ما تأثير الترجمة في الرواية العربية
ريبورتاج
2022/06/13
+A
-A
عمـّارعبد الخالق
بالترجمة صارت للحياة وجوه عديدة، فما أن تطالع ترجمة لنص ما، حتى تدرك الفروق، وتقارن لغتك الأم مع ما ترجم منها، فاللغة من الأشياء التي تعرف بضدها، وهذه من مهام الترجمة العديدة، إذ كانت اللغات قديما، كالعشاق المتفرقين، تود أن يجتمع شملها، فجاءت الترجمة ملمة لهذا الشمل، وصارت الأمم تتعارف فيما بينها، عبر ما يصفه المترجمون، وصارت الثقافات تتداخل فيما بينها كالطرق، بعد أن عاش الإنسان بحاجته الإنسانيّة وتطلعه الدائم لما يجهله من اللغات والثقافات، وما يعيشه الإنسان في البلدان البعيدة.
ومن أجل هذا، سـُئل خيرة من المختصين، بشأن الترجمة والأدب: أن الترجمة فعلا خيانة للنص الأصلي، فما تأثيرها في الرواية العربية؟
التابوهات
يرى المترجم السوريّ معاوية عبد المجيد، أنه بعد عصر التنوير والثورة الفرنسيّة، والطفرات الصناعيّة وتغيُّر المجتمعات، تبدَّلت النظرة إلى الترجمة. فالجميلة الخائنة لم تعد مقبولة في زمنٍ كتب فيه الماركيز دو ساد رواياته الفاضحة على سبيل المثال. تغيَّرَ مزاج القرّاء بالتوازي مع التغيير الجذريّ الذي طرأ على الأخلاق والحريّات الشخصيّة، في ظلّ فلسفات صاعدة ومنظومات قيميّة منهارة.
وأضاف: وتزامنًا مع الثورات العلميّة والمعرفيّة، تطوَّرت دراسات الترجمة وتراكمت الخبرات في هذا الميدان، وأصبحت الترجمة الأدبيّة تتلاقح مع الفكر والمنطق واللسانيّات والآداب المقارنة والسيمياء وغيرها.
مبينًا، كما ساعدت التكنولوجيا في تكثيف الجهود المبذولة في البحوث والتحقيقات، وتعميق التواصل بين الجامعات ومراكز الدراسات في العالم، بحيث ينمو علم الترجمة ويتّسع مداه. كلُّ هذه العوامل أثَّرَت في الترجمة، إذ هدمت مفهوم الخيانة بصفتها الحتميّة. وقد برزت في القرن العشرين وحدَه أسماء لامعة قدَّمت إضافات وإسهامات عظيمة في المجال. وما لبثت تحاجج في مسألة الصعوبة في ترجمة الأدب، واستحالة ترجمة الشعر، وخيانة النصّ الأصل، حتّى استطاعت أن تخلص إلى مفاهيم جديدة وعصريّة ودقيقة: ناقش رومان جاكوبسون (المظاهر اللسانيّة للترجمة) وأنواع الترجمة بحسب الدلائل اللغويّة ونظام الرموز المعجميّ، وجاء لورنس ڤينوتي بنظريّة (خفاء المترجم)، وطوَّر أمبرتو إيكو فكرة (التفاوض) لتحديد مستويات الخسارة المحتملة في عمليّة الترجمة، ولا ننسى جهود هولمز وستاينر ولادميرال وغيرهم كثر في توطيد تقنيّات وتطبيقات اقترحت حلولًا عمليّة لمشكلات حقيقيّة.
وتابع: وشهد العالم العربيّ تطورًا مشابهًا تقريبًا، إذ استفاق العرب في عصر الحداثة على فجوةٍ هائلة تفصلهم عن العالم، وبدؤوا ببذل مساعٍ حثيثة في دراسة النظريّات والانغماس في فعل الترجمة نفسه. فانتقلوا من حقبةٍ يترجمون فيها الأعمال الأدبيّة على هواهم، من دون حتّى إتقانٍ كاملٍ للغة المصدر، ومرّوا باللجوء إلى لغات وسيطة، وصولًا إلى وضع خطط شاملة لمشاريع واسعة، وتبحُّرٍ في أدب اللغة المراد ترجمته. وعلى الرغم من هذا، يبقى شبح الخيانة ماثلًا أمام المترجمين والناشرين، في ظلّ رقابة حكوميّة واجتماعيّة متجذّرة ونشيطة جدا، قد يفنى الزمان ولا تفنى. تتدخّل في كلّ كبيرة وصغيرة وكلّ شاردة وواردة، بدءًا من التابوهات المعهودة كالجنس والدين والسياسة وليس انتهاءً بمفردات وعبارات بسيطة. ولطالما أعاقت الرقابةُ – الذاتيّة أحيانًا – الدقّة في عمل المترجم وأرغمته على اتّخاذ إجراءات متعسّفة بحقّ النصّ الأصلي.
