تشابه الأسماء.. أبرياء وراء القضبان

ريبورتاج 2022/06/12
...

   قصي الطيب
كابوس "تشابه الأسماء" لا يزال يقض مضاجع كثير من العراقيين، فدائرة الشك والاتهام تتسع باتساع العمليات العسكرية التي طالت مدناً ومحافظات وقصبات وقرىً مترامية، ورغم إعلان السلطة القضائية عن خطوات جديدة لحسم ملف "تشابه الأسماء" الذي يتسبب باعتقال أشخاص لمجرد تشابه أسمائهم مع آخرين مطلوبين للقضاء، وإصدار توجيهات صارمة بإلغاء جميع أوامر القبض التي لا تتوفر فيها البيانات الكاملة للمتهم، فإن أفراد الأمن في الحواجز الأمنية والدوائر الرسمية، ما زالوا يعتمدون في عمليات الاعتقال على الاسم الثلاثي أو الرباعي للعراقيين. 
وتشير تقارير إلى وجود 60 ألف مطلوب للقضاء بتهم الإرهاب، بينهم العشرات من الطلقاء، الذين تبحث بغداد عنهم، من خلال نشر أسمائهم على حواجز التفتيش المنتشرة في العراق، والتي تجاوز عددها عتبة العشرة آلاف حاجز عدا المتحركة منها.
 
غضب شعبي
وإثر انتقادات تعرضت لها الحكومات العراقية والقضاء بشأن الملف، أكد قانونيون، أنّ "مشكلة تشابه الأسماء بدأت بعد زيادة العمليات الإرهابية التي أفرزت زيادة في القضايا التحقيقية لمواجهة تلك الهجمة بعد عام 2003، وأن هذه الظروف فرضت إصدار مذكرات قبض بحق العديد من المتهمين في تلك الهجمات، ومنها أسماء ثنائية وثلاثية وفي بعض الأحيان كُنى وألقاب".
ولم يخف مواطنون استياءهم، من استسهال الجهاز الأمني زج ضحايا "تشابه الأسماء" في غيابات السجون، دون التثبت من بيانات الضحية ومطابقتها مع المتهم الطليق، وفقاً لإجراءات حديثة معمول بها في دول العالم الثالث، فضلاً عن أوروبا وأميركا، محملين "الجهات التحقيقية، مسؤولية إخفاقها في التوصل إلى هوية مرتكب الجرم الأصلي"، عازين "ظاهرة تشابه الأسماء إلى أسباب عدة، منها أن معظم أسماء العراقيين متكررة، وكذلك أماكن كثيرة تحمل لقباً واحداً ينتشر بين معظم أهالي المنطقة". 
واصفين هذا الملف الشائك "بالكارثة الإنسانية التي تضاف إلى كوارث البلاد الاقتصادية والصحية".
 
سوق رائجة
الحاجة أم وليد، والدة أحد معتقلي "تشابه الأسماء" في أحد سجون بغداد، تروي مكابدتها ألم فراق قرة عينها المعتقل بجريرة اسمه لا غير، قائلةً "لم أكن أعلم أن لقائي بولدي المعتقل وليد، في ذلك الصباح المشؤوم كان الأخير، إذ اعتقلته قوة أمنية خلال ذهابه إلى عمله، اتصل بنا ليخبرنا أنه تم اعتقاله لتشابه اسمه مع اسم إرهابي طليق، لم أتلق نبأ اعتقاله على محمل الجد، فكيف يسلب أي إنسان حريته لمجرد تشابه في الاسم؟
وتضيف الحاجة ذات الخمسين عاماً "أخبرت أباه وإخوته، وهرعوا نحو مكان احتجازه، وكل منهم يرسلنا إلى جهة أخرى، وبعد مرور يومين، وردنا اتصال من ولدي، يقول إنه "تم احتجازه لحين التأكد من اسمه من دائرة الجنسية والأحوال المدنية"، وبعد مرور شهرين، أطلق سراح ولدي، بعد التأكد أنه ليس المقصود"، وتستدرك الحاجة "الكارثة أنه فقد زوجته وأطفاله، جراء إصابته بمرض نفسي، اكتئاب حاد، جراء ما قاساه وما عاينه من ويلات في سجون عدة، فمن الذي يعيد ولدي إليَّ كما كان، لقد خسر نفسه وأسرته بجريرة اسمه وبلا ذنب اقترفه". 
ويوافق محمد السوداني والد إحدى الضحايا، الحاجة أم وليد، قائلاً بتهكم كبير "إنها سوق رائجة!، لمن نشكو حالنا، ألا تكفينا مصائب هذا البلد، حتى يختطف أبناؤنا من بين أيدينا، فليضع أي أحد من المسؤولين نفسه مكاني بتهمة تشابه اسم ولده مع مجرم أو إرهابي هارب، هل سيبيع أثاث بيته لقاء إعطاء الأموال لضابط التحقيق والمحامي، حتى يتم اطلاق سراح ابني البريء أساساً من أي تهمة جنائية أو إرهابية، سوى أن اسمه الرباعي واللقب مطابق لاسم أحد المطلوبين للقضاء، نحن بلد تتشابه فيه الأسماء والألقاب، والكُنى، فبأي ذنب يُحتجز أولادنا ويُعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي واللفظي، رغم صدور تعليمات مشددة من وزارة الداخلية، بأن يُراعى تدقيق الاسم الكامل مع اسم الأم الكامل والتولد واللقب، لكن إصرار بعض الجهات الأمنية على تدقيق الاسم الثلاثي أو الرباعي فقط، بمثابة لقمة سائغة لهم لاستحصال الأموال من ذويه لقاء إطلاق سراحه".
 
