نسبتها ترتفع ... الأميَّة في المجتمع

ريبورتاج 2022/06/08
...

   أمير البركاوي
في فجر التاريخ ابتكر سكان وادي الرافدين الاكتشاف الأكبر للبشرية حيث ظهرت الكتابة، فاستطاع الإنسان أن ينقل أفكاره وهي تكسر حاجز الزمان والمكان، وتطور الكائن البشري من حينها، إذ نقل الجيل السابق تجربته للجيل اللاحق ليستفيد منها ولتمضي عجلة التطور بلا هوادة في ذلك الإنسان الذي فضله الرب على الملائكة، ولكن من مفارقات الدنيا أن الأرض التي اكتشفت الكتابة أصبحت تعاني الأمية، مع أنها لزمن قريب (1979) كانت تحتل الصدارة في نسبة المتعلمين متفوقة على أكثر البلدان الغربية تطوراً، فلا بد من وقفة جادة وخطة استثنائية لملاحقة الأمية والقضاء عليها.
أسبابها
للأمية أسباب عدة يحدثنا عنها أحمد محمد الموسوي مسؤول أحد أقسام محو الأمية قائلاً: إن انتشار ظاهرة الأمية في العراق له أسباب عديدة منها الحروب، حرب الثمانينيات والحصار الاقتصادي في التسعينيات والأحداث التي تلت سقوط النظام في العراق، ومنها الإرهاب ودخول العصابات التكفيرية ومحاربتها والتي أدت إلى تردي الوضع الاقتصادي للأسرة العراقية بصورة خاصة وللبلد بصورة عامة، وهذه الأسباب تضافرت وساعدت على زيادة نسب الأمية في العراق وأيضاً ساعدت على تسرب التلاميذ من المدارس العراقية.
ويضيف احمد محمد الموسوي: وهناك أسباب ذاتية أخرى، منها التعليم في العراق وتردي واقعه نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة البنى التحتية للتعليم التي ساعدت على نفور الطالب والتلميذ من الدراسة الابتدائية والذهاب إلى الشارع وساحات العمل، وبذلك نخسر موارد بشرية عديدة.
وعن نسبة الأمية يؤكد احمد محمد الموسوي فيقول: هناك نسب وإحصائيات من وزارة التخطيط العراقية تتحدث عن خسارة في الموارد البشرية تقدر بالناتج العام للموارد البشرية بـ 12 % ما بين أميين ومتوسطي التعليم، وهناك اجراءات ليست كافية لمحو الأمية، ومشروع محو الأمية الذي انطلق بعد صدور محو الأمية رقم (23) لسنة (2011) لكن نجد الاجراءات والإمكانيات التي يتوفر عليها الجهاز التنفيذي لمحو الأمية بسيطة قياساً بواقع الأمية المنتشر في العراق، ويحتاج من الدولة أن تفعل أجهزتها وامكانياتها وطاقتها لمواجهة هذا الخطر وهو الأمية التي تعد خطراً كبيراً لا يقل شأناً عن الأخطار الباقية التي تحيط بهذا البلد وعلى الدولة أن تخصص الأموال الكافية لهذا المشروع، وأن تحشد الطاقات اللازمة وتعالج هذه الثغرة الكبيرة في جدار المجتمع العراقي.
 
إحصائيات غير دقيقة
وفي ما يخص الإحصائيات غير الدقيقة لنسبة الأمية في العراق، يؤكد احمد محمد الموسوي قائلاً: إن واحدة من أهم مشكلات محو الأمية أنه ليست هناك إحصائيات دقيقة وحتى الآن يعتمد على الإحصاء الرسمي لعام 1997 ولم يجر أي إحصاء سكاني بعد ذلك والإحصائيات الموجودة غير كاملة وتسمى استقراء ناقصاً، وتعتمد على عينات عشوائية، وهذه ليست دقيقة بشكل كامل وفي النجف قمنا بحصر للأميين في مقتبل هذا العام الدراسي، لكن هذا الحصر للأميين واجهتنا به مصاعب عديدة منها عدم وجود ملاكات من المعلمين والمعلمات للمناطق السكنية، إذ إن الأعداد التي لدينا لا توازي منطقتين، لكن مع هذا وصلنا إلى مناطق عديدة والمشكلة الأخرى هي أن المواطن العراقي لا يستجيب للمعلومات الإحصائية والاستمارة الإحصائية، وهذه حقيقة تقف عائقاً أمام إمكانية وجود إحصائية دقيقة وكاملة عن الأميين في المحافظة وفي عموم العراق.
 
العامل الاقتصادي
للظرف الاقتصادي دور كبير في صناعة الأمية وعن هذا يحدثنا وسام الرازقي مسؤول قسم الإعلام التربوي قائلاً: إن العامل المادي من أهم المشكلات التي تواجه المجتمع والمسببة للأمية، فالكثير من الأطفال ينخرطون بأعمال لا تتناسب مع أعمارهم، تاركين وراءهم المقاعد الدراسية بحثاً عن رغيف الخبز، إن هذا الوضع نوعاً ما أقل مما كان عليه قبل 2003 ففترة الحصار أفرزت جيوشاً من الأطفال خارج نطاق التعليم، مضافاً إلى ذلك أن العملية التربوية كانت شبه متهالكة بسبب السياسة السابقة وبقيت على حالها ما بعد التغيير.
 
