ما الذي يقدّمه الباحث لدراسة الماجستير أو الدكتوراه

ريبورتاج 2022/06/06
...

   عمار عبد الخالق
تشكل الأكاديميّة بجامعاتها القريبة والبعيدة، في حياة أي بلد حصنا حصينا، يمنع عن المجتمع ما يضر به، من رياح الجهل، أو غبار التسطيح، ومن هذه الأهمية، بدأ حرص البلدان على تعمير هذا الحصن وإدامته، والتكاتف من أجل إبقائه شاخصا، فما الجامعات إلا مفاخر أي بلد، وبها يباهي العالم الحديث، وبها يعلو، والطلاب الذين يسيرون في أروقتها ببساطتهم، هم حكام البلدان، وأصحاب القرار الفاعل، كما أن الأطروحات التي تطرح في الجامعة هي من ترسم الطريق للباحث القادم، وعليها أن تكون نافعة، وجيدة، ومن أجل هذا، تم طرح سؤال على نخبة لامعة من الأكاديميين العراقيين، وهو هل المشروع الذي يقدمه الباحث لدراسة الماجستير أو الدكتوراه هو مشروع قسم علمي أو مشروع باحث؟
فكان الدكتور مؤيد آل صوينت، تدريسي في الجامعة المستنصرية، يرى أن رسالة الماجستير أو أطروحة الدكتوراه هما مشروع يقع ضمن الفضاء العام للقسم المعني بدراسته، أي أن اختمار الأفكار وطبيعة ابتداعها، ينبغي أن يتما عبر دراسة موسعة، عبر ما يطلق عليه "سمينر"، أو من خلال القراءات الخارجية للطالب، وأنا شخصياً مع تعدد الحقول المعرفية داخل القسم الواحد، كما هو الحال في جامعات المغرب العربي، كي يتسم البحث بالشمولية وكي تتلاقح الأفكار ما بين الأساتذة، فالمشروع مشترك بين رؤية الباحث والفضاء العام وهو ما تقول به الكلية.
 
بوصلة معرفية
لكنّ الناقد الدكتور أحمد الظفيري، التدريسي في جامعة سامراء، يرى غير ذلك، إذ يرى أن المشروع الذي يقدمه الباحث للدراسات العليا غالباً ما يكون مشروع المشرف، فمعظم الطلبة يدخلون الدراسة دون بوصلة معرفية، بل يبحث أغلبهم عن الوجاهة أو الدرجة الوظيفية أو الترقية، ولذلك يبدؤون بالبحث أولاً عن الأسهل، ثم تبدأ رحلة جديدة للخوض في مسارات لم يألفوها (المسارات البحثية) وهنا يكون دور المشرف أكبر بكثير من مفهوم الإشراف، ليصل إلى درجة الاستكشاف - استكشاف الموضوع - ثم الإنضاج - وضع الخطة - ثم توفير المصادر، لأن خلاف ذلك قد يجعل الطالب يطرق أبواب المكاتب بحثاً عن شخص يقوم بالكتابة بدلاً عنه!.
وللأسف تغيب الخطة العلمية الشاملة للأقسام، وربما لو كان هناك تنسيق مع وزارة التخطيط وبقية الوزارات لعرف القسم العلمي كيف يوجه عنوانات الطلبة لتكون مفيدة في خارطة البحث العلمي العراقي.
اختيار
وبيّن الناقد الدكتور عقيل عبد الحسين، تدريسي في كلية الآداب بجامعة البصرة، أن أغلب الباحثين لا يمتلكون مشاريع بحثية؛ لأنهم صاروا يعدون الدراسات العليا مرحلة من مراحل الدراسة الأولية يأتون إليها من غير استعداد فكري أو ثقافي، فمن القليل أن تجد أحدهم قد قرأ كتاباً خارجياً أو عرف اسم مؤلف، غير ما عرفه من ملازم الدراسة الأولية، التي حفظ ما فيها من معلومات عامة حفظاً من دون فهم، هذا إن حفظ بسبب الدراسة الالكترونية. 
وأضاف: وهذا الأمر غريب، على الأقل علينا نحن جيل التسعينيات؛ لأننا كنا نتهيأ للعليا منذ المرحلة الأولى، وكانت لدى أغلبنا مشاريع بحث أو مشروع نقدي. ولذا كانت أعدادنا حين نتقدم للعليا قليلة جداً قياساً بعدد المتقدمين الآن وهم بالعشرات، وكانت لدى أساتذتنا، الذين نختارهم ليشرفوا علينا، مشروعات بحثية، فعند الأستاذ الفلاني على سبيل المثال توجه لإعادة قراءة التراث، وعند الآخر توجه لإعادة قراءة السرد القديم بالمناهج النقدية، أما الأقسام العلمية فإنها لا تمتلك أي مشاريع أو خطط بحثية لا في القديم ولا في الحاضر؛ لأنها تترك البحث للطالب والمشرف. 
مبيناً ولا أستطيع أن أحدد إذا كان هذا الأمر جيداً أم غير جيد؛ فمن جهة لا بد من وجود سياسة بحث تلامس متطلبات المجتمع، ومن جهة ثانية نحن نشهد تطوراً متسارعاً في المناهج والرؤى وموضوعات البحث، يصعب أن يتابعها القسم العلمي، وقليلاً ما يتقبلها بسبب طبيعة الأكاديمية التي تميل إلى المستقر والثابت من أساليب البحث وموضوعات المعرفة.
 
