أكثر من مليار إنسان في العالم مهددون به ناقوس التصحّر يدق في العراق

ريبورتاج 2022/06/16
...

   علي غني 
أكثر من مليار إنسان يعيشون في 100 بلد (نامٍ)، مهددون بالتصحر، ما يعني عدم مواكبة الأرض لمتطلبات البشر بسبب تردي إنتاجيتها أولا، ثم تأتي ظاهرة الجفاف وندرة المياه لتخلق سبباً ثانياً، وإذا استمر التدهور وعدم تدخل المحافل الدولية لتحسين الوضع البيئي فإن ندرة المياه ستشمل نصف دول العالم في عام 2030، هذه المقدمة ساقها البروفيسور العراقي جعفر طالب الجنديل في ندوة عن (ظاهرة التصحر في الألفية الثالثة)، في مجلس الشعر باف، ومن ضمن البلدان المشمولة بهذه الظاهرة الكونية العراق، شيء مخيف، لا سيما للأجيال المقبلة، فما العمل؟!.
مخاطر
يقول الأستاذ الدكتور (البروفيسور) جعفر طالب الجنديل: بينما دول العالم كانت مشغولة بالتلوث إلا أنها انتبهت لمخاطر التصحر، واختارت الأمم المتحدة 17 حزيران ليكون يوم التصحر العالمي، ولكنه لم يأخذ جانب الجدية والاهتمام الذي حصل للتلوث لكون 90 % من مساحة الأراضي التي تعاني من مشكلة التصحر تقع في الدول النامية البعيدة عن الدول الأوروبية وأميركا والتي لا تعاني من مشكلة الجفاف، لأن كمية الأمطار الساقطة غزيرة في أوروبا وأميركا ولا يعانون من مشكلة ارتفاع درجات الحرارة في أوروبا، وتابع: لذلك ينبغي أن تنهض الدول التي تعاني من التصحر وتنادي دول العالم في هذا اليوم بحقها بالعيش الرغيد وتجديد خصوبة الأرض التي تدهورت لعدة أسباب، منها الحروب المفتعلة التي أدت إلى تدهور على مختلف الصعد وتسهم دول المنطقة وبمساعدة المحفل الدولي في استعادة الأراضي، وخلق فرص عمل للعاطلين تسهم  في رفع الدخل وزيادة الأمن الغذائي، من خلال استخدام السدود الترابية، وزرع نباتات مقاومة للجفاف والتشجير، وتنمية الغطاء النباتي وتبادل الخبرات العلمية وعمل محميات وتوفير الملاكات لحمايتها. يتعرض النظام البيئي في المناطق الجافة والتي تمثل نسبة عالية من الأراضي الزراعية في العالم أي حوالي ثلث مساحة الأراضي اليابسة من الكرة الأرضية للاستخدام غير العقلاني للأراضي الزراعية.
 
مستويات قياسية
ليست الصحارى هي التي تتوسّع، بل إن الأراضي الصالحة للزراعة هي التي تتقلّص، قد تبدو دُعابة أو مزحة، لكنه الواقع الذي يحدِّد حقيقة ما يجري هذا ما قالته الدكتورة نهلة حمودي حسين رئيسة وحدة أبحاث النخيل والتمور في كلية علوم الهندسة الزراعية، فالتصحّر مرضٌ يُصيبُ الأرض، ويهدد الشعوب والمناخ، فكلّ عام يخسر العالم 120 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الخصبة، التي كان بالإمكان أن تنتج نحو 20 مليون طن من الحبوب، بحسب مصادر الأمم المتحدة، إن تراجع نسب الأراضي الزراعية بشكل كبير نتيجة للتغير المناخي الحالي له تبعات كبيرة على الاقتصاد العراقي والوضع الصحي والاجتماعي نتيجة للعواصف الترابية وانتشار التصحر، وعلى الرغم من أن العواصف الترابية ليست بالمشهد الجديد على البيئة العراقية، إلا أن انتشارها بالمستويات القياسية الحالية أصبح ينذر بخطر كبير، إذ أعلنت وزارة الصحة والبيئة أن البلاد ستشهد استمرارا في العواصف الترابية لمدة 243 يوماً خلال العام الحالي، والأمر سيستمر بالتفاقم خلال الأعوام المقبلة حتى يصل إلى انتشار العواصف الترابية لمدة 300 يوم خلال السنة.
لا تُـمثل ظاهرة تقدم الصحراء، قـدراً محتوماً، فمن خلال زراعة الأشجار، يُـمكن تثبيت التربة وإيجاد نظام بيئي أكثر ملاءمة لممارسة الزراعة، إذ يوجد حاليا ما يقارب 8 مليارات شخص على الأرض. وإذا قام كل شخص بزرع شجرة كل عام على مدار العشرين عاما المقبلة، فإن هذا يعني أن ما يقارب 160 مليار شجرة ستزرع في العالم. 
 
