ملعب الذاكرة

ثقافة شعبية 2023/01/19
...

كاظم غيلان 

غنت هناء مهدي (العب يحبيبي اتمرن) في منتصف ستينيات القرن الماضي وهي من كلمات وألحان خزعل مهدي، رسخت هذه الأغنية الرياضية في ذاكرة الناس ليومنا هذا متربعة على عرش شقيقاتها من أغاني الرياضة، وتلاقفتها الأجيال بكل حب بكل ما فيها من بساطة وجمال وعفوية ارتبطت بحدث رياضي، مباريات انتهت بصافرة الحكم وقتها، لكن ما من صافرة أوقفت الأغنية بل استمرت في ملعب الذاكرة، رحل مؤلف الأغنية الذي هو أيضاً ملحنها، ولربما كذلك رحل معظم من حضروا تلك المباريات، لكن الأغنية باقية وهاهي تحضر 

بقوة .

الرياضة جمال، ولذا تجد أغنياتها في حضور بهي متجدد، على العكس تماماً من تلك التي تنتجها آلة الحقد والقبح كأغاني الحرب وما تعيده على الناس وتستفز ذاكرتهم بمشاهدها المأساوية الضاجة بالدم والخراب وخطاب فحولة القاتل المدجج بالسلاح على عكس ما يرتديه لاعب كرة القدم من بساطة الزي وما يحتويه من جمال .

في كلماتها الواضحة المباشرة دلالات لا تخلو من عمق المعنى كأن تقول:

(تهجم نوبه .. وترجع نوبه 

واعيون فكرك يم الطوبه).

تحس بجمالية حتى في وصف الهجوم لأنه رياضي بدلالة عيون الفكر- العقل التي تتابع كرة قدم وليس صاروخ أرض أرض.

ما فعلته الرياضة خلال أيام خليجي 25 لم تفعله السياسة وأهلها، فقد شاعت في أرواح الناس بهجة عارمة وتنامى الشعور الوطني النابذ للحقد والصراعات المريرة، ما عكسته البصرة وأهلها من محبة يكفي لوحده في تدمير آلهة الكراهية والبخل واللصوصية بمختلف أشكالها التي غدت رهينة ملاحقات هيئات النزاهة .

أعطتنا الرياضة تمريناً في الحب طال انتظاره جداً، في خضم احتقانات طائفية ذقنا مرارتها لسنوات خلت، تمرين في الإنسانية والعطاء بنسخة عراقية ليست مزورة ولا مستوردة، عراقية من منبعها حتى مصبها .

(العب يحبيبي اتمرن) أغنية الناس، ولأنها للناس خلدت ليومنا هذا، بينما امتلأت براميل نفايات كثيرة بأغاني الحزب والثورة والقائد والحرب تلك التي لا تذكر الناس إلا بفصول من الرعب والقهر والقمع، لا تذكرهم إلا بكل ماهو مضاد للحب الذي أجادت الرياضة استعادته ليكون شاغلنا الوحيد .

وهكذا (كل الأغاني انتهت.. إلا أغاني الناس).