مما سُميّت

فلكلور 2022/07/21
...

 شكر حاجم الصالحي
 
الخوض في مهمة كتابة تأريخ المدن العراقية ليست بالمهمة اليسيرة, فالمصادر الموثوقة نادرة, وتوجهات ومتبنيات المؤرخين في معظمها تعبر عن أفكارٍ ورؤى أصحابها, إلا القلة القليلة من أولئك الذين ولجوا هذه المهمات الحذرة, وكتاب (مما سُميت) لمؤلفه الراحل (مؤرخ الحلة) الدكتور عبد الرضا عوض والذي جمعه وأعده ولده علي, يأتي في زمنٍ أتيحت فيه الحرية لكتابة تاريخ الحلة بشيء من الموضوعيَّة والإنصاف, ولهذا كله فقد ضم هذا الكتاب عدة عناوين فرعيَّة تضيء جوانب مشرقة من تاريخ الحلة السيفيَّة التي مصرها الأمير صدقة بن منصور الأسدي يوم الخامس من محرم سنة 495 هـ / 1101 م.
ومن بين هذه العناوين: (محلات وأحياء الحلة وتسميتها, بوابات الحلة, قصبات الحلة, نواحي الحلة, سور الحلة), وعناوين لموضوعات أخرى لا تقل أهميتها عن هذه رغم حرص المؤلف الراحل على الإيجاز والاعتماد على مصادر موثوقة تنسجم مع رؤية المؤلف.
وأخص بالذكر ما كتبه الشيخ يوسف كركوش في منجزه (تأريخ الحلة) الذي صدر بعدة طبقات وما زال الطلب قائماً عليه لأهميته, ثم أنَّ الدكتور عبد الرضا عوض سبق له وأنجز عدة كتب عن الحلة منها: كتاب الجامعين/ 2018 , الحوزة العلمية في الحلة (562 ــ 951 هـ) , تأسيس الحلة وتمصيرها, صفحات بابليَّة, ولاقت هذه الإصدارات استحساناً وقبولاً في أوساط القراء.
وما يهمني هنا الإشارة الى عنوان الكتاب (مما سُميت)، إذ أراه غير منسجمٍ مع المتن الذي أراده المؤلف الراحل, ففي العنوان هذا غموضٌ لا مبرر له وكان على المؤلف أنْ يختار عنواناً آخر لكتابه يدلُّ على ما فيه من موضوعات نافعة, ولكي لا نبخس المؤلف حقه علينا أنْ نشير الى بعض ما جاء في (مما سُميت) لعلنا نوفق في الكشف عن كنوزه الثمينة وتحريض القراء على الاستفادة القصوى من معلوماته القيمة.
وحول تأسيس الحلة يقول المؤلف: «لم نحصل على تاريخ متفق عليه في نشوء هذه الحاضرة البهيَّة, لكنَّ المؤرخين أجمعوا أنَّ لها ذكراً وحوادث قبل أنْ يمصرها الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور سنة 495 هـ».
ويستعرض المؤلف آراء بعض المؤرخين حول التأسيس فيقول: «هناك من ذكر أنَّ أرض الجامعين هي بقايا قرية بابليَّة, تغور في القدم, فهي مأهولة بالسكان قبل قرون من تمصيرها, ولعلها تحمل اسماً بابلياً لم يصل إلينا...».
وهناك رأي يقول إنَّها نشأت سنة 37 هـ حين حط رحاله فيها الإمام علي بن أبي طالب (ع) ووارى جثمان قائد جيشه الشهيد عبد العزيز السراي المدائني في هذا المكان فبنيت البيوت حول المرقد وتوسع عمرانها.
وهناك من قال إنها نشأت قبل تأسيس بغداد حينما زارها وحطَّ رحاله فيها الإمام جعفر الصادق سنة 132 هــ.
وهناك العديد من الآراء المختلفة حول تأسيس الحلة، لكنَّ الذي يهمنا تمصيرها الذي نراه متحققاً بشكلٍ جلي والتمصير بمفهومه كما يشير المؤلف: هو وجود بناء جامع ومكان للعبادة (جامع أو دير) ومدرسة, و قاضٍ يحكم بين الناس, وتنظيم لحركة السوق, وثكنة عسكرية فيها جند مهمتهم حمايتها وتنظيم أمورها.
ويضيف الراحل عبد الرضا عوض: «والجامعين كانت حاضرة مأهولة فيها مساكن قبل أنْ يطأها الأمير صدقة لكنها غير منظمة, فلما دخلها صدقة في 5 محرم/ 495 هـ, أكمل مستلزمات المدينة فيها وحملت اسم (الحلة) أي مكان نزول القوم فعدّ يوم التمصير».
وفي ص 77 وما تلاها حديث عن سينمات الحلة في ذلك الزمان (1947 م) إذ يقول المؤلف: «أدركنا بعد منتصف القرن الماضي دارين للعرض السينمائي هما: سينما بابل الصيفي, مجاورة للفرات الصيفي, أهملت عام 1966 م, سينما الرشيد الصيفي, مجاورة لمحلة الجامعين من جهة النهر أهملت سنة 1947 م. ويذكر ان سينما بابل الصيفي القريبة من بيت القزويني الواقع بين محلة الجامعين والطاق فتحت بموافقة من آل القزويني أنفسهم, أو مشاركة من أحد الممولين, وقد استنكر الاهالي هذه الخطوة وقيل إنَّ الشاعر عبد الصاحب عبيد الحلي نظم قصيدة مطلعها:
سينمات الليل كلَه والنبي فسدت الحلَه
روح للسيد وكلَه عوزنا فد راقصات
وأخيراً لا بُدَّ من الإشادة بجهد المؤرخ الراحل عبد الرضا عوض متمنين أنْ يواصل ولده علي جهوده في إعادة إصدار مؤلفات والده إعماماً للفائدة وتوثيقاً لتاريخ الحلة التي أنجبت كبار العلماء والأدباء والمؤرخين.