رحيلُ الفتى الجميل

الصفحة الاخيرة 2019/04/16
...

علي حمود الحسن
أثرت السينما المصريَّة - على بساطتها وأحياناً سذاجتها - كثيراً في وجداننا وأسهمت في تنشئة مخيالنا، فأحببنا نجومها وتماهينا مع قصصها وأوقعتنا في حبائل صورها النمطيَّة؛ فكم واحداً منا، قد وضع يده على جهة صدره اليسرى وهو يتلوى من الألم في دلالة على إصابته بأزمة قلبيَّة، مردداً مع زكي رستم (أكثر من أدى دور الأب والموظف الغلبان، الذي ينهي أحزانه بنوبة قلبيَّة) : “قلبي، قلبي.. انتِ فين يا بنتي”، وكم من حاملٍ يتحول زوجها الى مارد مصباح علاء الدين ينفذ رغباتها ويحملها الى السرير بين ذراعيه، وهو يهمس بأذنها “اوعي تمدي يديك وتشيلي حاجة.. 
أنا عندك أهو” مسقطاً ولو الى حين ما يراه في مصري أحبه، هذه الأفلام التي تساقط أبطالها جيلاً بعد جيل بفعل حقيقة الموت التي لا تؤجل، ما زالت مشاهدتها تثير حنيناً وأسى والى حدٍ ما تساؤلاً وجودياً عن مآل مصائرنا، فهؤلاء الذين أحببناهم شباباً يافعين وأعجبنا بهم كباراً وكنا شهوداً عدولاً على كهولتهم وشيخوختهم ثم تركهم عالمنا الفاني الى رحاب الأبديَّة، فنحن الجمهور غير بعيدين عن كل هذه التحولات، نشيخ معهم ونحزن لرحيلهم، وبذا لم تعد مشاهدة الأفلام الكلاسيكيَّة مصدر متعة 
وبهجة.
هذه التداعيات راودتني وأنا أقرأ خبر وفاة الفنان المصري المحبوب محمود الجندي، الذي غادر عالمنا الفاني، قبل أيامٍ عن عمر ناهز الـ 74 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، تاركاً وراءه إرثاً فنياً معتبراً في السينما والمسرح والتلفزيون، وعلى الرغم من كونه ممثل صف ثانٍ، لكنَّ حضوره كان طاغياً ومحبباً، فهو طريفٌ وخفيفُ الظل ويمتلك صوتاً جميلاً ومرونة في حركة الجسد، جسَّد شخصيات كثيرة ومختلفة، وله أدوارٌ لا تنسى في السينما، إذ مثل في أكثر من 100 فيلم “التوت والنبوت” (1986)، “حكايات الغريب أبرزها” (1992)، “اللعب مع الكبار” (1991)، و”المرشد” (1989)، و”واحد من الناس” (2006)، و”ناجي العلي” (1992)، و”شمس الزناتي” (1991).
شغف الفتى الجميل ابن البحيرة الكادح بالفن مبكراً وبالخصوص الغناء، لكنَّ ألبومه الوحيد لم ينجح، التحق بمعهد الفنون الجميلة في العام 1967، قدَّم أعمالاً مسرحيَّة وكانت نقطة التحول في مسيرته وقوفه أمام الفنان الشامل فؤاد المهندس في مسرحية “إنها عائلة محترمة حقاً”، لتتوالى أدواره في السينما والتلفزيون والمسرح، وكانت قدرته الأدائيَّة تؤهله لتقمص كل الأدوار بأسلوب تمثيلي بسيط وبلا تكلف، ولم يكن نمطياً في أدائه السينمائي، إذ جسد شخصيات مركبة ونجح فيها، ساعده في ذلك صوته الجميل وشخصيته المنبسطة، فضلاً عن وطينته وأفكاره المنحازة 
الى “الغلابة”.