د. عبد الخالق حسن
منذ أنْ تشكلَّ النظامُ الدولي ذو القطبين بعد الحرب العالمية الثانية، صارت السياسات والمواقف، التي تتبناها الدول تخضع لمتبنيات منحازة تتحكم بها درجات الاقتراب لكل دولة من أحد القطبين الأساسيين وقتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي). ومع المسيرة القصيرة التي لم تدم لهذا النظام الثنائي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت هناك محاور وأقطاب تنشأ تحت عين القطب المتبقي، ونقصد هنا الولايات المتحدة. لذلك كانت مجسات المحللين وصناع السياسة الأميركية تتهيأ وتستعد للحظة المواجهة مع هذه الأقطاب والمحاور الجديدة، من خلال التواجد عند تخوم الدول، التي تشكل خطراً مستقبلياً على الولايات المتحدة. ولقد تحملت الولايات المتحدة بسبب هذا التواجد تكاليف عالية من رصيدها المالي والاقتصادي والعسكري، بل وحتى من رصيدها السياسي وسمعتها، كونها كانت تطرح نفسها بوصفها الجنة الموعودة، والحلم الذي يداعب خيال الشعوب. نستذكر هنا تجربتها في إعادة بناء السياسة وفق منطق الكولونيالية، أي التدخلات العسكرية المباشرة، بعد أن غادرتها الدول طوال سنين. فكانت تجربتا أفغانستان والعراق اللتان أرادت من خلالهما الولايات المتحدة الاستعداد للحظة انبثاق الصين المتوقعة، والتي خسرت فيها أميركا على ما يبدو من دون تحقيق أهدافها المركزية.
ما يهمنا هنا طبعاً هو موقف العراق من هذه الصراعات والمواجهات المكلفة على جميع الأصعدة. فمنذ أن سقط النظام الدكتاتوري وحتى هذه اللحظة، تنازعت على العراق وتصارعت فيه الكثير من المحاور الدولية، التي تريد للعراق أن يكون منحازاً إلى جانبها. لكن هل يمكن لدولة مثل العراق، ما زالت تداوي جراحها وخرابها، الذي خلفته سنين الدكتاتورية وما بعدها أن تحسم موقفها وتنحاز لمحور من المحاور؟. الأمر سيكون منوطا بحساب الفوائد والمنافع، التي سيجنيها العراق من اتخاذه قراراً بالاندماج في محور على حساب آخر. أرى هنا أنه ليس من مصلحة العراق في هذه المرحلة أن يضع بيضه كله في سلة أحد المحاور، بل الأجدى والأنفع له أن يكون جسراً يربط بين المحاور ويطفئ حرائق تقاطع سياساتها، سواء على أرضه أم خارجها. لأن ممارسة دور الإطفاء في السياسة يقلل الخسارات ويطمئن الجميع، ويحفظ للعراق رصيده من الاحترام بين الجميع. أصدق مثال يمكن أن نضربه هنا، هو الدور المهم الذي نجح فيه العراق بالقيام بوساطات متكررة بين أكبر دولتين ضاغطتين على العراق من الناحية الجيوبولتكية، ونعني بهما السعودية وإيران المتقاطعتين في كل شيء في المنطقة.
ويحسب للعراق أنه استطاع إزالة الكثير من الأشواك النابتة في جسد العلاقة السعودية الإيرانية إلى الدرجة، التي وصلت فيها جهوده لمستوى قد نشهد معه إعادة التمثيل الدبلوماسي المقطوع بين الدولتين. لهذا فإن أسلم طريق يمكن للعراق أن يسلكه في ظل تقاطع المحاور الدولية هو السير في طريق خاص به، يجعله يمثل محوراً متفرداً وهادئاً بين المحاور يمكن أن نسميه محور العراق.