البطاقة الموحَّدة الحل ولكن؟
ويقول المحقق القضائي محمد التميمي، إن "لا حل لهذه المعضلة الأمنية، إلا بإكمال البطاقة الوطنية الموحدة للعراقيين كافة، عبر تضمين كل هوية رقماً تعريفياً خاصاً بحاملها، وتحوي معلوماته وبياناته كافة بصفة رسمية، وتجيز لصاحبها التحرك بحرية دون أي منغصات أو عقبات أمنية". 
ولم يذهب توجيه وزارة الداخلية بعيداً عن التميمي، إذ أكد، أن "مشكلة تشابه الأسماء الثلاثية أو الرباعية ستنتهي بعد الاعتماد على البطاقة الموحدة".  إلا أن البطاقة الوطنية الموحدة تعتمد الاسم الثلاثي فقط، وذلك يجعل من فكرة انتهاء الكابوس بشكل نهائي محض افتراء. وكانت وزارة الداخلية قد أصدرت اعماماً أكدت فيه عدم اعمام مذكرات القبض إلا إذا كانت مشتملة على المعلومات التي نصت عليها المادة (93) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل وأهمها (الاسم الرباعي، اسم الأم، اللقب) وألا يتم الاعمام على السيطرات إلا بكتاب صادر من محكمة الموضوع المختصة وعدم تنفيذ أوامر القبض إلا إذا كانت مشتملة على جميع المعلومات المتضمنة (الاسم الرباعي، اسم الأم، اللقب).
 
تغييب مئات العراقيين
وتشهد مناطق شمال وغرب العراق، والعاصمة بغداد حوادث اعتقال متكررة بناءً على معلومات متشابهة بين أبرياء ومطلوبين للقضاء، وتسببت هذه الظاهرة بتغييب مئات العراقيين، وأفرج عن بعضهم بعد أشهر من الاعتقال بأضرار بالغة في أجسادهم، وآخرون لا يزالون مجهولي المصير، بينما يعيش آخرون، ينفذون من عمليات التدقيق الأمني، حالة من الخوف المستمر خشية اعتقالهم.
يقول المحامي أحمد نجم ،"الأمر الأكثر مدعاة للقلق، هو أن القوات الأمنية قد لا تمتلك قاعدة بيانات كاملة عن المتورطين بالجرائم الإرهابية، إذ بالعادة يكون أفضل ما لديها هو اسم المتهم واسم والده أو جده بلا تفاصيل أخرى"، مضيفاً "تحولت الظاهرة إلى كابوس حقيقي، فهناك من لا يزال معتقلاً بانتظار رد دائرة الجنسية للتأكد من حقيقة أنه ليس الإرهابي المقصود، وهو أمر قد يتطلب شهراً إلى اثنين بسبب الروتين، وهناك من تمكن من الخروج سريعاً بعد دفع رشاوى أو استخدام وساطات لمتنفذين".
 
المفوضية العليا تتحرك
بينما تجد المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أن مشكلة تشابه الأسماء واحدة من المشكلات الرئيسة التي تواجه حق التنقل وحرية الحركة في العراق، فهي ما زالت تتلقى عشرات المناشدات من ذوي معتقلين بهذا السبب، وهو ما دفع بالمفوضية للتحرك لمخاطبة القضاء لإيجاد حلول للمشكلة عبر قرارات مهمة، كمطابقة الاسم الرباعي واللقب واسم الأم الثلاثي والمواليد قبل تنفيذ الاعتقال، ورغم كل هذه القرارات والتشديدات بالدعوة إلى اعتماد معايير ومتطلبات التأكد قبل الاعتقال، فإن كثيراً من حالات الاعتقال مستمرة في الاعتماد على الاسم الثلاثي فقط. 
ورغم عدم وجود إحصائية رسمية لعدد المعتقلين بتهمة تشابه الأسماء، فإن بعض المسؤولين الأمنيين أشاروا إلى وجود "آلاف" منهم في المحافظات المحررة، كما أشار آخرون في وقت سابق، إلى وجود 15 ألف سجين في الموصل وحدها.  ولم يتسن لنا التأكد من عدد الأشخاص الموقوفين على خلفية "تشابه الأسماء"، غير أنّ مصادر محلية تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف في مختلف المحافظات العراقية. كلمة لا بد منها، لا أحد يقف بالضد من إجراءات الأجهزة القضائية والأمنية، للحدِّ من الجريمة بمختلف مسمياتها، والقبض على الهاربين من قبضة العدالة لينالوا جزاءهم، لكن دون تهديد وتقييد حرية المواطنين عبر إرهابهم وترويعهم من خلال المراجعات الرسمية أو اجتياز الحواجز الأمنية.  لذا بات من الضروري جداً، أن يتم تشديد العقوبات بحق كل من يتساهل بتوجيهات وزارة الداخلية من بعض الجهات الأمنية، بالسجن أو الطرد، والالتزام الصارم بتدقيق بيانات المواطنين وفق أطر مدنية حديثة بعيدة عن الترويع والمساومة.  هذه دعوة من صميم القلب إلى وزارة الداخلية بأن تجدّد دعوتها لأجهزتها البطلة، بإيجاد وسائل علمية وتقنية أكثر فائدة تجنب مزيداً من ضحايا تشابه الأسماء، كون لا أحد بمأمن من أن يجد نفسه مكبلاً بالقيود ومودعاً السجن لشهور عديدة لمجرد الاسم ليس إلا.