رؤوف جبّوري رائد التجديد والتنوير

فلكلور 2023/01/19
...

   نبيل عبد الأمير الربيعي

حظيت الشخصيات الأدبيَّة والصحفيَّة في تاريخ العراق المعاصر باهتمام كبير من لدن أوساطنا الأدبيَّة والأكاديميَّة، الهدف منها سبر أغوار تلك الشخصيات، والكشف عن حقيقة أدوارها وتأثيراتها في الوسط الأدبي والصحفي، ضمن الإطار الزمني.

إلا أن دور الأديب والصحفي رؤوف جبوري قد أهمل في هذا الوسط الثقافي والأكاديمي، ولم يحظَ بمثل ذلك الاهتمام، رغم دوره الريادي وتأثيره الأدبي والصحفي ونشر الفكر التنويري في الوسط الحلي خاصة والعراقي عامة، وهو ليس أقل تأثيراً من الشخصيات الأخرى أمثال الشيخ عبد الكريم الماشطة وآخرين، كان لهم الدور في مجريات أحداث ذلك التاريخ وتطوراته ويقف في مقدمة أولئك الأديب والصحفي رؤوف جبوري.

ويزداد هذا الاهمال وضوحاً، إذا عرفنا دوره الريادي والفكري والثقافي والأدبي والصحفي والقانوني، كونه من الجيل الأول من الأدباء والصحفيين العراقيين المعاصرين، الذي انصبت جهوده بشكل رئيس منذ عام 1936م، وكما هو معروف كانت مرحلة مهمة من مراحل تأريخ العراق المعاصر التي عاصرها الراحل جبوري، وتابع أحداثها، فأثمرت جهوده في مجال تخصصه في تأريخ ذلك العهد، وما رافقه من تطورات، خصوصاً في مجال مجلته الذائعة الصيت (الحكمة)، المجلة الشهريَّة للآداب والعلوم، وتعقبها مجلة (الغد) الأسبوعيَّة للآداب والعلوم وصحيفة الحلة. فمجلة (الحكمة) قد ضمت في ثناياها الكثير من المقالات المهمة عن تفاصيل تلك الأحداث، ومن جهة أخرى الدقّة في عرض المعلومات، فجذبت الكثيرين ممن رجعوا إليها لتوثيق بحوثهم ودراساتهم.

ولد الأديب والصحفي والمحامي والمفكر رؤوف بن حسن بن جَبّوري –بتشديد الباء– بن ملا أحمد ابن جار الله الشوك المعروف بالجبّوري في بغداد في منطقة (كرادة مريم) سابع ربيع الأول 1327هـ، الموافق 25 شباط 1909م، أو (1911) ، كان جده ووالده أصحاب أملاك وأراضٍ زراعيَّة في مدينة الحلة؛ لذلك انتقلت الأسرة للسكن فيها، وكان لهُ شقيق يدعى فريد من مواليد الحلة عام 1917م وقد توفي عام 1963م. ويذكر الشيخ علي الخاقاني في كتابه (البابليات) أن (أمه من أسرة تعرف بآل الطحان، كان والده تاجراً من تجار مدينة الحلة ورث مهنته عن أسرته التي مارست التجارة منذ وقتٍ طويل، فدخل المدرسة الابتدائيَّة وعندما وصل إلى مرحلة الصف الرابع أخرجه جده، وكان من تجار الحلة). فعاشّ رؤوف جبَّوري مرحلة الصبا والشباب من أيامه مع شلّة من اترابه.

وكان جدهُ يرغب أن يكون رؤوف رجل دين، إلاّ أن المكابرة التي تجاوزت الحدود، كانت تمنعانه عما يحب أن يكون، وللأقدار حساباتها ومعادلاتها، فكان يجد فيه الوجه الفريد من نوعه ينير ظلمة البيت، لكن رؤوف لم يأخذ بنصيحة جده، وأصبح بعد عامين من الدراسة في حوزة النجف الأشرف من أبناء العصر الجديد صحفياً وشاعراً ومحامياً وسياسياً، أي أصبح شيئاً من المستحيل، فكان متمرداً على إرادة جده، فحرم الأسرة من اللطف المعهود.

حتى عاد رؤوف للتفكير في إكمال دراسته الابتدائيَّة ليصل لمرحلة الصف الرابع. كان جبَّوري يأخذ درس النحو والصرف ثم درس المقدمات على يد رجال الدين في المدينة، وكان هذا ديدن أكثر التلاميذ في تلك الحقبة، وكان من ضمن رجالات الدرس في المدينة السيد حمد كمال الدين والشيخ ناجي خميس والشيخ مجيد خميس والشيخ ارزوقي (عبد الرزاق سعيد) في محلة التعيس.

ويذكر الشيخ محمد علي اليعقوبي في (البابليات) حول نشأة رؤوف جبَّوري التعليميَّة قائلاً: (نشأ في الحلة ودخل مدارسها النظاميَّة، وأخرجه جده منها وهو في الصف الرابع، وكان جده المذكور من تجار الفيحاء، ورغب أنْ يجعل حفيده المترجم له من طلاب العلوم الدينيَّة، فدرس شطراً من ألفيَّة ابن مالك في النحو وقسماً من الحاشية على يد الأستاذ الشيخ يوسف كركوش الحلي مؤلف (مختصر تاريخ الحلة) وبعد ذلك هاجر إلى النجف لتلقي العلوم والمعارف هناك وبعد سنتين رجع إلى الحلة، فكان أكثر دراسته فيها على الفاضل الشيخ عبد الكريم بن الحاج عبد الرضا الماشطة خصوصاً في الدروس الفلسفيَّة، ثم أراد أنْ يوسع أفق معارفه فعكف على مطالعة الكتب الحديثة، حتى أثرت في مجرى حياته، وله آراءٌ حرة كان يجاهر فيها وهي لا تخلو من شذوذ عن آراء أبناء عصره وبلده الذي يعيش فيه).

وقد برز في تلك الفترة دور الشيخ رؤوف جبوري بشكلٍ لافتٍ في الصحافة الحليَّة، وأثنى عليه الدكتور علي جواد الطاهر عندما وصفهُ بقوله: (علم في الحلة معروف فيها وفي خارجها، وهو أديب، شاعر، معروف بالدرجة الأولى بأنهُ وطني، حماسي ضد الحكومة، وأنهُ يلاقي في سبيل ذلك عنتاً، وكانت مجلته محل احترام، ولا بُدَّ من أنَّه يضحي كثيراً في سبيل إخراجها، ولكننا لم نكن نتصور شيئاً من ذلك، وكان صوتاً مدوياً في الانقلاب سنة 1936م، والمحرك البارز لتظاهرات التأييد، وقد سدت الحكومة مجلة الحكمة فأصدر (الغد) والاسم ذو دلالة، ولم يستطع أنْ يصدر من (الغد) أكثر من عددٍ واحد).