مؤكدًا، كما لا يخفى ضعف الاهتمام بدراسات الترجمة التي يغيب عنها الدعم الماديّ والمعنويّ بشكلٍ مهين، الأمر الذي يجعلنا نبتعد أكثر فأكثر عن فكرة فلسفة الترجمة. إلا أنّنا ما زلنا قادرين على مناقشة الأسباب في حال أحيينا النقد وأساليبه وطرائقه، بغية طرح التساؤلات الذكيّة واعتماد المنهجيّات العلميّة المعاصرة، والتوصُّل أخيرًا إلى إقناع المتلقّي بخطورة النكوص في عالمٍ يتقدَّم لحظةً بلحظة.
مناخ الرواية
بينما أكد المترجم العراقيّ عبد الهادي سعدون أن الترجمة بحد ذاتها عملية صياغة من لغة إلى لغة أخرى مختلفة، وهذا الانتقال لا بد أن يشوبه نوع من الاختلاف والتغاير وحتماً الابتعاد قليلاً عن النص الأصلي حتى يصل بصورة سليمة للغة المنقول لها. ليس هناك نص مترجم وفي مئة بالمئة للنص الأصلي. هناك تبعات لا بد أن تلتصق بالنص المترجم قد تكون بتأثير تلك اللغة المنقول منها أو خصوصية اللغة المنقول لها. برأيي أن الترجمة ضرورية ومهمة حتى بأخطائها ونقولاتها السيئة.
وأضاف: وترجمة الرواية توقعنا بمطبات عديدة أولها لغة الروائي، ومناخ الرواية، ولعبته الحكائية وخصوصية تشكلها، وهل يستطيع المترجم نقلها كلها دون خلل. أشك بذلك؟ أقصى ما يستطيعه المترجم المتمكن هو الحفاظ على تلك الخصوصية المشعة في النص الأصلي، أما أدوات النقل والتعريف فتلك من صنع ومعرفة المترجم، قد ينجح فيها أو لا، وهذه وجهة نظر يكشف عنها النقد والعارفون باللغتين وحتماً القارئ أولاً وأخيراً.
المترجم مؤتمن
المترجم الكردي السوريّ جان دوست قال القول المأثور في الأوساط النقدية "الترجمة خيانة" وجذوره إيطالية وفي الأصل: المترجم خائن. وفي اللغة الإيطالية هناك نوع من الجناس اللفظي بين المترجم والخائن ومن هنا جاءت شهرة العبارة. أما هذا الحكم فيمكن أن نقرأه من زاويتين، أولاً الزاوية الإيجابية كون المترجم لا يستطيع نقل نص من لغة إلى أخرى دون أن يخون شكل النص فتختلف العبارات والتراكيب وجرس الكلمات إلى آخر التغييرات التي لا بد أن تخرج النص من قالبه الأصلي وتصوغه في قالب جديد.
وأضاف: ويمكن النظر إلى هذا الكلام بأن المترجم مؤتمن على النص وعليه أن ينقله بأمانة تامة وخاصة روح النص. فالبلاغة تختلف من لغة إلى أخرى وفي اعتقادي أن المترجمين محكومون بالخيانة لجودة النص وليس لتشويهه. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك خيانات متعمدة تقترب من كونها جرائم أدبية. وبالنسبة للأثر الذي يمكن أن تتركه الخيانة في الترجمة فإن كانت جوهرية لاعتبارات عقائدية مثلاً، فهو أثر سلبي بلا شك.
