رحيم الغالبي بين التشابك الحسي والصوفي

ثقافة شعبية 2022/06/22
...

 سعد صاحب 
هناك بعض الأشخاص يرغبون في تحطيم الآخر من خلال الحب، لا سيما إذا ادركوا العشق الجياش، الذي يكنه من يهوى لهم، أو أنهم اكتشفوا هذا التعلق الجنوني بذواتهم، فإن هذا التدمير سيأخذ بالتطاول والتزايد والاتساع، حد الأنانية والاستحواذ والموت والإلغاء (مثل ما يثلم الخبزه ثلم كلبي).
 
صلاة الفجر 
ما أنبل هذا التداخل الحميم بين الحسي والصوفي، وما أحرص العابد على تأدية فريضة صلاة الفجر المباركة، فهي تتطلب النهوض من الفراش مبكرا، والوضوء بالماء البارد، هكذا هو اللقاء بالمحبوب، يشبه وقوف المصلي في حضرة الرب العظيم، مرتعشا، خائفا، مرتبكا، قلقا، لا يرجو سوى غفران الذنوب والتواصل والشكر والاستقامة. (صلاة الصبح حسبالك / واكابل بيها بس ربي ). 
 
نبض 
العيون تفعل العجائب بالإنسان المسلوب الإرادة، فهي تجلب له المتاعب، وربما تعرضه للموت أو تعيده للحياة، فالنور القابع فيها يدمر القلوب العاشقة، ويعصف بالأرواح الضعيفة أمام الجمال. (مسح بعيونه من يخزر نبض كلبي )، عاش الغالبي في أحضان هذا الحب، منذ الطفولة حتى المراهقة والمشيب والزوال، ولم يحصد سوى الخيبات، والعذاب الذي جناه من رحلته المرهقة، كان بمثابة المطهر لكل الشكوك والعثرات والوساوس. (عذاب العمر كضيته/ وعتاب الكاه بنص 
كتبي). 
 
أحداث هائلة 
القصيدة ثرية بكل جديد، على المستوى الفكري والإنساني والفلسفي والإبداعي، وهي حكرا له وحده، بما يميزها من صور تأملية كثيرة، وإن لحظة ولادتها ترتكز على مفهوم كوني واسع الحدود، يمور بالعديد من الأحداث العالمية الهائلة، والشؤون المستقبلية للإنسان المحاصر، بالموت والحروب والأحكام المسبقة والقيود والخيارات الجائرة. (رسم عالحايط من ابعيد /هواجس روحي نور وضي / مشه الحايط وظل الفي/ عبرت اشكد سواجي وياك / عافتني الجروف وثبت بس المي ). 
 
مصير 
الشوارع تمشي عاجلة صوب مصيرها الغامض، والخطوات تتعثر في متاهتها الواسعة، وحيال هذا الوضع المأزوم، لا يمتلك الشاعر المطرود من داره الخربة، إلا التبعثر في الطرقات الغريبة، او الاختفاء في عربة هاربة صوب المجهول، بحثا عن السعادة والمعيشة اللائقة والكرامة والاحترام. (مشت ليش الشوارع / ظلت الخطوات تتخبط بغربه وهم / كمت اتطشر والتم ). 
 
أبواب 
رمى الساحر المفتاح في لجة البحر العميق، وترك الأبواب موصدة، والناس تحلم في صانع ماهر يفتحها، ويفتح كل باب مريب، أغلقه الغزاة والطواغيت والقتلة، ويحرر الطيف المسجون خلف أبوابهم، وهو يطمع بالشمس والهواء والبحيرات والطيور. (هاي سنين / 
مفتاح العشك ضايع الكل البوب / لا تكضي ولك يا طيف  / خل اتهنه بيه فد نوب).
 
أشواك 
تذبل الورود من فرط رقتها، وتتكاثر الأشواك في الدروب والبراري والحدائق، والمزارع لا يتضايق من الشوك الملتف حول الزهور، وأكثر ما يغيظه أن تتحول الواحة بكاملها إلى نباتات ضارة. (ما حسبالي ورد الليل / الكه الصبح بس خرنوب ). والعاشق يدخل السجون ويطارد وينفى إلى البلدان البعيدة، ويكابد كثيرا ولا يتخلى عن العشق، وفي لحظة لا أعرف ماذا اسميها، يترك الحب والأحلام والأماني والرايات والأفكار، بمحض إرادته وبقراره الخاص، ويلتحف الذكريات حتى يبددها الظلام والغبار والنسيان. (جم مره كسرنه العمر / من نصه ابمعزه انتوب / جم مره  نحط العين / بجفوف الزغار نريد بس مكتوب / هاي سنين تاكل عمري دوب ادوب)
 
ورد النرجس 
ليس اعتباطا سمى الشاعر قصيدته (ورد النرجس)، كان العنوان مقصودا وينم عن دراية بالموضوع، فزهرة النرجس من الورود الجميلة، التي تنتعش في فصل الربيع، وبقدر مقاومتها للجفاف لا تعيش في الأرض المالحة، ما يؤدي إلى فشل نموها في بعض 
الأوطان، لأنها غريبة ومتكبرة ومغرورة وذات شموخ وكبرياء. (ورد النرجس بروحي مثل صبير / يرسم عالضمير اذنوب / ذبنه ومثل ثلج ايذوب / تبنه ونعتذر من الزمن / والفي ومن 
ايوب).