حرص مهرجان تامرّا الشعري بدورته الثالثة، على تخصيص جلسات نقدية كخطوة جديدة تختلف عن دورتيه الماضيتين.
وانعكس ذلك، في تزايد المشاركين، اذ اقتصرت الدورتان السابقتان على الشعراء فقط، بينما الآن قد أصبح للناقد دور في المشاركة لا يختلف عنهم. وتضمنت فعاليات المهرجان جلستين نقديتين، الاولى بعنوان (الشعر وارهاب اللغة) وترأسها الناقد الدكتور مكي نومان.
وشارك فيها كل من الناقد الاستاذ علي الفواز، والناقد الدكتور أحمد الزبيدي، والناقد الدكتور علي متعب جاسم، والناقدة الدكتورة نوافل الحمداني. أما الجلسة الثانية فكانت بعنوان (الشعرية العراقية.. رهانات الشكل والرؤية) وترأسها الناقد الدكتور فاضل التميمي، وشارك فيها كل من الناقد الدكتور ثائر العذاري، والناقد الدكتور اياد الحمداني، والشاعر والناقد عدنان ابو اندلس، الناقد الدكتور مثنى كاظم صادق، والناقد الدكتور خالد علي ياس.
وقدم الناقد علي متعب جاسم ورقته النقدية بعنوان (الثقافة المضادة ... نحو قراءة لمفهوم المخيلة الإرهابية) تجربة الشاعر علي فرحان مثالا.
وانطلق الناقد في بناء تصوراته من ان الكون الذي يتحرك فيه الانسان وتحديدا الشاعر هو كون لغوي بالدرجة الاساس، فالشاعر يفكر باللغة ويفهم العالم بها ايضا وهو ما يعني نشوء هذه العلاقة بين العالمين الداخلي والخارجي نشوءا لغويا. وفصل ذلك – في ما يخص الاول- بالعودة الى الجذر الثقافي للشاعر وهو – وفقا لرأيه – يقع في اقنومين رئيسين “الثقافة العربية” بما تحمله من دلالات تأسيسية للعنف والارهاب اللغوي، وثقافة الجنس البشري المؤسسة اصلا على اساطير انبنت على بعد “مأساوي دموي يسري في الانسان ويسم فعله ويغذي مخياله”. اما الجانب الآخر “الثقافة الثانية” فيمكن ملامسة محدداتها بـ “الاشياء” الواقع ويعني المؤثر الخارجي الذي تستمد منه اللغة حيويتها. وهو واقع يشكل فضاء يتحرك به ومن أجله النص الشعري، من خلال القدرة على انشاء كون مخيل/ عالم مخيل يتمثل الارهاب ويؤثثه ليكون معادلا رمزيا لارهاب الواقع، ومن هنا تنشأ المعادلة المهمة “ارهاب الشعر وارهاب الواقع” غير ان ارهاب الشعر ارهاب رمزي مشبع بالدلالات التي تخلقها اللغة بناءً على ما تمت الاشارة اليه آنفا وارهاب الواقع فعل سلوكي مغرق بالقسوة. ارهاب اللغة يتحول الى نوع من المكافأة ليعيد التوازن الى الواقع او ليعيد تهيئة الواقع او ليكون محاولة في تخطي الواقع لا الانكفاء عنه وهنا تكمن اهم الدلالات التي اراد الناقد توثيقها في الخطاب الشعري العراقي المعاصر. والقصيدة الارهابية نوع من النصوص التي تتبنى الثقافة المضادة.
ليخلص الى ان تجربة علي فرحان في مجموعاته الثلاثة “المسدس اول القتلى وليل سمين وقاتل مجهول” تشكلت عبر ثلاثة فضاءات، “فضاء الواقع، فضاء اليومي، الفضاء الميثولوجي”، وقد شكلت هذه الفضاءات لغة مضادة، لغة تقرأ الواقع وتشكله بقيمه نفسها، لغة تقارع ولا تستكين، لغة” ترهب الارهاب نفسه. كما وتناول هذه الفضاءات بنصوص اختارها للتحليل.
الشعر العربي
وركزت الورقة النقدية للدكتور اياد عبد الودود الحمداني، وهو عضو اتحاد ادباء ديالى، على مظاهر الشعرية بين المبنى والمعنى، وقال فيها: لا يخفى أن الأسلوب في الابداع الشعر العربي ذو خصوصية يمكن رصدها في الكثير من المظاهر، أظهرها الايقاع الذي يمكن توظيفه في رصد الشعرية، ولاسيما عند متابعة التنويعات التي تُظهرها التفعيلات والبحور الشعرية، والأنظمة الجديدة منها- على سبيل المثال- ما اظهره الشكل الموسيقي في قصيدة التفعيلة، مثل التداخل (بين بحر وآخر)، والتنوع (في الأوزان تبعاً للمقاطع الشعرية في القصيدة)، وكذلك التناوب (ويعني تكوين القصيدة موسيقاً من الشكلين التقليدي والحر، وغالباً ما يأتي على شكل مقاطع)، وأيضا التدوير (الذي يجعل موسيقى القصيدة دورة واحدة لا يقف القارئ فيها إلاّ عند انتهائها أو انتهاء مقاطعها، وبهذا تُلغى الأشطر أو الابيات)، والاخلاط (ويعني اختلاط الشعر بالنثر في. بنية القصيدة الواحدة).
مأزق التفرُّد
أما الناقد والأكاديمي الدكتور خالد علي ياس فقد كانت ورقته النقدية المشاركة بعنوان (مأزق التّفرُّد.. رأي في تحولات الشّعريّة العراقيّة المعاصرة).
وقال فيها: تخص هذه الورقة النّقدية لا بل ترصد ظاهرة أصبحتْ مستشرية في ثقافتنا المعاصرة، وليس في الشعر فقط، وأعني حالة التفرّد التي قطعت الأديب عن سابقيه ومجايليه ولاحقيه ليكون وحده مشروعا قائما بذاته مع نكران واضح لكل التجارب الأخرى، لذلك تشخص الورقة بنية جمالية في الشعر العراقي المعاصر تسميها (بنية تفرّد)، يكون خلالها الشاعر منتميا الى (وعيه الفردي) بعيدا عن (وعيه الجمعي)، أي الوعي الثقافي العام الذي يميز تجربته وتجربة غيره من الشعراء، بسمة ثقافية معبرة عن ظروف إنتاج المرحلة التي ينتمي لها، لهذا تكون تجربة في حالة اطلقت عليها هذه الورقة النقدية قطيعة ثقافية لاتعترف بغيرها وتتنصل لتجارب أخرى لربما تفوقها جماليا وثقافيا بحجة الكلاسيكية أو غير ذلك، اذ تؤكد هذه الورقة أهمية التجربة الشعرية سواء أكانت معاصرة (قصيدة نثر) او حديثة (قصيدة تفعيلة) او حتى كلاسيكية (ذات شطرين)، لانّ الأصل يكمن في مدى التأثير الذي تولده القصيدة لدى المتلقي من منطلق أن الشعر مهما تغير وتطور يبقى شفويا في أثناء الإلقاء مما يمنح فرصة جديدة للتقييم يقدمها القارئ بعيدا عن اية اختلافات شكلية او بنائية في بنية القصيدة، وهذا ما لم ينتبه له الشاعر المتفرّد برؤيته وهنا يكمن مأزقه كما تجد هذه الورقة.