ضائعون في خندق العمل.. فلذات الأكباد تستغيث

ريبورتاج 2022/06/14
...

   أمير البركاوي
 
   تصوير: نهاد العزاوي
أطفالنا ثمرة الحياة، هم من نسعى من أجلهم جاهدين باذلين كل ما بوسعنا من أجل توفير لقمة العيش الكريمة لهم، متحملين صعاب الدنيا لأنهم مستقبلنا ومستقبل العراق وذخر ازدهاره، فكيف إذا سرقت أحلام هذه الطفولة من الصغر في مشاق الأعمال المرهقة لهم بدنياً وعقلياً ونفسياً، ناهيك عن الضياع والخطر على حياتهم الاجتماعية نتيجة تحمل مسؤولية العمل منذ الطفولة، تاركين الأهم والأساس وهو التعليم.
لهذا أعددنا تحقيقاً صحفياً للوقوف على أسباب عمالة الأطفال والكشف عن أضرارها الاجتماعية والنفسية والجسدية على حياة الأطفال.
 
 
أشغال شاقة
التقينا بقيس محيط عبود مسؤول وحدة عمالة الأطفال في دائرة العمل والتشغيل الذي قال : إن قانون العمل رقم (37) لسنة (2015) حدد أن عمر الطفل إذا كان أقل من (15) عاماً إلى (18) عاماً فإنه يكون حدثاً، وهناك عوامل أدت إلى ازدياد ظاهرة عمل الأطفال، وأولها اليتم ولذلك تدفع النساء الأطفال إلى العمل، وكذلك ضعف إدارة الأب للأسرة، وعدم تأهل الأب  لتحمل المسؤولية، أي أن طبيعته اعتمادية، وهذه الحالة أكثر من الحالة الاولى.
ويضيف قيس محيط قائلاً: والطفل عندما يقوم بالعمل محل الأب يتمرد على الأسرة، ويتسلط عليها، وقد ينتج عن ذلك القيام بأعمال أخرى، وعمالة الأطفال تم تحديدها في المقابر والتقاطعات والأسواق والأحياء الصناعية، وعمل الأطفال في المقابر هو الأخطر على الأطفال، وهذا يترك أثراً نفسياً وجسدياً، وقد يتجه الطفل إلى الإجرام وتناول الحبوب المخدرة.
 
صناع الحياة
 تحدثنا الدكتورة ريا قحطان، تدريسية في جامعة بغداد قائلة: الطفل يحتاج إلى توفر أشياء أساسية في حياته، حتى ينمو نمواً طبيعياً، ويكبر بطريقة طبيعية، لكي  يكون إنساناً إيجابياً في المجتمع.
 وتضيف ريا قحطان قائلة: و منها رعايته و إعطاؤه جرعات كافية من الحب والاهتمام والعطف واللطف و احترامه، والإصغاء إليه، وتلبية بعض رغباته، ومنها تقديم ما يشعره بالأمان والطمأنينة.
 وتسترسل لنا ريا قحطان قائلة: وتربيته تربية صالحة، بحيث يفرق بين الخطأ والصواب، وزرع مبادئ الفضيلة في نفسه، وتعليمه القراءة والكتابة، وزرع حب العلم والمعرفة في ثنايا عقله وتعريف العالم له،  بشكل مبسط متوافق مع مستوى عقله، وتعريفه بأمور أساسية يحتاج إلى معرفتها كي تستقيم حياته.
 وتشير قحطان إلى أن تربية الطفل في حد ذاتها أصبحت اليوم علماً قائماً بذاته، وعلى الآباء والأمهات معرفة علم التربية، وتنشئة الطفل، لأن بعض الآباء يجعلون من طفلهم (عامل خدمة مجاني) لهم، ولرغباتهم ونوازعهم، وإن أكبر جريمة تلحق بالطفل، هي تحويله إلى قنبلة موقوتة من الغضب والانفعال و التمرد، من الممكن أن تشتعل بأي لحظة، لأن الآباء لم يزرعوا سوى المشاعر السلبية فيه، وصادروا كل حقوقه وكيانه، كونه طفلاً ولا حول ولا قوة له.
 
