بعد تعطيل قانونه.. التدرُّج الطبي البيطري ينذر بنقص الملاكات

ريبورتاج 2022/06/19
...

   بدور العامري
بدا منظر إغلاق المراكز البيطرية في القرى والأرياف واحداً تلو الآخر بسبب نقص الملاكات البيطرية، من المشاهد المؤلمة التي حلت ببلاد وادي الرافدين، بلاد الزراعة وتدجين الحيوانات والاستفادة من خيراتها، هذه الحالة لم تحدث بصورة مفاجئة إنما نتيجة للسياسات الخاطئة وغير المدروسة للحكومات المتعاقبة، بدءاً من تعطيل قانون تدرج الأطباء البيطريين وإيقاف التعيينات، وليس انتهاء بتسريح أعداد كبيرة من الكفاءات وذوي الخبرة بسبب قانون التقاعد.
تعطيل القانون
صدر قانون التدرج الطبي البيطري رقم 136لسنة 1989وبعد ذلك تم  تعطيله لأسباب غير مدروسة من قبل النظام السابق، لتبدأ رحلة إهمال قطاع الثروة الحيوانية في البلاد، ونتيجة لحاجة البلاد إلى شريحة الأطباء البيطريين وخدماتهم شهد العام 2011 تحركات داعية لتعديل القانون بما يتناسب مع المستجدات والظروف التي يعيشها البلد، نقيب الأطباء البيطريين الدكتورة سميرة لطيف الأمين تحدثت لـ (الصباح) عن تفاصيل تعديل القانون وأهمية عمل شريحة الأطباء البيطريين قائلة "بدأت رحلة تعديل القانون بالمطالبة بإعادة لجنة تطبيق وتعديل القانون، إذ تضمنت رفع طلب رسمي لوزارة الزراعة باعتبارها الجهة القطاعية المسؤولة في هذا المجال، وبعد جهود كبيرة تنوعت ما بين مطالبات واعتصامات واحتجاجات، تكللت تلك التحركات بالنجاح ليتم تعديل القانون عام 2020، وبحسب الأمين إن التعديل الأخير كان بالغ الأهمية، إذ يجيز تعيين كل من تخرج من كلية الطب البيطري في المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.
 
إغلاق المراكز
لم تنته المشكلة مع تعديل القانون الجديد، بل استمرت معاناة الأطباء البيطريين ومسألة تعيينهم في المؤسسات الحكومية، بسبب عدم إدراج هذا القانون ضمن الموازنة العامة للدولة.
مدير دائرة البيطرة العامة في وزارة الزراعة الدكتور ثامر حبيب حمزة حذر من كارثة اقتصادية وبيئية وصحية سيتعرض لها البلد في حال عدم رفد المؤسسات البيطرية بالملاكات البشرية المختصة، إذ يقول "من المتوقع إفراغ المراكز البيطرية المنتشرة في محافظات العراق من ملاكاتها البشرية خلال عامين وإغلاقها بشكل تام في حال استمرار تعطيل قانون تعيين الأطباء البيطريين، واستحضر الدكتور ثامر الوضع الذي تعرضت له المؤسسات البيطرية  قبل عام 2013، من إغلاق عدد من المراكز البيطرية، بسبب نقص الملاكات البيطرية، ولتفادي تدهور الوضع أكثر، تمت الاستجابة لمطالبنا في حينها بتعيين 1017 طبيباً.
 
نقص الملاكات
وبحسب مدير دائرة البيطرة الأمر الذي (زاد الطين بلة) هو تسريح عدد كبير من الأطباء البيطريين ذوي الخبرة والممارسة في المجال البيطري لسنوات طويلة، وفقاً لقانون التقاعد الجديد، وتسببه بخسارة أعداد كبيرة من الكفاءات التي لا شك أن القطاع الزراعي والصحي بأمس الحاجة إلى خدماتها، الدكتور ثامر طالب الجهات المسؤولة بضرورة استثناء تعيين الأطباء البيطريين خلال الفترة الحالية من أي ضوابط أو موازنات عامة، لمعالجة أزمة الملاكات البشرية، مبيناً أن دوائر البيطرة والمؤسسات الأخرى بحاجة إلى (4937) طبيباً بيطرياً في الوقت الحالي وبحسب الدكتور حمزة "فإنه في حال عدم الاستجابة لتعيين الأطباء سوف تفرغ الدوائر البيطرية خلال السنتين المقبلتين من جميع ملاكاتها، منبهاً إلى حجم المخاطر التي سوف يتعرض لها البلد، خاصة في ظل تزايد الأوبئة والأمراض التي يكون مصدرها أو سبب انتقالها الحيوانات، مثل الحمى النزفية وانفلونزا الطيور وغيرها.
 