إلزامية التعليم
ويضيف وسام الرازقي قائلاً: إن من أهم الضوابط المعمول بها سابقاً إجبار الأسر على ادخال أبنائها في الابتدائية، وعدم فعل ذلك سيعرضها للمساءلة القانونية، إن هذا النوع من الضغط قلل بشكل كبير من الأمية إلا أنها عادت بمعدلات قوية بسبب الحصار في 1991 ما ولد عدة أجيال وثقافة عامة بأن المدرسة لا تنفع بشيء. أما الآن فهناك ثقافة خطيرة وهي إذا درست وتخرجت ماذا أفعل بشهادتي فلا يوجد تعيين.
ويسترسل لنا وسام الرازقي بحديثه فيقول: نعتقد كجهاز تربوي أنه يجب الاهتمام بقطاع التربية كونه رافداً كبيراً للمجتمع والوطن وأهم من النفط والاهتمام هنا يأتي بالبنية التحتية للمدارس ومستوى التعليم قياساً بالدول المتقدمة، وهيكلية الإدارة التربوية كلها ترجع ثقة المجتمع بالمؤسسة التربوية.
 
تراجع خطير
تحدثنا الدكتورة ريا قحطان، تدريسية في جامعة بغداد، عن التراجع الخطير في نسب غير المتعلمين قائلة: العراق في العام 1979 حصل على جائزة اليونسكو، كونه نجح في برامج محو الأمية والآن بعد مرور 40 عاماً نطلع على بعض التقارير الدولية التي تشير إلى أن نسبة الأمية في العراق قد وصلت إلى 23 % من السكان بمعنى تراجع خطير، وهو ضمن موجة التراجع في الكثير من مقومات الحياة الأساسية الأخرى، كالصحة، ومما لا شك فيه أن هذا التراجع بدأ بعد فرض الحصار الاقتصادي على البلد عام 1990، والاحتلال الأميركي عام 2003، المسألة ليست صعبة أو معقدة في ظل وجود موازنات انفجارية، والأمر لا يتطلب أكثر من بناء مدارس جديدة، وتعيين المعلمين والإداريين فيها، وتوفير المستلزمات المادية للمدرسة من أثاث و غيرها، ويجب معرفة أسباب تسرب التلاميذ والتلميذات من المدارس في المرحلة الابتدائية كي تتم معالجتها، و ويجب ارجاع نظام إلزامية التعليم الابتدائي للطفل، الذي كان يفترض الإبقاء عليه، والتشدد في تطبيقه. والعراق يمتلك كل مقومات الحلول، لكن هناك ثمة مريباً حوله.
 
آراء
ارتأينا اللقاء بعدد من المواطنين لمعرفة آرائهم حول ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع، فحدثنا منهم سلام عادل (طبيب بيطري) قائلاً: إن من أسباب ارتفاع نسبة الأمية في العراق وأولها الواقع التربوي والنظام التعليمي والمعلم والبنى التحتية والمدارس المهدمة والمنهج الدراسي وحتى الأخطاء الطباعية كلها والتغيير المستمر للمناهج الدراسية، وعدم اهتمام المسؤولين بحل المشكلات التي تؤدي إلى إهمال التعليم وبالتالي الأمية. وأضاف سلام: أن العامل الثاني هو الأسرة والإحباط الذي يخيم على نفوس الأهل قبل الطالب نفسه، بسبب انعدام فرص العمل وكثرة أعداد الخريجين، ما يدفع بالأسرة بالضغط على الابن لترك الدراسة، والتوجه إلى الأعمال الحرة وعلى الحكومة الاهتمام بالنظام التعليمي وإيجاد فرص العمل للخريجين كي تشجع الأجيال على الدراسة وخاصة إكمال المرحلة الابتدائية، وإيجاد نظام تعليمي حقيقي لمحو الأمية، وضرورة توفر الإرادة الحقيقية من أصحاب القرار للاهتمام بمراكز محو الأمية وتوفير متطلبات إنجاح العمل.
 
مشاريع
زهراء عباس (مديرة مدرسة ابتدائية) تقول: هناك جملة أسباب تقف وراء ارتفاع نسبة الأمية منها: ضعف الرقابة الحكومية، وعدم المحاسبة بقوانين منها التعليم الإجباري لمرحلة الابتدائية، وأيضاً قلة وعي الأهل بما يخص مصلحة أبنائهم، فبدلاً من ترك الدراسة والضياع بأعمال خطرة على مستقبلهم حثهم على مواصلة الدراسة، وتحقيق أهدافهم في الحياة والمساهمة في بناء مستقبل لهم ولبلدهم، والتنقل من مكان إلى آخر بسبب الظروف الأمنية (التهجير) ودخول العصابات الإجرامية وما رافق ظروف الاحتلال من تراجع المستوى المعيشي.
على الجهات المعنية التخطيط وبموازنة خاصة لإنعاش قسم محو الأمية في العراق ببناء مدارس خاصة، وتعيين ملاكات تربوية، وذلك سينعكس إيجاباً من حيث انخفاض نسب الأمية من جهة، وتشغيل الخريجين العاطلين عن العمل من جهة أخرى والتحضير لإجراء الإحصاء السكاني، ليكون بعد ذلك البدء بدعم مشروع القضاء على الأمية برعاية مراكزها.