محنة العلاقات الإقليمية!

الصفحة الاخيرة 2019/04/09
...

 جواد علي كسّار
ليس هذا مقالاً في التحليل السياسي، بل هو كلمات عن عقلنا السياسي. لنمر على دول الجوار العراقيّ في تصوّر افتراضي، لكنه مُثقل بإيماءات الواقع وحكاياته وكناياته، فلو حضر إلى العراق وفد من الكويت، لقال قائلنا، إن هذا البلد يفكر بتخريب وضعنا الاقتصادي، وتدمير "بنيتنا"، وتغيير الحالة السكانية "الديموغرافيا"، وله مخططات أبعد من ذلك، فهو يفكر بسلخ "أمّ خيرات" العراق البصرة، عبر مشروع الإقليم أولاً، ومن خلال الصيغة "الكونفدرالية" بعد ذلك!.
ولو جاءنا الوفد من السعودية، فسيعترض عُنقٌ كبير من الناس، لا تعوزه الحجج للاحتجاج الشديد، فهي متوفرة بكثافة بين يديه، من نوايا الوهابية وطموحاتها الدينية في العراق، إلى فتاوى تكفير الأكثرية، إلى الإرهاب الممنهج، وتغذية الاحتراب الطائفي، مروراً بمواجهة إيران في العراق، إلى نهاية المشهد الذي نعرفه جميعاً!.
ولو زار العراق وفد من الأردن، فسيُفتح ملف أطماع مشروع التاج الهاشمي الكبير، الذي يطمح بتوحيد العراق والأردن والحجاز وربما سوريا أيضاً، في نطاق حكم العائلة الهاشمية، ثمّ الدور الغامض الذي لعبه الملك حسين في التأثير في عقل صدام حسين وسياساته الكبرى وأهمّ قراراته، والجيوب المناوئة للعراق المستوطنة في الأردن اليوم، مضافاً إلى طمع الأردن بنفط العراق وأسواقه وثرواته، من دون أن نغفل ما يحتجّ به المعترضون على تحويل العراق إلى سوق للسلع الإسرائيلية، تمهيداً لما هو أكبر؛ الاختراق والتطبيع!.
ولو جاء الوفد من سوريا، فسيبادر من يُذكرنا بالإرهاب الواسع الذي اجتاح العراق من بوابة سوريا بعد السقوط، ثمّ المطامع القومية، والصراع بين يمين البعث ويساره، من دون أن ينسى نظرة السوريين الطامحة لثروات العراق وأسواقه!.
أما لو قَدِم الوفد من تركيا فسيبادر عنق من الناس، وهو يذكرنا بضغائن العثمانيين ضدّ العرب، والاحتلال العثماني للعراق، وثارات المياه، والتدخلات العسكرية، من دون أن ينسى "العثمانية الجديدة" بصفتها اليوم أعظم تلك السيئات!.
وحين يأتي الوفد من إيران، فتهم الصفوية والتغيير السكاني والتدخل بالشأن السياسي وزرع الجيوب والاستعلاء الفارسي ومحاربة أمريكا بالنيابة وسياسة المحاور وصراع المرجعيات بين النجف الأشرف وقم، ستكون جاهزة إلى جوار غيرها من الذرائع!.
بعيداً قليلاً عن دول الجوار لكن على تخومها يسري الكلام ذاته، إذا كان الوفد قد جاءنا من لبنان أو مصر أو قطر أو البحرين، إذ سيخرج عنق من الناس يُشدّد النكيراعتراضاً على هذه الوفود، ويفتح ملفات بلدانها!.
كلّ هذه الذرائع والحجج صحيحة، معها ما سقط عن الرصد، بسبب العجالة وضيق المكان وسهو القلم، لكن السؤال وسط ذلك كله: هل يريد العراق العلاقات مع دول الجوار أم لا يريد؟ وهل يمكن له أن يعيش بلا علاقات؟ هو بالتأكيد يريد، لأن العلاقات ضرورة لابدّ منها لوجوده، والعزلة هي الموت بعينه، لكن كيف يحصل ذلك؟ وأليس هناك طريق غير هذه السلبية التي تبعث على الشلل؟