مفتاح المعرفة
أثار المترجم العراقيّ غسان حمدان سؤالاً، قائلاً: لماذا هذه العبارة "إن الترجمة خيانة" موجودة حتى الآن؟ لماذا تكررونها دون أن تتعمقوا فيها؟ الترجمة هي مفتاح المعرفة كما أنها إبداع لا يقل أهمية عن إبداع المؤلف أو الشاعر. بصراحة أقول إنه أمر مزعج جداً أن تتهموا المترجم؛ لماذا لا تتهمون المؤلف بالخيانة؟ ألا يخون المؤلف الحقيقة؟.
وأضاف: على كلٍ لا توجد خيانة في الترجمة. بل هناك مترجم محترف ومترجم مبتدئ يخطئ في فهم النص. للترجمة أدواتها الخاصة وهي مهنة مثل الطب والجراحة، فالمترجم المحترف يجري عملية جراحية ناجحة وينقل النص من هذه اللغة إلى لغة أخرى كما ينقل الجراح عضواً من جسم شخص إلى شخص آخر ليزرعه هناك. إن كانت هناك أخطاء عند بعض المترجمين، فأود أن أذكركم بأن أمهر الجراحين أيضاً يرتكبون الأخطاء.
مبيناً، كما أن الترجمة لا بدّ منها، كيف حصلنا على ثورة المعلومات والتقنيات؟ هل كانت ممكنة من دون الترجمة؟ السؤال الذي يخطر في ذهني الآن: لماذا أنتم واثقون من الترجمة العلمية وتوجهون ارتيابكم نحو الترجمة الإبداعية؟ إن لم يكن المترجم يعرف أساليب الرواية وتقنياتها فهو ليس بمترجم. ولا يحتاج الأمر إلى تعميم الأمر على عملية الترجمة برمتها.
خيانة جميلة
يقول المترجم المغربي سعد بن عبد الواحد: في نظري المتواضع، الترجمة خيانة بالمعنى الجميل لهذا الفعل أي أن ممارسة الترجمة ضرب من العشق الممنوع لأنه مرغوب ومطلوب. ولهذا لا أرى في ذلك أي انتقاص من فعلها ولا أي احتقار لمن ينجزها. فالأصل لا يمكن أن يكون هو الترجمة، والترجمة تقول الأصل بطريقة تعكس روحه وفكره، إن بلغت الترجمة حد التماهي مع النص الأصلي ومطابقة مضمونه وأسلوبه فهي تحقق المتعة الفكرية وتنقل الدقة في التعبير والسمو في الأسلوب.
وأضاف: إن الحرص على هذا الأمر لا يمكن إلا أن ينتج ترجمات أدبية تضيف للرواية العربية طرقا وأساليب جديدة في السرد، بل يمكن للكاتب العربي أن يستعمل ويوظف ما يحلو له من تقنيات تناسب موضوع نصه وتحقق الغاية من كتابته.
وتابع: لا يمكن أن تتقدم الآداب العربية من دون تلاقح مع آداب الغير. هذه صيرورة الجمال ودرب التصادي الرفيع بين الحساسيات الأدبية. وأعتقد أن الرواية العربية الحديثة قد استفادت من ترجمة الروايات العالمية بكل آفاقها ومشاربها. الترجمة ترقى بالرواية العربية وتسمو بها إلى رحاب الأدب العالمي الفسيحة.
التدليس
أما المترجم العراقي هادي رزاق الخزرجي فيقول: لعلني أجد وصف الترجمة بالخيانة أمراً قاسياً، إذ لا يمكن لي أن أقول ذلك، إلا في حال إن كان المترجم غير مخلص علمياً وإجرائياً في عمله. إن على المترجم أن يبذل أقصى ما بوسعه كي يقدم النص الجديد في حلة متكاملة، وبهوية محلية منقول إليها، على أفضل ما يكون، وعلى أفضل ما يمكن للقارئ المحلي أن يفيد منه علمياً وثقافياً.
وأضاف: فإذا كانت الترجمة الروائية مثلاً، غير مناسبة وغير محكمة، فإن ذلك سوف يتسبب بنشر معلومات ومستوى إبداعي مضطرب، يفسد ذائقة القارئ، وينفّره من متابعة الترجمات الروائية. وهذا ما نجده في منشورات بعض دور النشر غير الرسمية، التي دفعها السعي المحموم للربح السريع إلى التدليس، أو اعتماد وسائل ترجمية ركيكة.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة