بغداد: الصباح
{ورق الحائط الأصفر}، هي رواية لـ {شارلوت بيركنز جيلمان} الكاتبة الأمريكية (1860 - 1935) في أواخر القرن التاسع عشر. تستند حبكتها إلى سيرة المؤلفة بتعبير أدق، إنها وصف لمشاعرها أثناء إصابتها بالاكتئاب ما بعد الولادة.
في بداية الكتاب الذي هو من ترجمة زهراء حامد وإصدار دار آشور بانيبال، تقول مقدمته: لقد كان تطور المجال والعلوم الطبية سيئاً في ما يخص صحة المرأة العقلية والنفسية قياساً بالاختصاصات الأخرى، وكان يُنظر إلى النساء على أنهن كائنات عصبيّة وهستيريّة بمعنى آخر كائنات شعوريّة بالمطلق يهيمن عندهن الإحساس البدائي على الفكر المنطقي، كانت الحكمة السائدة وقتها أن الراحة ستعالج الهستيريا، بينما في الواقع من المحتمل أن يؤدي الملل المستمر- كما حدث مع البطلة هنا- إلى تفاقم الاكتئاب.
إنَّ إشارة الكاتبة إلى الملل له معنى رمزي يُعنى بإلغاء الدور، وطورت الشخصيات الجانبية في هذا العمل لتعزيز هذه الفكرة مع التأكيد على هويتها، حيث اختارت الكاتبة شخصية ذكر وشخصية أنثى ليشكلا مفهوم العائق. في نهاية المطاف أطلقت العنان للبطلة أن تتماهى مع هوسها وثم استدراجه من ذهنها وخيالاتها إلى الواقع إشارة لمفهومي التعبير والافصاح الجدي.
في هذه الرواية القصيرة استعانت شارلوت بتجربتها الخاصة في زواجها الأول، وكيف أن افتقار المرأة للاستقلالية العاطفية أيضاً يضر بصحتها العقلية، علاوة على ذلك لقد كانت روايتها هذه إدانة واتهاما صريحاً للطب الذي تبنى مفاهيم خارج حدوده آنذاك، إذ أرسلت شارلوت نسخة من هذه الرواية إلى طبيبها الذي وصف لها العلاج الباقي لاكتئاب ما بعد الولادة والذي كان أحد رجال المأساة نتيجة خططه العلاجيّة الخاطئة وأفكاره الاقتصاديّة.
هذا العمل يطرح أسئلة صعبة عن دور المرأة بدءاً من تقرير روتينها اليومي وصولاً لما يتعلق بصحتها العقلية وثم الحق في الاستقلال الذاتي وصناعة الهوية الخاصة وإدراك قيمها.
تخضع بطلة الرواية لـ "علاج الراحة"، الذي قدمه لأول مرة الطبيب سيلاس وير ميتشل (1829– 1914) في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا لجون كرسلي ميتشل وسارة هنري ميتشل. درس سيلاس في جامعة بنسلفانيا، وحصل على درجة الدكتوراه في الطب من كلية جيفرسون الطبية في عام 1850. وكان مسؤولاً خلال الحرب الأهلية عن الإصابات العصبية والأمراض في مستشفى تيرنرز لين بفيلادلفيا، وفي ختام الحرب أصبح استشاريًا في طب الأعصاب.
أصبح اسم ميتشل مرتبطًا بشكل بارز في هذا المجال بإدخاله للعلاج التحفظي، والذي تم تناوله في وقت لاحق من قبل عالم الطب من أجل علاج الأمراض العصبية، وخاصةً الوهن العصبي والهستيريا. يتألف العلاج في المقام الأول الراحة عبر العزل، وملازمة الفراش، واتباع نظام غذائي لإنقاص الوزن والعلاج الكهربائي والتدليك، وكان معروفا شعبيًا باسم "علاج طبيب الغذاء والطبيب الهادئ".
