
قروضٌ ومعايير
المشروع الوطني لتشغيل الشباب والذي جوهره منح الشباب قروضا ميسرة لتأسيس مشاريع متوسطة بوشر بتنفيذه في كل من محافظات (ذي قار، والديوانية، والأنبار، والنجف الأشرف)، وسينفذ في عموم المحافظات بعد إكمال الحكومات المحلية لجميع الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وينطلق المشروع من رؤية تنص على "خلق قطاع خاص منظم بفرص واعدة للشباب"، ورسالته هي "تنظيم العمالة والاقتصاد عبر خلق وتطوير المشاريع المتوسطة"، وأهدافه هي معالجة مشكلة البطالة، عن طريق اقامة المشاريع المتوسطة وتنظيم الحرفيين في مناطق تنموية، وتأهيل القطاع الخاص، من خلال تنشيط المجتمع بالعمل الجماعي وتطوير قدرات العاملين، ويندرج المشروع ضمن عنوان المشاريع المتوسطة الاستثمارية، وفقا لقانون الاستثمار العراق رقم 13، ويتضمن هذا القانون (منح قطعة أرض، وإعفاءً ضريبيا لمدة عشر سنوات، وإعفاءً جمركيا) للمستفيد منه. ويتيح المشروع  لـ(10) من الشباب كحد أدنى للمشروع الواحد، ممن اكملوا الثامنة عشرة من العمر، ومن غير الموظفين أو المتقاعدين، التشارك بمشروع واحد.
وبموجب المشروع يمنح البنك المركزي قرضاً لكل عضو في المشروع يتراوح (35 - 50 مليون دينار)، وفقاً لدراسة الجدوى، على أن يكون القرض بضمانة شركة مطورة، تشرف على المشروع وتهيئته، وايجاد  السبل الصحيحة لإنجاحه وتطويره، وصولا إلى استرجاع رأس المال خلال مدة (4 – 5) سنوات، وبذلك يكون مشروعاً ناجحاً وفقا للمعايير  البنكية.
 
نتائج
الحكومة العراقية وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان واليونيسف،  أطلقت نتائج مسح يهدف إلى تمكين الحكومتين المركزية والإقليمية من تطوير وإعداد السياسات التي ترتكز على الفتوة والشباب، بناءً على ما يرونها من أولويات أساسية، في سبيل تحقيق مستقبل هادف للقضاء على البطالة. ووفقا لبيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة للسكان، يعد المسح الوطني للفتوة والشباب الأول من نوعه منذ عقد من الزمن، حيث أجري المسح السابق في عام 2009. وشارك في المسح، الذي استمر من شهر فبراير/ شباط لغاية شهر أبريل / نيسان 2019 نحو 33 ألف عراقي تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما في جميع المحافظات.