ارتجال
وبهذا الصدّد أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة تكريت الدكتور حمد الدوخي، أخبر أنه يجوز الوجهان في مشروع رسالة الماجستير أو أطروحة الدكتوراه، أي يجوز أن يقدمه القسم، أو أن يقدمه الباحث بموافقة القسم، عندها يكون البحث ناجحاً أكاديمياً، وأكثر البحوث الناجحة في الغالب تتم وفقاً لهذه الآلية. 
كما يخبر الدوخي بأنه يلاحظ أن البحث الأكاديمي العراقيّ لم يقدم للسوق نتائج ملموسة، وهذا لا يقتصر على اختصاص دون آخر، ولم يعالج أي مشكلات، وأعتقد لأن أكثر البحوث تشتغل وكأنها ارتجال، ويكمن هذا الارتجال في اختيار العينة، إذ يكون الباحث بقلق في بداية أمره، ما يجعله يلجأ للأسهل والأقصر.   
 
نباهة
يرى أستاذ الفلسفة بكلية الآداب في الجامعة المستنصرية علي المرهج أن الأمر ما زال غير محسوم في أقسامنا الإنسانية، فقد يطرحه القسم أو يطرحه المشرف، وقليلاً ما يطرحه الطالب، وهناك بعض الطلبة النابهين يطرحون موضوعات لدراسة الماجستير أو الدكتوراه، ولكنهم قلة.
وأضاف: المشكلة ليست هنا، بل في طرح الموضوعات من قبل الأستاذ عندنا، فقد يطرح موضوعاً ما للدراسة، ولكن قد لا يعطونه الطالب ليشرف عليه، ويذهب الإشراف إلى أستاذ آخر بحجة الأقدمية مثلاً، أو الأستاذ الفلاني ليس لديه طلبة ليشرف عليهم، لذلك قد نجد الأستاذ الدؤوب والمجد والمجدد يعمل على اقتراح موضوعات جديدة، ولكنها قد تعطى لأستاذ كسول لا يقرأ منذ أن منح اللقب. مشكلة أخرى عندنا، وهي عدم أخذ رغبة الطالب في العمل مع هذا الأستاذ أو ذاك، وكأنها قسمة ونصيب، الأمر الذي ينعكس سلباً على كتابة الأطروحة أو الرسالة في حالة عدم الانسجام بين الطالب والأستاذ المشرف، علمًا أن التعليمات تؤكد ضرورة احترام رغبة الطالب بأن يختار مشرفه. 
كما أشار المرهج لأمر آخر، وهو إعطاء أصحاب الألقاب العلمية العالية الإشراف على موضوعات بعيدة عن اختصاصاتهم الدقيقة، لماذا؟ لأنه بروفيسور، وهذا لا يصح إن توفر المشرف المختص الأقل منه درجة علمية.
وأكد أن الوزارة بدأت في الآونة الأخيرة بالالتفات إلى هذه المشكلات ودعوة الجامعات والكليات والأقسام العلمية إلى الالتزام بالتعليمات التي تؤكد على تطابق اختصاص المشرف مع موضوع الطالب، لكن المشكلة تكون غالباً في المناقشة، فهناك بعض الأقسام العلمية تغير من اختصاص بعض المناقشين لتظهر أنه يتطابق مع الموضوع. نحتاج لثورة تصحيحية علمية للتخلص من الجمود والتحجر الأكاديميّ .