يُعد سيلاس أباً لعلم الأعصاب، وكذلك رائد في الطب العلمي في وقت مبكر. كما كان أيضاً طبيباً نفسياً، وطبيباً للسموم، ومؤلفاً، وشاعراً، وشخصية مشهورة في أمريكا وأوروبا. أدت مهاراته العديدة وسط معاصريه إلى اعتباره عبقرياً على قدم المساواة مع بنجامين فرانكلين.
وكان طبيب شارلوت بيركينز جيلمان الذي استلهمت منه روايتها "ورق الحائط الأصفر"، حيث عانت من انهيارات عصبية لسنوات عدة، وفي عام 1887، ذهبت إليه لتلقي العلاج، لكنها اكتشفت أن العلاج الذي يصفه للرجال يختلف عن النساء لنفس الحالة، فعلاج الراحة التي وصفها لشارلوت لم يكن يقترحها إلّا على النساء، بينما يصف للرجال نظاماً يتضمن التمارين البدنية والسفر وغير ذلك.
في البداية، تُعبر البطلة عن خيبة أملها من العلوم الطبية تجاه النساء، سواء كان زوجها أو شقيقها. إنهم يسخرون منها مراراً ويصفون لها العلاجات والأدوية، فضلاً عن بعض الممارسات، ومع ذلك، كما تقول: "يسخر جون من كلامي، لكن المرء يتوقع ذلك من الأزواج، جون عملي وواقعي جداً إلى أقصى الحدود، ليس لديه صبر مع الإيمان، ورعب شديد من الخرافات، ويسخر علانية من أي حديث عن أشياء لا يمكن الشعور بها أو رؤيتها، إنه طبيب، وربما هذا هو أحد الأسباب التي تجعلني لا أتحسن بشكل أسرع.. بالطبع، لن أقول هذا لأي بشر، ولكن أريد أن أصب على هذه الورقة ما بذهني لأرتاح- هو لا يعتقد أنني مريضة! وماذا يمكن للمرء أن يفعل؟ إذا كان زوجي - ذو المكانة العالية- يقول للأصدقاء والأقارب إنه لا يوجد أي خطب ما بشأني، وأن الأمر مجرد اكتئاب عصبي مؤقت ونزعة هستيرية طفيفة، فماذا بإمكان المرء أن يفعل؟ أخي طبيب أيضاً – وهو أيضاً ذو مكانة عالية- يقول الشيء نفسه، لذا فأنا أتناول الفوسفات أو الفوسفيت -أيا كان- وأتمتع بنزهات وتمارين رياضية وهواء نقي، وأنا ممنوعة تماماً من العمل حتى أتعافى".
يبدو هنا من هذا المقطع القصير أن الكاتبة تسلط الضوء على مسألة مهمة كانت تتبع في وقت صدور الرواية وهي أن الأطباء كانوا يعتمدون على توجهات وأفكار المحلل النفسي سيغموند فرويد حول الهستيريا واجتهاداته في أنه اضطراب عقلي يصيب النساء حصرياً.
أما من الناحية الهيكلية، فشارلوت بيركنز جيلمان تنسج الخيوط السردية في رواية تنبى أحداثها على شخصيتين فقط - الراوية وزوجها.. لكن ورق الحائط الأصفر المذكور لمرات عديدة يبدو أحياناً وكأنه امرأة أخرى خلف القضبان تحاول هزها بقوة، وأحياناً تلمحها وهي تزحف في العراء. وتقول البطلة إنّ "معظم النساء لا يتسللن في ضوء النهار".. ربما يكون هذا مؤشراً على اضطرارها للكتابة خلسة من دون أن يلاحظ زوجها.
في النهاية، تمكنت البطلة من تحرير المرأة عن طريق تقشير الكثير من ورق الحائط والقضبان. وسواء كان ذلك دليلاً على تحريرها أو تطور مرضها فإن الأمر برمته هنا متروك لخيال القارئ.