ثلاثة عشر فناناً بصريَّاً يستعيدون روح الخط العربي

ثقافة 2019/04/06
...

البصرة/ صفاء ذياب
أعادتْ رابطة وحي القلم أجواء فنون الخط العربي بحروفه التقليدية، وزخارفه الإسلامية القديمة، وتشكيلات اللوحات التي قُدّمت في معرض الرابطة الذي يقام هذه الأيام على قاعة قصر الثقافة الفنون في مدينة البصرة.
ثلاثة عشر فناناً حاولوا أن يعيدوا لهذا الفن رونقه من خلال تجمعهم ضمن هذه الرابطة وبدعم من منظمة التعاضد لتنمية المجتمع، في سبيل إبراز التجارب الرائدة في فن الخط العربي، فضلاً عن مشاركة عدد من الخطاطين الشباب. اختلفت التجارب التي عرضت أعمالها في هذا المعرض، بين أعمال ذات أبعاد جمالية باهرة في الخط والزخرفة واختيار اللون، وبين أعمال لم تكن ذات تقنيات جيدة، وهي قليلة جداً، فقد امتلأت جدران قصر الثقافة والفنون بلوحات خُطّت فيها آيات من القرآن الكريم، وبعض الحكم والأبيات الشعرية العربية. ومن أجل الوقوف على أهمِّ ما قدّمه الفنانون في هذا المعرض، يقول الفنان عبد الرضا علي العامري متحدثاً عن رابطة وحي القلم ومعرضها: إنها رابطة شبابية، وقد كلّفنا أن نخرج من الركود الذي نعيش فيه كخطاطين لنقدّم عملاً جماعياً يكون أنموذجاً لمدارس الخط التي عرفناها منذ قرون طويلة، وكان همّنا الرئيس أن نجعل الناس تشاهد أهم معالم الخطوط العربية بتقاليدها ومدارسها المهمة. وعلينا أن لا ننسى أن فناني الخط العربي، أو من نسميهم أصحاب القصبة، بدؤوا يتضاءلون وسط التقنيات الالكترونية التي أخذت الكثير من جرف هذا الفن، لكن مع هذا بقي الخط الحرفي مزروعاً في نفوس آلاف الفنانين، لهذا بادرنا برسم أعمال تقنية وفيها حرفية عالية، تبيّن للمشاهد جماليات الحرف والقصبة والزخارف الإسلامية التي أُهملت وأصبحت زخارف مرسومة في برامج الفوتوشوب على سبيل المثال.
أما عن علاقة فن الخط بالزخرفة، فيشير العامري، إلى أن مشكلة الزخرفة في العراق تكمن في ندرة المزخرفين، لكن إذا نقيس على أعمالنا، فالزخرفة تأخذ وقتاً أطول بكثير من وقت الخط، وبهذا ستأخذ كل لوحة زمنين طويلين حتى إنجازها. الأمر الآخر أن كلفة الزخرفة مرتفعة، وهذا ما لا يستطيع تحمّله الكثير من الفنانين الذين لا يوجد أي دعم لهم. فالخط والزخرفة توأم لا ينفصل عن بعضه، ولهذا تعمّد الكثير من الخطاطين لتعلّم الزخرفة، وما انجز في هذا المعرض خير دليل، فالفنانون جميعاً زخرفوا لوحاتهم بأيديهم، وهذه ميزة تضاف لهذا المعرض.
 
كلاسيكية جديدة
من جانبه، أشار الخطاط عرفان حبيب، إلى أن الغاية من المعرض نشر وعي وثقافة الخط العربي في المجتمع بصورة عامة، فقد ساهمت التكنولوجيا وتقنيات الاتصال الحديثة، فضلاً عن مجال الحاسوب والخطوط الطباعية، بجعل فن الخط العربي فنّاً هامشياً لا يتابعه إلا القليل جداً، لهذا فإنّ الكثير من الناس يجهل ما الخط العربي، خصوصاً الأجيال الجديدة، فأحببنا أن نقدّم من خلال هذا المعرض الفن بمعناه الكلاسيكي، وأنواع الخط المؤسسة لهذا الفن، وهدفنا الرئيس الالتفات لهذا الفن الجميل في ظل الظروف والتطورات الحاصلة.
أما عن الحداثة في الخط العربي وما قدّم في هذا المعرض، فبيّن عرفان حبيب أن الخطوط العربية التقليدية، مثل الثلث والنسخ والرقعة والكوفي والديواني وغيرها، بإمكان أي خطاط أن يوظفها توظيفاً جديداً يلائم التغيرات التي تطرأ على الفنون، لكن تتبقى الخطوط الحديثة خطوطاً حرة، ويستطيع الفنان أن يتحكّم بها ويغير ملامحها حسب ما يراه مناسباً، غير أننا ضمن الخطوط الأساسية، فإنّ الفنان محدّد بشكل معيّن لكل حرف، فضلاً عن حجم الحرف نسبة للحروف الأخرى، وحجم قصبة الخط أيضاً، وفي هذا المعرض هناك من التزم بالخطوط الكلاسيكية، وهناك أيضاً فنانون حاولوا الاقتراب من الحداثة لكن بنسبة صغيرة جداً.. ولا ننسى أن الغاية من هذا المعرض إظهار الخطوط العربية بأشكالها التقليدية، فضلاً عن تنوّع الخطاطين وإمكانياتهم وتفاوت رؤاهم بالنسبة لشكل الحرف، وهذا أيضاً يضيف جمالية للمعرض.
في حين يرى الفنان عبد الكريم الرمضان أن هذا المعرض يحتوي على مجموعة جميلة من أنواع الخط العربي المعروفة، وقد تميّزت هذه الأعمال بتقنيات الخط المنضبطة وزخرفاتها التي نفّذها الخطاطون أنفسهم من دون الحاجة لمزخرفين، وهذه ميزة جديدة تضاف لهذا المعرض. لكنه مع هذا يعد من المعارض التقليدية في الخط العربي، ما قدّم فيه نماذج كلاسيكية لكنها منفذة حسب القواعد المرسومة للخطوط التقليدية، وهذه ربما ميزة له أيضاً، لأن الفنانين حاولوا أن يعيدوا إنتاج مدارس الخط التي تعلّمنا على أيدي أساتذتها، برؤى معاصرة نوعاً ما، رغم لباسها التقليدي.
غير أن هذا لا يعني أن البصرة ليس فيها فنانون يبحثون عن الحداثة والابتكار في الخط العربي، بل إنّ هناك فنانين يبتكرون نماذج جديدة وغير مسبوقة في الخط العربي، لأن الخط فن لا حدود له، وأبعاده لا تنتهي، لأنه مرتبط بالنفس الإنسانية الباحثة عن التطوّر دائماً، لذلك نأمل أن يقدّم فنانو هذا المعرض أنموذجاً جديداً في التجربة المقبلة لأنّهم قادرون على اختراق المألوف.