الشهادة وممارسة المهنة أسبابُ تعرقل العمليَّة التعليميَّة

ريبورتاج 2022/06/06
...

 مصطفى منير
اكتشفت زهراء العلي (24عاماً) أنها لا تفقه شيئاً في مجال اختصاصها، الذي درسته أربع سنوات في أروقة الجامعة، معللة سبب فشلها على حد وصفها، بأن "الجامعة لا تعلـّم الطالب كيف يتهيأ للدخول في سوق العمل، وتلقنه معلومات فارغة تختلف عما موجود في واقعنا البائس".
وتكمل سرد قصتها: "درست في كلية الإعلام وكنت مثابرة ومطيعة، لكل ما يطلبه الأساتذة مني، من تقارير وبيبرات ومشاركة، لكنني اكتشفت لاحقا عن أنني لا أمتلك الجرأة لكتابة مقال أو قراءة خبر بصوتي، وارتجف خوفاً من الوقوف أمام الكاميرا، بسبب اعتمادي الكلي على الجامعة، التي لم تعلمني شيئا في ممارسة المهنة، واكتفت فقط بالمنهج النظري".
وعن الموضوع نفسه التقينا العميد السابق لكلية الإعلام بجامعة بغداد الدكتور هاشم حسن التميمي، والذي تحدث فقال: "يجب أن ندرك أن الصحافة علم يدرس، وموهبة تحتاج إلى رعاية، مستدركا أن تطبيق المناهج الدراسيَّة بطريقة تلقينيَّة وانشائية ساعد على تغييب الجانب العملي، لجهل اغلب الأساتذة الجامعيين بأداء الفنون الإعلامية، كونهم حصلوا على الشهادة العليا، وهم لم يمارسوا العمل الإعلامي".
مشيراً إلى أن  الصحفي الناجح حين يتحول لأستاذ ينهض بتأهيل طلبته، بينما الذي يفتقد للخبرة العملية، يتحول درسه لنصائح وإرشادات بائسة، منقولة من مصادر وكتب لا تتناسب مع طبيعة سوق العمل ومتطلبات العصر".
 
خبرة وكفاءة
وعن الجانب العملي وآلية القبول في الدراسات العليا قال التميمي: "يجب اعتماد الخبرة العملية عند قبول الطالب لدراسة الماجستير والدكتوراه، وإلغاء القنوات الاستثنائيَّة التي يتسلق من خلالها أشخاص لا خبرة ولا كفاءة لهم، فيصبح دكتوراه في فن الخبر، وهو لا يعرف كتابته او في الإذاعة والتلفزيون، وهو لا يعرف إعداد برنامج او نشرة أخبار، وسيكون ثرثارا يسرد قصصا لطلبته وحكاياتٍ سخيفة، وسيكتشفونه لكنهم يصمتون طمعا بالدرجات العالية، وهذه اشكالية تحتاج لشجاعة في مواجهتها في مجالات الدراسات الإعلامية والفنون الجميلة".
منهجٌ أكاديمي
ويرى أستاذ الهندسة المدنية في جامعة الكوفة الدكتور توفيق شير علي أن "العملية الدراسية في الجامعات بحاجة إلى مختبرات عملية لتدريب الطلبة بأحدث ما توصل إليه العالم، من اجهزة ومعدات متطورة، لكي يتمكنوا من ممارسة اختصاصهم بشكل عملي، فضلاً عن ضرورة إقامة ورش تطويرية وزيارات علمية الى اماكن التخصص، لاكتساب مهارات تؤهل الطالب للعمل بعد أن يتخرج، وللأسف هذا ما يفتقر إليه اغلب المنهاج الأكاديمي في جامعاتنا، وهو سبب رئيس في ضعف الجانب التطبيقي لخريجينا".
 
يأس وإحباط
ونوه إلى أن مستويات الطلبة بدأت تنخفض بسبب اليأس والإحباط من عدم توفر فرص العمل في الاختصاص، إضف إلى ذلك عدم الجد والاجتهاد في الدراسة، وكذلك قرارات الدرجات الإضافية التي تعطى للطالب، كلها عوامل ساعدت في انخفاض المستوى العلمي للطالب، وبالنتيجة يتخرج لكنه غير قادر على ممارسة اختصاصه بصورة جيدة وفعالة، خاصة في الجانب التطبيقي".
 
نشاطٌ وجمود
المختصة في علم النفس التربوي إيناس هادي سعدون تحدثت لـ(الصباح) قائلة: "يعد الاستاذ الجامعي هو الأساس في إنجاح العملية التعليمية والتربوية، ويتوقف نجاح الجامعة في تحقيق أهدافها على مقدار ما يبذله عضو هيئة التدريس من نشاط، ومقدار ما يمتلكه من تمكن من مادته العلمية واقتدار في إيصالها ورغبة في إعطائها".
وعلى الرغم من المراحل التي يمر بها الاستاذ الجامعي لإعداده وبلوغه الدرجات العلمية العالية في سلك التدريس الأكاديمي، إلا أن العديد منهم يفتقدون لعدد من المهارات المطلوبة في توصيل المعلومة إلى الطلاب، بل يزيدون المادة تعقيداً، ما يسبب الملل والجمود في طرحها.
 
مؤشراتٌ ومحددات
موضحة أن "ممارسة الاستاذ الجامعي لمهنة التدريس لا بدَّ من أن تخضع للعديد من المؤشرات والمحددات المهنية المطلوبة لإعداده وتأهيله، إذ يتطلب تكوينه وإعداده إعداداً مهنياً جيداً في أساليب التدريس الجامعي، وسيكولوجية تعليم المواد الجامعية وتعلّمها، وتقويم أداة التعليم فيها، وأن الإعداد المهني للاستاذ الجامعي وفقاً للمحددات المتعارف عليها على المستوى العالمي، لا بدَّ من اتقان بعض المقررات، التي يُفترض أن تكون ضمن برنامج التكوين المهني والمتمثلة بعدد من المواد، منها أصول التربية وطرائق التدريس وعلم النفس التربوي بفروعه، وتقنيات التعليم والمناهج التربوية والتقويم، بمفهومه العلمي الشامل والإدارة التربوية وغيرها من المواد اللازمة".
حركةٌ فكريَّة
وتختم سعدون حديثها بالقول: "لا بد من تغيير ثقافة الاستاذ الجامعي عن طريق حصوله على عدد من الدورات التدريبية في عدة مجالات، لا سيما تطوير الكفاءة الشخصية والسلوكية للتعامل مع الطلبة، فضلاً عن اتقانه لعدة أدوار منها دور المرشد والموجه والخبير والمستشار، إضافة إلى ضرورة استبدال دوره من دور ملقن إلى دور مُرسل جيد، يخاطب حواس الطلبة ويراعي الفروق الفردية بينهم، وذلك بالاعتماد على استخدام عدد من الوسائل التدريسية وتنويع طرائق التدريس، ووضع معايير شاملة لتقييم الاستاذ من قبل متخصصين ومن قبل الطلبة أنفسهم، وخلق أجواء تنافسيَّة بين اساتيذ القسم والكلية والجامعة مع الجامعات الأخرى، عن طريق الترشيح والتمييز في النتاجات من خلال استضافة المميزين منهم لإلقاء محاضراتهم ونتائج بحوثهم، من أجل خلق حركة فكرية وعلمية في الجامعات وبين الطلبة".