المتنبي.. بازارات وأمسيات

ريبورتاج 2023/04/18
...

 فجر محمد

 تصوير: مصطفى الجيزاني

كانت الأضواء تعم المكان والحياة تدب في كل ركن من أركانه، ففي زاوية ما تجد أطفالا يلعبون، وفي أخرى شبابا يتجولون، فضلا عن أسر عراقية، إختارت أن تتجه بعد الإفطار لزيارة هذا المكان والتجول فيه، ففي شارع المتنبي ستجد بازارات تعرض أنواعا مختلفة من المصنوعات والأعمال اليدوية، هي مشاريع صغيرة لكنها تعد مصدرا لدخل لا بأس به لشباب اختاروا أن يعرضوا مايصنعونه، في مكان ينبض بالحياة والموسيقى والفن والثقافة.

بعد فراق دام أربعة أعوام، ومنذ أن تخرجت ايمان وحيد من جامعتها، وانشغلت بمتاهات الحياة انقطعت أخبارها عن صديقات الدراسة ولم يتمكَنَ من اللقاء، لكنهن اخترن أمسيات المتنبي، ليلتقين ويتجولن في أرجاء المكان، وتقول ايمان:”عندما تخرجنا أخذتنا الحياة في دروبها، ولم نتمكن من اللقاء، لكن في رمضان هذا العام اخترنا هذا المكان لنلتقي فيه”.

وتشعر ايمان بسعادة كبيرة وهي تتبادل اطراف الحديث مع رفيقات الجامعة تارة، ثم تشاهد مشاريع صغيرة تقدمها مجموعة من الشباب تارة اخرى، هؤلاء الذين اختاروا محاربة البطالة، وألا يستسلموا لها ويحاولوا أن يوصلوا أفكارهم وأعمالهم بطريقة بسيطة.

ويرى الخبير الاقتصادي رشيد السعدي أن هكذا مشاريع، لا يمكن أن يستهان بها، فهي ايضا لها تاثير على الاقتصاد المحلي، وبالأخص المشغولات والاعمال اليدوية، التي تنتج على أيدٍ ماهرة خصوصا

الفتيات.


قديمٌ مستحدث

ربما تلفت كلمة بازار الانظار، وتثير التساؤلات فمن اين انبثقت هذه الكلمة بحسب المصادر التاريخية، فإن هذه المفردة تعني السوق الذي تعرض فيه العديد من المنتجات للبيع، ومن أكثر المدن التي تكثر فيها البازرات هي المدن الشرقية والعربية. 

وتعد جراند اسطنبول التي اقيم عام 1461 من أوائل هذه الاسواق، وما زالت لغاية الآن نشطة ومستمرة، وفي الكثير من الادبيات الاقتصادية تعد البازارات بمثابة أسواق اقتصادية مهمة، يختار أصحابها مكانا محددا ليعرضوا منتجاتهم.

 واليوم وفي ظل التطور الاقتصادي، لم تعد أي دولة، تخلو من هذه المحافل الحيوية، اذ يختار الشباب العاطلون عن العمل، ومن يملك صناعة صغيرة يقوم بعرضها على  زوار المكان. 


أرثٌ ثقافي

تعتقد عميدة كلية اقتصاديات الأعمال بجامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة، أن البازارات تعكس حياة الشعوب بعاداتها وتقاليدها وعبق التاريخ.

وتعد من المواقع السياحية، التي تجذب عددا كبيرا من الزائرين والسائحين لاقتناء الصناعات اليدوية، والتعرف على إرث المنطقة، ويتميز العراق بكثرة أسواقه الشعبية المملوءة بالحرف والصناعات اليدوية التراثية الكثيرة والمتنوعة، التي تعكس التراث الاجتماعي والثقافي، ونتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية، التي شهدها العراق فقد عانت تلك الأسواق من الإهمال طوال الفترة الماضية، مما كان له الاثر البالغ فى 

تراجعها.

وتلفت نعمة إلى أن الصناعات المحليَّة الابداعية، تمثل في جانب من جوانبها عن تفاعلات المواطنين مع بيئتهم المحلية. 

فهي إحدى القواعد الرئيسة للنسيج الاقتصادي، كون تلك الحرف والصناعات اليدوية والتراثية غالبا ما تكون مجالا خصبا للإبداع والابتكار وتعبيرا عن الإرث الثقافي المحلي لكل دولة، والبازارات هنا تمثل المرآة لعرض هذه القيم 

والثقافات.

لا تقتصر زيارة المتنبي على أهل بغداد وحسب، بل في احيان كثيرة تجد مختلف اللهجات تزور هذا المكان، من الأماكن المفضلة التي تسعى الى زيارتها كل ماوصلت مع بناتها إلى بغداد، هو شارع المتنبي وديوان القشلة تحديدا.

 فقد اعتادت ام سارة القادمة من محافظة كربلاء على هذه الزيارة منذ أن كانت طفلة صغيرة، اذ كانت ترافق والدها في جولات العمل التي يقوم بها في بغداد، وتقول أم سارة: “لا يمكنني أن أهمل زيارة بغداد، وتحديدا المتنبي في رمضان لأن له أجواء خاصة ومحببة الى النفس، والكثير منا يشعر أن هذا المكان يمثل هوية بغدادية واضحة”.

وفي وقت سابق أعلنت الامانة العامة لمجلس الوزراء، وبالتعاون مع وزارة الثقافة وصندوق المبادرة المجتمعية (تمكين)، فضلا عن امانة بغداد ومنظمة احياء الحضارة للتراث والثقافة، انطلاق فعاليات الليالي الرمضانية، التي تضمنت معارض للاعمال الفنية والتراثية وكتبا، فضلا عن ندوات ثقافية وشعرية، تقام في القشلة. 

ومن يزور شارع المتنبي، سيجد الفعاليات الموسيقية والفرق الفنية، التي تعزف ألوانا موسيقية مختلفة، من بينها الجالغي البغدادي، فضلا عن فنون أخرى.


متنفسٌ للجميع

لاتكاد تخلو بقعة واحدة من شارع المتنبي، من أطعمة أو معروضات أو منتجات معروضة من قبل اصحابها، وهي تلاقي استحسان الأسر، فالكثير منهم اما يجرب تلك المأكولات أو يقتني المصنوعات، وايضا هناك سيّاح يقصدون المتنبي، للتعرف على ما يعرض هناك ليس الكتب والمكتبات وحسب، بل ايضا تلك المنتجات.

ومن وجهة نظر الدكتورة نغم حسين نعمة فإن معظم السائحين غالبا ما يحرصون على زيارة شارع المتنبي ضمن برامجهم، ويقتنون الصناعات اليدوية، التي تتميز بها عن غيرها من الاسواق الاخرى.

 ومن الواضح للعيان أن المتنبي قد تحول بأدوات بسيطة من بيئة للكتب والمجلدات، إلى موقع بارز على الخريطة السياحية، ومن الممكن أن يكون له دور كبير في تنمية وتنشيط السياحة.