الزراعة البعلية
أعود إلى (الأستاذ الدكتور الجنديل) وأسأله، إذا عرفنا كيف نعمل، فهل تخبرنا كيف نحد من التصحر؟ فأجاب: لا توجد خطط وستراتيجيات سريعة لمكافحة التصحر حتى الآن، فالوطن العربي دون مستوى الطموح، علينا وضع خطط واضحة المعالم تتضمن أهدافاً مباشرة لوقف تقدم الصحراء وإحياء خصوبة التربة وصيانتها في المناطق المعرضة للتصحر، وكذلك تقويم ومراجعة الخطط بنحو دوري وبتعاون عربي وإقليمي ودولي، فضلا عن المسح البيئي لتقدير الطاقة الحيوية للأرض ومحطات الإرصاد الجوي، وحماية المتبقي من الغابات ومنع الاحتطاب وقطع الأشجار.
وتشجيع الزراعة البعلية المعتمدة على الأمطار وترشيد الري ومعرفة طاقة المراعي، والترشيد في استخدام المياه بالتنقيط وبالرش وتثبيت الكثبان الرملية وتجارب دول العالم في مكافحة التصحر، وتعميق الوعي والنشر في جميع المجالات عن مخاطر التصحر برسم خريطة توضح درجة التصحر وموقعه ونسبته من المساحة، وإنشاء محطات أبحاث تهتم بالمحافظة على البيئة، وزيادة حجم الاستثمارات الزراعية المستدامة، وتغطية الكثبان الرملية بالترب الطينية وعمل سدود من الترب الطينية.
 
فقدان الغطاء الأخضر
وكيف نواجه تحديات ظاهرة التصحر؟، سألت الدكتور جعفر، فأجابني: هناك الكثير من الأمور المتداخلة مع بعضها والتي تسبب التصحر، فأسباب التصحر كثيرة منها عوامل طبيعية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل تساقط الأمطار، وعوامل أخرى كالاستغلال المفرط للمورد الطبيعي، والنشاط البشري غير المدروس، والتغيرات المناخية المؤثرة في النظم النباتية والزراعية في المناطق الجافة والممثلة لثلث الأراضي، وللفقر والمرض دور كبير في عملية التصحر، وانجراف التربة وفقدان الغطاء الأخضر بسبب الأمطار التصاعدية والريح القوية، وأنظمة الري التقليدية تترك ضائعات كثيرة، وعدم وجود مبازل او نسبتها قليلة جدا سواء كانت المبازل المفتوحة او المغطاة، وزيادة انبعاث الكاربون من عوادم السيارات وحرق الإطارات ورمي الفضلات، وأيضا غياب الوعي البيئي لدى المجتمعات في الدول النامية، وغياب الاستقرار السياسي وهي تجربة مر بها المجتمع العراقي، والتعرية وإزالة الغابات والغطاء الأخضر، والرعي المسرف للماعز بالمناطق القاحلة والتي نسبة العشب النامي فيها قليلة جدا، والخراب الذي عم 42% من مساحة اليابسة، ولم توضع خطط وستراتيجيات وبرامج متكاملة تسهم بها مختلف شرائح المجتمع للحد من التصحر.
 
مشكلة عالمية
الدكتور محمد نعمان الداودي رئيس اتحاد الحقوقيين العراقيين عرج على ظاهرة التصحر بنحو قانوني إذ أوضح أن القانون يرتبط ارتباطا وثيقا بكل مفاصل حياتنا ومجتمعنا ويؤثر في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر بالتالي في طريقة حياتنا، ويتوجب علينا التحدث عن مشكلة بيئية نعاني منها جميعا، ألا وهي ظاهرة التصحر والأتربة، وبما أن القانون هو سقف الدولة، متى رفعت رأسك ستصطدم به، فمن واجبي تقويم مقالي قانونيا، إذ يعد التصحر مشكلة بيئية عالمية، لما لها من عواقب وخيمة بعيدة المدى على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولا بد من معرفة أن مساحة كبيرة من الأراضي باتت تصف مؤخرا على أنها صحراء، وذلك بعدما كان العديد منها أراضي خصبة صالحة للزراعة، ومغطاة بالنباتات ثم أصبحت بعد ذلك صحراء جرداء، جافة وغير صالحة للزراعة.
ويرى أن الأسباب التي تؤدي للتصحر هي انخفاض الغطاء النباتي، وكذلك ازدياد درجات الحرارة وتأثير الاحتباس الحراري الذي يزيد من نسبة تصحر الأراضي، كما أن الزيادة السكانية تعد واحدة من أخطر أسباب التصحر، إذ شهد البلد مؤخراً تزايداً هائلاً بأعداد البشر، ما يؤدي إلى زيادة العمران والمجمعات السكنية على حساب المساحات الخضراء.
وما الحل؟ أجابني: أنا أجد أن الحلول تكمن في استعادة الغابات، وذلك عن طريق زراعة الأشجار في المناطق التي تمت إزالة الأشجار منها، كما يجب على المزارعين أيضاً إدارة المياه بنحو أكثر فاعلية، كما يمكن لكل شخص أن يسهم بحل هذه المشكلة من خلال القيام بدوره للحد من إزالة المساحات الخضراء، حتى لو كان ذلك بزراعة شجرة واحدة كلما كان ذلك ممكناً.
 