انتهاك الحقوق
يحدثنا فرزدق ابراهيم الصكبان مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة النجف الأشرف قائلاً: من ضمن ملفات عمل المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، ومنها حقوق الطفل ورعايته، ولاحظت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في النجف الأشرف والعراق عموما من خلال تقريرها الرصدي واستقبالها للشكاوى والانتهاكات التي تعرض لها الطفل العراقي، وهي من الفئات الهشة والضعيفة ومنها النساء، وفي النجف الأشرف لاحظنا من خلال زيارتنا الرصدية والمتابعة أن الطفل تعرض إلى عمالة مفرطة وأيضا للتسول والتشرد والاتجار بأعضائه، وبيعه وهذا يعود إلى الأهل بسبب الفقر والبطالة والعوز.
ويضيف فرزدق إبراهيم قائلاً: وشاهدنا من خلال جولتنا الرصدية عملاً شاقاً للأطفال في الحي الصناعي، وأيضاً من خلال تقاطعات الطرق، وفي الأسواق الشعبية وزجهم للتسول، وتم تدوين هذه المعلومات ضمن التقرير السنوي لضمان حقوق الطفل، ولفت فرزدق صكبان إلى ضرورة رعاية الطفولة من خلال سن القوانين التي تحد من عمل وتسول وتشرد الأطفال  والاتجار بهم، وبناء دور خاصة لهم ودور إيواء كاملة من سكن وتعليم ومبيت لتضمن للطفل العيش الكريم. 
 
وقفة رأي
منتظر الموسوي (موظف في البلديات) يقول: لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل الثامنة عشرة من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة، وتحدد هذه الأعمال بقرارات يصدرها الوزير بعد استطلاع آراء الجهات الرسمية المختصة.
وهناك ظروف اجتماعية واقتصادية قد تدفع ذوي الأطفال لإلحاقهم بسوق العمل، لا سيما الظروف الاقتصادية الصعبة، وهناك الأسباب الاجتماعية والآثار النفسية لظاهرة عمل الأطفال، إضافة إلى الأضرار الجسدية وإصابات العمل التي قد يتعرضون لها في سن مبكرة، لا سيما خلال تشغيلهم في مهن تنطوي على الكثير من المشقة والخطورة، وإن التحاق الطفل في سوق العمل قبل أن يبلغ السن القانونية يجعله عرضة للاستغلال الجنسي او الاستغلال الاقتصادي، وقد سجلت حالات لاعتداءات جنسية وقعت ضد أطفال عاملين، ناهيك عن عمالة السخرة التي يتم تشغيل الأطفال بها بما هو أدنى من الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى الأذى النفسي الذي يلحق بالطفل جراء تعرضه لتلوث سمعي وبصري يفوق قدراته الصحية والبدنية.
وهناك حلول، من أبرزها ضرورة زيادة عدد المفتشين المختصين في عمالة الأطفال ضمن كوادر مديرية التفتيش في وزارة العمل، بحيث تصبح عمليات ضبط حالات عمل الأطفال أكثر جدوى وفاعلية، خاصة بعد أن باتت تشكل ظاهرة في أعقاب أزمة اللاجئين من المناطق المنكوبة.
قاسم الخفاجي (موظف) يقول: إن عمل الأطفال له سلبيات على مستقبل الطفل، فمثلا قبل فترة ليست بعيدة جاء إليّ طفل وهو يبلغ من العمر 13 عاماً، وهو أحد الباعة المتجولين وسألني هل تشتري أم لا وفي هذه الأثناء بدأ يتحدث هذا الطفل عن معاناته من العمل وأنه لا حول ولا قوة له، وكتب عليه هذا العمل لكي يجلب لقمة العيش له ولأهله.
مينا خليل (موظفة في وزارة الموارد المائية) تقول: إن عمل الأطفال مرفوض دولياً، لأن الطفل أساس المجتمع ويجب عليه التعلم والنجاح وليس العمل والاضطهاد منذ الصغر، ولكي يصبح المجتمع ناجحاً ومتماسكاً، يجب سن قوانين تحمي الأطفال المشردين والمضطهدين للتقليل من ظاهرة عمل الأطفال، وبالتالي يمكن السيطرة على حالات التسول والسرقة والجرائم.
إن الأطفال هم من يصنعون الحياة ولكي نساعدهم في بناء مستقبلهم ومستقبل بلدهم، لا بد من تذليل كل العقبات أمامهم، بالقضاء على ظاهرة عمل الأطفال دون السن القانونية، لأن الطفولة لها الحرية في كل الأوساط والمجتمعات العربية والدولية التي نصت كل قوانينها على رعاية الطفولة وحقوقها وسن قوانين عاجلة  تقضي وتحد من العمل الشاق للطفل، وتضمن له حق إكمال المسيرة التعليمية في بلده، بدلا من الضياع والانجراف إلى أعمال أخرى، ومنها الجرائم والسرقة.