على أسوار الأزبكية!

الصفحة الاخيرة 2019/04/06
...

 جواد علي كسّار
حين تكون في القاهرة لابدّ أن تزور سور الأزبكية وتقضي ساعات بين مكتباته، لاسيّما مع تنوّع المعروض منها بخاصة الكتب والمجلات القديمة، مصحوبة بإغراءٍ هو الأهمّ؛ أقصد به 
الأسعار الزهيدة!.
في واحدة من تلك الزيارات بقيتُ أنقّب في مصفوفات الكتب ساعات، تمخضت عن اختيار خمسة من إحدى تلك المكتبات، كان من بينها كتاباً يحمل عنوان: «إسلامية المعرفة: الخبرة والمسيرة» للمفكر المصري الراحل جمال الدين عطية (1928ـ 2017م) مؤسّس مجلة «المسلم المعاصر» وأحد دعاة مشروع «إسلامية المعرفة». من بين دوافع شرائي هذا الكتاب، أن موضوعه يقع في سياق اهتمام بحثيّ بفكرة إسلامية المعرفة، والكتاب كلّه هو مدوّنة توثيقية مكثفة، لانبثاق الفكرة وتطوّرها ورموزها وتطبيقاتها.
بيدَ أن الأهمّ الذي ضاعف قيمة الكتاب عندي، هو الحيّز الذي خصّصه لتناول المشروع الفكري للسيد محمد باقر الصدر. فمن منطلق المؤلف وبحسب تنظيره، شهد الفكر الإسلامي خلال الربعين الثاني والثالث من القرن العشرين، نشاطاً معرفياً حثيثاً في مجال إصلاح مناهج الفكر وتجديده، أرسى لبناته التأسيسية عدد من العلماء والمفكرين، أبرزهم في العالم العربي وبحسب تصنيف المؤلف: عبد الرزاق السنهوري (ت: 1971م)، محمد عبد الله درّاز (ت: 1958م)، عبد القادر عودة (ت: 1954م)، محمد باقر الصدر (ت:1980م)، سيد قطب (ت: 1966م)، مالك بن نبي (ت: 1973م) وأبو الأعلى المودودي المتوفى 
سنة 1979م.
يقدّم عطية لمنجز الصدر الفكري، على النحو التالي: «يبرز اسم محمد باقر الصدر رحمه الله بين النماذج الناضجة المبكرة، وسنقتصر هنا على عرض عملين من أهمّ أعماله، وإن كانا لا يُغنيان عن كتابات أخرى له، وكتابات عنه لمن أراد أن يدرس بعمق ، فكر هذا العالم الفاضل». ثمّ يفتتح كلامه عن «اقتصادنا» بالقول: «يُعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة في مجال بحثنا حول إسلامية المعرفة، فهو يُعتبر فيما أعلم، من الكتب الأولى التي وضعت منهجاً عميقاً لكيفية وضع النظرية الإسلامية في مجال العلوم الاجتماعية، بل أظنّ أنه لم يتمّ تجاوز هذه الرؤية حتى اليوم» ليستعرض بعد ذلك كتاب «اقتصادنا» عبر حلقات محورية ثلاث، هي: ما قبل المنهج، المنهج، تتمة المنهج.
ينتقل عطية بعد ذلك، إلى الأنموذج الآخر المتمثل بالتفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعية، عبر محاضرات السيد الصدر القرآنية، وهو يكتب: «تطرح هذه المحاضرات رؤية مختلفة لعلم التفسير، يجعل منها إسهاماً قيّماً في مجال تطوير العلوم الشرعية» ليقدّم بعدها إضاءات على هذا الجانب من فكر الصدر.
أسعدني في هذا الكتاب، الرؤية التفاعلية التكاملية التي صدر عنها المؤلف بين ساحات الفكر الإسلامي، وزاد من بهجتي أن أقرأ لأحد كبار حاضرة النجف الأشرف، حضوره على أسوار الأزبكية!.