علي حمود الحسن
آمال كارل ماركس الشاب العريضة ونبوغه الفلسفي المبكر وخصوماته المعرفية وحسه الانتقادي، الذي قال عنه الفيلسوف الاشتراكي الفرنسي جوزيف برودون في حوار محتدم ضمن السياق السردي للفيلم “ سينتهي انتقادك للآخرين الى ان تلتهم نفسك”، وعلاقته برفيق عمره فريدريك إنجلز التي شكلت ملامح الفكر الإنساني المعاصر، هي محور فيلم “ كارل ماركس الشاب”(2017) للمخرج والمنتج والوزير السابق الهيتي راوؤل بيك المعروف بأفلامه الوثائقية السياسية المنتقدة للرأسمالية والنابشة في وجهها القذر، على شاكلة “ لست زنجيك”(2016)، و “لومومبا” (2000)، و” أحيانا في نيسان”(2005)، الفيلم من وجهة نظر مخرجه، هو محاولة – تفترض حسن النية- للتعريف بعبقريين لم يكتفيا باكتشاف الدافع المحرك للتاريخ، إنما أسهما في اكتشاف العوامل الحاسمة في كيفية تغيره، من خلال الصراع الطبقي بين الرأسمالية والطبقة العاملة، وهي مغامرة من وجهة نظري لمخرج وثائقي، اذ تصدى لمقطع من حياة ماركس امتد للفترة من 1843الى 1848، الذي شهد قصة حبه وزواجه من جيني الارستقراطية، التي تركت حياتها المخملية لتلتحق” بيهودي اشتراكي ملحد مفلس”، فضلا عن معاركه الكبرى في الصحافة والفلسفة والسياسة في كولونيا وباريس وبروكسل ولندن، ومرورا بإعلان البيان الشيوعي المتضمن “المفهوم الجديد للعالم”.
قدم بيك فيلما طريفا مرحا، هو أقرب للسيرة الذاتية، بلا تعقيد سردي، وهي مهمة ليست بالسهلة؛ فثمة احداث مكتظة، وشخصيات إشكالية أسهمت في صنع التاريخ والى حد ما المستقبل، تمظهرت ثورات وحروب كونية وتنظيمات حزبية ونقابية، فالتجأ المخرج، الى حيلة سردية مسرحية في قصه لأحداث فيلمه المتشعبة، مستعينا بكاتب سيناريو موهوب، اذ قسماها الى أجزاء معرفة زمانيا ومكانيا من خلال شروحات مكتوبة على شاشة، فضلا عن حوارات شيقة ومثيرة، أسهمت الى حد ما في التقليل من هيمنة “المسرحة” في المتن الحكائي للفيلم.
مفتتح الفيلم الذي صور فيه بيك فقراء المان يجمعون الحطب اليابس الملقى على الأرض في غابة ومهاجمتهم من قبل جنود ملك بروسيا الساديون، فيما يأتي صوت المعلق (ماركس) الذي يتلو ما كتبه عن الحادثة لصحيفته “الرينانية” التي ستغلق ويسجن كادرها ثم يرحلون الى باريس ليستأنفوا تجربة ثورية أخرى، هذه العتبة التأسيسية أثثت واختزلت رسالة الفيلم بجمال وفصاحة، على العكس من الخاتمة التي وظف فيها صورا فوتوغرافية ولقطات وثائقية لاهم احداث العصر قبل وبعد نهاية تجربة الاتحاد السوفياتي، وبينهما يقتفي المخرج ماركس الصحفي والباحث الاقتصادي والفيلسوف في باريس ولقائه بانجلز الارستقراطي الثائر وكفاحهما للوصول الى توحيد القوى العاملة بإصدار البيان الشيوعي.
قليلة هي الأفلام التي تتحدث عن حياة ماركس الحافلة، اذ استثنينا الوثائقيات والريبورتاجات في السينما والتلفزيون، على الرغم من احتدامها الدرامي، بسبب الصورة النمطية الارثوذوكسية عن ماركس ورفيقه انجلز، ترى هل وفق راؤول بيك؟ في تقديري الشخصي نعم، فماركس في الفيلم بلا قفطانه المقدس، اذ نراه شخصية من لحم ودم، فهو مرح ذكي مشاكس حسي منتقد، الفيلم بسيط لكنه نجح في التعريف بشخصية ماركس وافكاره لأجيال من الشباب المعاصر، التي اختزلته في قميص “تي شيرت” في واحدة من مفارقات “مكر التاريخ” بتوصيف كاتب شاب.