قطع الأشجار
وعزا الباحث حسين البياتي أسباب التصحر إلى أنه في تسعينيات القرن الماضي، عندما أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بحصار العراق، الذي على أثره تم منع تصدير الأخشاب إلى العراق وعدد كبير من المواد، فمن هذه اللحظة بدأ أكثر المواطنين يتجاوزون على النباتات والأشجار ويقومون بقطعها، وهذا الأمر دمر الغطاء النباتي الذي كان يحمي مدن العراق كافة.
ووصف المهندس عبد السلام الجثعمي: العراق بالأكثر تضرراً من دول العالم، لا سيما بمسألة المياه، إذ إن 90‎%‎ من الإيرادات المائية غير كافية للبلد، وأغلبها تأتي من خارج الحدود و 10‎%‎ من داخل البلاد، كما شكل الانخفاض غير المسبوق لتساقط المطر صدمة أخرى للسكان إلى جانب السدود التي أقامتها الجارة تركيا، والكارثة الكبرى أن هذه السنة الثالثة التي يمر بها العراق ومعدلات تساقط الأمطار وصلت إلى أدنى مستوياتها، ما أدى إلى تصاعد الغبار وتقليص الرقعة الزراعية (الأمن الغذائي)، والهجرة من منطقة إلى أخرى، وبما أن 95‎%‎ من العواصف الغبارية عادة ما تكون عابرة للحدود، فعلينا أن نستعد على جميع الصعد، لأننا نمر بظاهرة أكبر من التغير المناخي بل أذهب وأسميها (التطرف المناخي) وهذا معناه وجود ظواهر في غير أوانها وبنحو مبالغ بها، ويعني أن ازدياد معدلات الجفاف وقلة التساقط المطري ونقص الايرادات المائية تقلص 58‎%‎ من الأراضي الصالحة للزراعة، كما وبحسب احصائيات وزارة التخطيط فإن نسبة الخصوبة السكانية في العراق بلغت (مليوناً و300 ألف عراقي) يزداد سنوياً، لذا فهو يحتاج المزيد من الأمن الغذائي، كما أن هناك (سبعة ملايين عراقي) لا يحصلون على كمية كافية من المياه. 
 
المياه الجوفية
وكيف نعالج مشكلة التصحر في العراق؟ أجيبك: من الدراسات والنظريات البيئية بأن العراق يطوف على بحيرة من المياه الجوفية الصالحة للاستهلاك البشري وعلى مساحة العراق وعمقها يقارب أربعين مترا، ولهذا تحاول الدول المجاورة أن تستفيد منها، بالإمكان تنظيم الزراعة وتثبيت الكثبان الرملية، والهجرة المعاكسة من المدن إلى المناطق الجديدة في منطقة الجزيرة، واعتماد الزراعة الحديثة وتمتد من جنوب سد الموصل إلى الثرثار والحبانية. ومشروع ري كركوك، وستتم الاستفادة من الغلة وتصدير الفائض وإيجاد فرص عمل وتقوية الاقتصاد وتحسين الأجواء.
 
ظاهرة كونية
وأكد الدكتور علي مهدي نائب رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية، أن وزير البيئة قد حدد أسباب التصحر ووضع الحلول المطلوبة والممكن اتخاذها لتلافي تداعيات هذا التصحر، لأنها أصبحت ظاهرة كونية وليست مرتبطة ببلد معين ولها علاقة بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري، والاستخدام المتزايد للوقود الأحفوري، وهذا يتطلب بعض المعالجات، ومنها وقف استخدام الوقود في السيارات واستبداله بالطاقة الكهربائية، والحوار مع تركيا، وتنظيم استهلاك المياه في العراق سواء بالزراعة او الاستهلاك البشري، ورعاية الجارات الوسطية، ووقف تجريف المناطق الزراعية في المدن (البساتين)، وإيقاف تحويل جنس الأرض، وإنشاء مدارس صديقة للبيئة.