زراعة الأشجار والنباتات.. فنُّ وثقافة

ريبورتاج 2022/06/18
...

 فجــر محمــد
أحب رائحة الأشجار والنباتات المختلطة بمياه المطر، لقد كنت أجلس لساعات بالقرب من تلك الشجيرات الصغيرة، التي كانت تزيَّن حديقة منزلنا، والبيوت المجاورة اما اليوم فلم يبقَ منها الا الشيء القليل، بهذه العبارات التي اختلطت فيها مشاعر الحزن والأسى على غياب التشجير، استهلت حديثها أفنان عصام، وتابعت قائلة:
"كنت أسكن في منطقة تهب منها مختلف أنواع العطور صيفا وشتاءً، فتارة تشم الكاردينيا وتارة أخرى تنبعث رائحة البرتقال مختلطة بالليمون، أما اليوم فقد غابت هذه العطور على الرغم من محاولات لإحيائها من جديد، لدى بعض الجيران والأفراد".
 
ابتكارات
لم تكفِ المؤتمرات المحليَّة التي تعنى بالقطاع الزراعي واهمية التشجير عن الانبثاق منذ سقوط النظام السابق وإلى يومنا هذا، فلا تكاد تخلو اي جامعة او مؤسسة حكومية من هكذا توجه، ولكنها على مايبدو لم تطبق، وكانت حبرا على ورق، لأن البلاد اليوم مهددة بالتصحر وأزمة مياه خانقة.
لذلك أصبح المواطن اليوم يبتكر حلولاً لأزماته بمعزل عن الجهات ذات العلاقة، اذ لم يقتصر الاهتمام بالنباتات وتشجيع الزراعة على اصحاب البيوت ذات المساحات الكبيرة، بل أيضا المنازل الصغيرة، اذ تجدها امتلأت بأصص الأزهار والنباتات الظليَّة، فعلى سبيل المثال تمتلك زينب سامي منزلا صغيرا لا يتجاوز الخمسين مترا، ولكنه ممتلئ تماما بالأزهار والظليات، فهي من محبي المساحات الخضراء، وتسعى إلى تنقية منزلها ولو بنسبة بسيطة.
 
نباتات سامّة
قد يدفعك حب التشجير والنباتات إلى اقتناء بذور متنوعة وزرعها في حديقتك، ولكنها قد تكون سامة، فهناك الكثير من المزروعات التي تنتشر في الحدائق، وقد تكون ذات أضرار كبيرة قد تصيب الجهازين التنفسي والعصبي، فضلا عن الجلد.
الإحباط الذي أصاب زينب عندما اقتنت نبتة الفربيون او ماتعرف باسم شوكة المسيح، كان واضحا على معالم وجهها، فهي لم تتصور أن هذه الأزهار قد تكون سامة، إلا بعد أن قامت بتحميل تطبيق الكتروني، يشرح  عن كل نبات ومميزاته وعيوبه وطرق زراعته وتقول زينب: "لفتت الى نظري الفربيون بألوانها المبهجة، التي تميل إلى الوردي والأبيض، ولكن عندما أدخلت صورتها في التطبيق الالكتروني، تبيَّن أنها سامة، وتحتاج إلى حذر في التعامل معها".
بينما يؤكد المزارع عبد الامير علي العزاوي الذي أسس كروباً زراعياً، وأصبح مدوناً في مجال الزراعة والعناية بالنباتات والحدائق والأزهار أنه لا توجد نبتة سامة، ولكن هناك آلية دفاع معينة يقوم بها كل نبات لحماية نفسه من الأذى، فعلى سبيل المثال في موسم جني الطماطم تفرز مادة خضراء قد تسبب التحسس، وهي وسيلة النبات للدفاع عن ذاته.
 
بحث متواصل
تقف ليليان مجيد وسط غابة كثيفة من النباتات الظلية في ركن خاص بها من حديقة المنزل، وهي تجد أن هذا النوع من الزراعة يحتاج إلى جهد وعناية مستمرة، وتبين مجيد أنها في العادة تجري دراسة وافية عن كل نوع من الأنواع التي تنوي زراعتها، كي لا تقع في فخ الاختيار الخاطئ، وأصبحت تفكر جدياً بزراعة الخضار داخل حديقتها الصغيرة، كي تنتفع وأسرتها منها.
مستشار وزارة الزراعة الدكتور مهدي القيسي يحث الفرد عند اختياره لنبات معين كي يزرعه في حديقة منزله، أن يكون ذا فائدة كبيرة على سبيل المثال النخيل والزيتون والبرتقال، فضلا عن الحمضيات وغيرها من النباتات المفيدة، كي يضمن حديقة مثمرة ومفيدة في الوقت ذاته.
 
تداخل
ينصح الخبراء عند زراعة الأشجار في المنازل، أن يبتعدوا عن التداخل في ما بين النباتات، وان تكون هناك مسافة معقولة بين شجرة وأخرى، تتراوح بين 5 إلى 8 أمتار، وبحسب الدراسات والبحوث فإن الأشجار الحمضية والمثمرة والنخيل هي الأنسب للمساحات الكبيرة، أما البيوت الصغيرة فالافضل لها الظليات وأصص الأزهار.
المزارع والمدون الزراعي عبد الامير علي العزاوي ينصح عند اختيار النبات أن تكون هناك مسافة مريحة لتمتد جذوره، وأن يسقى بشكل منتظم ومقنن في الوقت ذاته، كي لا يلجأ إلى مد تلك الجذور عميقا بحثا عن الماء، ولتنقية أجواء المنزل يحث العزاوي على زراعة الظليات، التي تسحب الأبخرة والدخان وثنائي أوكسيد الكاربون وتطرح عوضا عنه الأوكسجين، لذلك تعدُّ تلك النباتات وسيلة تنقية نافعة للمنزل.
ويؤكد العزاوي ضرورة اختيار أوقات الزراعة المناسبة، وأن تتم التهيئة في موسم الربيع بعيدا عن حرارة الصيف اللاهبة، كي يتمكن النبات من النمو  ولا يتعرض للجفاف.
 
مناطق صحراويَّة
كي نقلل من هبوب الرياح بمقدور الجهات ذات العلاقة أن تزرع المناطق الصحراوية بنباتات مفيدة، ومن وجهة نظر مستشار وزارة الزراعة الدكتور مهدي القيسي فإن الفستق والنخيل هما من أفضل المزروعات، لما يقدمانه من مردود اقتصادي مهم، ويعتقد القيسي أن المهمة لا تقتصر على زراعة أشجار ونباتات، بل المهم هو المحافظة عليها وعلى ديمومتها، وأن دخول النباتات والمزروعات يجب أن يخضع لاستشارة خبراء ومختصين زراعيين، كي لا تستورد نباتات تؤثر في نظيرتها المحلية وتؤذيها.
 
شتلات متنوعة
المزارع والمدون عبد الامير علي العزاوي ينصح باقتناء شتلات النباتات الظلية مثل البوتس او اللبلاب الظلي، ونبات الدراسينا بكل أنواعه، فضلا عن السنجونيوم (رجل البط)، ونبات القفص الصدري لانها تنقي اجواء المنزل وتبعث فيه الحيوية والراحة.