أمراض مشتركة
تشير التقارير والبحوث الخاصة بالصحة العامة، إلى وجود أكثر من 800 مرض مشترك بين الإنسان والحيوان، وما يثير القلق هو الزيادة الملحوظة في ظهور الأمراض العابرة للحدود. وبحسب دراسة قدمتها منظمة الصحة العالمية مؤخراً، أثبتت فيها أن الأمراض ذات المنشأ الحيواني تشكل نسبة كبيرة من جميع الأمراض المعدية المكتشفة حديثاً، فضلا عن الأمراض القائمة أساساً، إذ يظهر بعضها كأمراض حيوانية المنشأ في البداية، لكنها تتعرض لاحقا إلى طفرة وراثية تحولها إلى سلالات تصيب البشر فقط مثل مرض العوز المناعي البشري، وتؤكد  الدراسة ذاتها أن بعض الأمراض الحيوانية يمكن أن تتسبب بفاشيات متكررة مثل مرض فيروس الايبولا وداء السلمونيلات، في حين يمكن لأمراض أخرى أن تنتج عنها جوائح عالمية مثل فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد  - 19.
 
مهام متعددة
وتبين نقيب الأطباء البيطريين "أن مهام الطبيب البيطري لا تقتصر على مجال الأمراض المشتركة إنما يضطلع بمهمة إعداد وتقديم البرامج الوقائية والعلاجية للثروة الحيوانية بما يسهم بتنميتها وتوفير سلامة الغذاء للمواطنين"، من خلال اهتمامه بصحة الحيوان ومنتجات المزرعة، إضافة إلى المهام التي تتعلق بعمل الصحة العامة بالتنسيق مع عدة جهات مثل وزارات الزراعة والصحة والدفاع والداخلية والبيئة والبلديات والتربية والتعليم العالي، وبحسب نقيب الأطباء البيطريين "فإن تعطيل مهام الطبيب البيطري سيؤثر في كل برامج وخطط الدولة المتعلقة بمهام الطبيب البيطري وأهمها تنمية الثروة الحيوانية وانتشار الأمراض الانتقالية، وتعتقد الأمين أن من أسباب زيادة نسب الإصابة بأمراض انفلونزا الطيور والحمى النزفية والعديد من الأمراض الأخرى مثل السل وداء القطط وحمى مالطة، هي قلة الملاكات البيطرية وبالتالي تعطيل أكثر البرامج والستراتيجيات اللازمة لاحتواء الأمراض الحيوانية والانتقالية.
 
سياسات خاطئة
السياسات المتخبطة وغير المدروسة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ تعطيل القانون وحتى الآن تسببت بتراجع كبير في مجال العمل البيطري في البلاد، إذ لم تولِ الطبيب البيطري الاهتمام الكافي، ما اضطره إلى البحث عن عمل خارج تخصصه العلمي وحرمان الاقتصاد الزراعي من خدماته، إذ يعتقد الطبيب البيطري وسام المنذري "أن السياسات الخاطئة قبل و  بعد عام 2003 عملت على الإضرار بواقع الطبيب البيطري في العراق، إذ عمل تعطيل القانون منذ عام 1989 وحتى يومنا هذا على تهميش هذه الفئة وعدم الاستفادة من طاقات آلاف الخريجين من كليات الطب البيطري، وأشار المنذري إلى حجم الجهود التي تبنتها نقابة الأطباء البيطريين والمسؤولون في وزارة الزراعة والشباب ذوو العلاقة من أجل الاستجابة لمطالبهم، داعيا الجهات الحكومية إلى الإسراع بإدراج القانون في الموازنة المالية للعام الحالي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
 
قاعدة بيانات
الوكيل الفني لوزارة الزراعة الدكتور ميثاق عبد الحسين الخفاجي أفاد في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع) "أن قانون التدرج الطبي البيطري ليس وليد اليوم وإنما هو حصيلة جهود مضنية وعمل على مدى سنوات"، موضحاً أن وزارة الزراعة تحاول إيجاد طرق لاحتواء الخريجين البيطريين. مؤكداً أن هناك حاجة حقيقية إلى الأطباء البيطريين في الوزارة ودوائر البيطرة والمستوصفات البيطرية، إذ يقول "إن الوزارة مستمرة في دعمها لشريحة الأطباء البيطريين والتواصل مع الجهات المسؤولة عن ملف التعيينات في الوقت الحالي وفقاً للضوابط الخاصة بمجلس الخدمة الاتحادي والعمل على تضمين حقوقهم في الموازنة العامة، داعيا جميع خريجي كليات الطب البيطري للسنوات السابقة الذين لم يلتحقوا بـ (الإقامة) إلى مراجعة المستشفيات والمستوصفات البيطرية لتثبيت أسمائهم من أجل إنشاء قاعدة البيانات الحكومية الخاصة بالأطباء البيطريين.