على طريقتك!

الصفحة الاخيرة 2019/04/03
...

 جواد علي كسّار
أقصد به رئيس وزرائنا، إذ أريد أن أتحدّث هذا اليوم على طريقته حين كان صحفياً، أو على نحوٍ أدق؛ سياسياً يكتب في الصحافة. فما دامت أجواء بغداد ما زالت ندية، بالأمطار الغزيرة التي هبطت عليها خلال الأيام الماضية، وستعاود الهطول خلال الأيام القادمة بحسب توقعات الأنواء الجوية؛ فقد رأيت من المناسب استعادة فكرة كتبها السيد عادل عبد المهدي عن مياه الأمطار، على طريقته في استعادة أفكاره، وإعادة نشره لرؤاه ومقترحاته وأنظاره، كما هي من دون تغيير في افتتاحيات صحيفة «العدالة» والعمود الأخير من صحيفة «العالم»، كلما رأى ضرورة لذلك.
في أواخر سنة 2012م انهمرت السماء بغيث، تجمع سيولاً في شوارع بغداد وأزقتها وحفرها، أستدعى استنفار الحكومة ونزول طواقمها لنجدة الأحياء والشوارع التي استباحتها المياه، كان من بينهم كبار المسؤولين السياسيين والخدميين، ويومها تحدث أمين العاصمة نعيم عبعوب عن صخرة ضخمة سدّت مجاري المياه، وتحوّلت إلى مسببات احتباس المياه في الشوارع، قبل أن تتحوّل كلماته إلى قصة ذات كناية؛ اشتهرت بقصة صخرة عبعوب!
على طريقته في التعاطي مع الوقائع من زوايا جديدة، تناول السيد عبد المهدي الواقعة في افتتاحية صحيفة «العدالة» من أفق آخر، حينما سجّل أن ما سقط على بغداد من مياه الأمطار أواخر سنة 2012م كان يكفي، لو وجدت الوسائل الكافية لتخزينه، إرواء مدينة بغداد وتأمين احتياجاتها للمياه، لمدة سنةٍ وشهر.
الآن صاحب الاقتراح والرؤية ليس مراقباً محايداً مثلنا، لا حول له ولا قوّة، ولا سلاح له سوى الكلمة وإبداء الرأي، بل هو صاحب القرار والمسؤول التنفيذي الأول في البلد، بيده كلّ شيء، وكل ما يحتاج لتحويل تلك الأفكار والأنظار والرؤى والمقترحات، إلى واقع متجسّد على الأرض. أسجّل هذا وأنا أعرف تماماً أن تنفيذ هذا الاقتراح كما غيره، لا يكون بضغطة زر، وبالتأكيد لن يتحقّق؛ بكن فيكون، إنما يحتاج إلى أسبابه ووسائله، والعراق بلد متخلف في جمع المياه وخزنها والإفادة منها، وقت الحاجة والندرة، لا يزال يعتمد على سدوده القديمة وخزاناته المتوارثة، بحيث لم نسمع (أو أنا شخصياً) أن مبادرات مهمة حصلت على مستوى بناء السدود وتهيئة خزانات المياه، خلال عقد ونصف بعد التغيير.
التطورات المناخية خلال السنوات الثلاث السابقة شهدت اتساعا لمناسيب الأمطار في العراق عامة، وما ثمة مؤشرات تشير لخلاف هذه الروية في السنوات القادمة. أكثر من ذلك شهد هذا العام رفداً استثنائيا للمياه المتدفقة للعراق، بعد أزمة الفيضانات في إيران للمرة الأولى بعد سنواتٍ عجاف، جفّت أو جُففّت خلالها الأنهار التي تنحدر من هذا البلد، وليس بعيداً أن يحصل تدفق مماثل للمياه من تركيا وسوريا، ما يدعو إلى تكثيف العناية بهذا الجانب، وإيجاد سُبل التعاطي الاقتصادي المدبّر مع هذه «السلعة» التي قال عنها الخبراء أنها أثمن من النفط، والإستراتيجيون أنها مادة الصراع وحروب المستقبل في منطقتنا؛ وقال عنها خالقنا: « وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ»!